sammy
17-08-2003, 05:21 AM
مواقع متصلة
في ايلاف
مواقع أخرىالزائف والثمين .. في وصف مصر والمصريين:
اسئلة الهوية.. والمسكوت عنه بين الغزو والفتح العربي
الأحد 17 أغسطس 2003 06:21
نبيل شـرف الدين
"ومن أجل توليد أرض مصر الجبن والشرور والدنية لم تسكنها الأُسد، حتى ك لا ب ها أقل جرأة من كلا ب غيرها من الأمصار"
المقريزي، في وصف مصر والمصريين.
مقدمة لا مفر منها:
بداية أؤكد أن هذه التساؤلات "المشروعة"، التي سيحتويها هذا المقال قد لا تنسحب بالضرورة على الواقع الراهن، فقد تبدلت أوضاع واستقرت أخرى لا سبيل إلى تجاهلها، لكنها فرصة لاختبار الموضوعية في مسألة تاريخية لا تعني بالضرورة موقفاً سلبياً من العروبة، لكن تظل قراءة التاريخ قراءة موضوعية هي همّ الباحثين في شئون السياسة والاجتماع ومجمل الشأن العام، حتى يمكنهم استقراء واقعهم ونبش جذوره، كما أن المسألة لا تعني دعوة للانكباب على مواقف شوفينية بقدر ما تفضي إلى لحظة اعتذار للحقيقة التي تواطئت أجيال على التدليس فيها، وإشعال شمعة خجلى لأجيال قادمة، نتعشم ألا تتعرض أدمغتها لعمليات غسيل جمعي، كما حدث مع جيلنا وجيل سبقه، وأخرى مازالت تتجرعه حتى أيامنا الحالكة.
....
ونبدأ بالأسئلة..
لماذا يصر المؤرخون العرب على وصف دخول العرب إلى بلاد أخرى لم تكن عربية بالأساس، مثل مصر والمغرب والسودان وفارس وغيرها تعبير "الفتح الإسلامي" ولا يستخدمون مصطلح "الغزو" أو "الاحتلال" الذي يستخدمه الآن نفس المؤرخين أو أحفادهم في حالة الاحتلال الأنكلو ـ أميركي للعراق مثلاً ؟
يحدث هذا مع أن ما فعله العرب لم يكن أفضل، فهم حين "غزوا" تلك البلاد، غيروا حضارتها تماماً، وبدلوا معتقدات أهلها إلى الإسلام، وفرضوا لغتهم وثقافتهم العربية على تلك الشعوب، وحكموا أهلها كما يفعل بقية الغزاة، فلم يسمحوا لأهالي تلك البلدان بحكم أنفسهم، أو حتى بمشاركتهم في الحكم، وارتكبوا جرائم نكراء بحق السكان الأصليين، دونها مؤرخون عرب، ووثقها باحثون.
سيقول قائل: إنهم أتوا بالحق وارتضاهم الناس، وهذا نفس ما يقوله كل غاز أو محتل، وهو نفسه ما قاله المستعمرون البريطانيون والفرنسيون وغيرهم حين استعمروا بلداناً في أفريقيا وآسيا، بأنهم "عمروا" تلك "المستعمرات" وعلموا أهلها السلوك الحضاري.
إذن فما الفرق بين هؤلاء الغزاة وسابقيهم من الفاتحين العرب؟
كل منهم يؤكد أنه على الحق، وأنه مبعوث العناية السماوية ـ أو الحضارية ـ لهداية "الخراف الضالة" التي هي الشعوب المسالمة حين بادروهم بالغزو أو الفتح.
وهل ينحصر الفرق هنا في "تقادم" الحدث، وهو ما يعني أن يظل في خانة "المسكوت عنه"، باعتباره من "حديث الفتنة" ؟
يسوق أحد ببغاوات العروبة في كتاب مدرسي يجبر على قراءته والامتحان فيه ملايين التلاميذ، حجة مضحكة تقول "لولا الفتوحات الاسلامية لما أصبحت بلاد الشام ومصر والمغرب العربي عربية الآن".
والسؤال هو: ومن قال إن أهالي تلك البلاد "المفتوحة" كانوا يريدون أن يكونوا عرباً ؟
وهل كان أهل البلاد بلا هوية حتى يأتي من يفرض عليهم هويته ؟
وهل تقبل أنت (أيها العربي) الآن أن تصبح هندياً مثلاً ؟
ثقافة الغزو
ليس هذا كل شئ، فهناك ما يمكن أن نطلق عليه "العقيدة العسكرية" المتجذرة في نفوس هؤلاء "الفاتحين" أو "الغزاة" العرب فقد أتوا ورزقهم "تحت ظلال رماحهم"، وقد "أمروا بقتال الناس حتى يقولوها"، وهكذا لم يحترف هؤلاء العرب سوى الحرب والحكم، بينما ظل الصناع والزراع من أهل البلاد الأصليين يواصلون صنع الحياة كداً وعرقاً، لينهب هؤلاء الغزاة خيراتهم، تارة بالاستيلاء الصريح عليها، وأخرى بفرض المكوس والجبايات، وثالثة باسم "الجزية"، ليجد أبناء تلك الأقطار أنفسهم في وضع لم لا يعني سوى استبدال "الغزاة الرومان" بـ "الفاتحين" العرب، كما هو الحال في مصر مثلاً ؟
ألا تستحق هذه المسألة بحثاً عن سبب إصرار المؤرخين العرب على استخدام تعبير "الفتح" بدلاً من "الغزو" ؟
ألم يكن ما حدث "غزواً" بالفعل، لا يختلف كثيراً، عما يتهمون به الولايات المتحدة وبريطانيا الآن في العراق، بل ربما كان أسوأ، ففي عصرنا هناك مجتمع دولي، ووسائل إعلام تنقل الحدث في التو واللحظة، ومنظمات حقوقية ترصد كافة الممارسات، وحتى لو لم تستطع تغييرها، فهي تفضحها وتوثقها، بما يكفل في المستقبل الرجوع إليها، بينما احتكر الغازي أو الفاتح العربي الحقيقة، فكان التاريخ هو ما كتبه مؤرخون عرب مثل ابن عبد الحكم، والجبرتي، بينما اختفى تماماً صوت المصري المهزوم، ولم يصلنا منه سوى النذر اليسير، ولعل في الحالة المصرية لن نجد سوى مخطوطة "يوحنا النيقوسي" التي سنعرض لها تفصيلياً في مقال لاحق.
....
مستوطنون عرب
نتطرق الآن لما فعله هؤلاء "الفاتحون" بأهل البلاد الأصليين، ونقارن ذلك بما فعله القادمون من أوروبا بالسكان الأصليين من الهنود الحمر في الولايات المتحدة وأميركا اللاتينية مثلاً ؟
يزعم كتبة التاريخ الزائف الذي أجبرنا على تجرعه مدرسياً، أن الفرس والقبط كانوا يعانون تحت وطأة الظلم حتى أتى العرب فحرروهم، وهذه أكذوبة ومغالطة من الوزن الثقيل، فلم يفعل العرب سوى أن زادوا في وطأة الشعوب، ونهبوا خيرات تلك البلاد ونقلوها إلى ديارهم، وفرضوا ثقافتهم على أهل تلك البلاد بالسيف، وزادوا على ذلك بفرض واقع ديموغرافي جديد على تلك البلاد فأتوا بقبائل عربية لتسكن تلك البلدان، وهو ما يتهمون به إسرائيل الآن في الأراضي الفلسطينية، في مسألة المستوطنات تحديداً.
ومصادرنا هنا هي كتب المؤرخين العرب أنفسهم، مثل ابن عبد الحكم والسيوطي وابن تغري بردي والقلقشندي وياقوت واليعقوبي والمسعودي، ونبدأ بتاريخ الطبري، وانظروا ما كتبه عن رؤية ابن العاص للمصريين "أرضها ذهب .. ونيلها عجب .. وخيرها جلب .. ونساؤها لعب .. ومالها رغب .. وفي أهلها صخب .. وطاعتهم رهب .. وسلامهم شغب .. وحروبهم حرب، وهم مع من غلب".
وتأمل هذه النظرة العنصرية البغيضة، التي لم ير معها ابن العاص في مصر والمصريين سوى "النساء اللعب" و"الأرض الذهب".
وإذا كان الأمر هكذا فلماذا حرص ابن العاص على مناصرة معاوية حتى يعود لمصر مرة ثانية بعد أن "لهفها" منه ابن ابي سرح الذي فرض لأول مرة على المصريين "ضريبة الرؤوس"، حتى ضاعف الخراج الذي كان يأتي من مصر إلى المدينة المنورة.
....
في ايلاف
مواقع أخرىالزائف والثمين .. في وصف مصر والمصريين:
اسئلة الهوية.. والمسكوت عنه بين الغزو والفتح العربي
الأحد 17 أغسطس 2003 06:21
نبيل شـرف الدين
"ومن أجل توليد أرض مصر الجبن والشرور والدنية لم تسكنها الأُسد، حتى ك لا ب ها أقل جرأة من كلا ب غيرها من الأمصار"
المقريزي، في وصف مصر والمصريين.
مقدمة لا مفر منها:
بداية أؤكد أن هذه التساؤلات "المشروعة"، التي سيحتويها هذا المقال قد لا تنسحب بالضرورة على الواقع الراهن، فقد تبدلت أوضاع واستقرت أخرى لا سبيل إلى تجاهلها، لكنها فرصة لاختبار الموضوعية في مسألة تاريخية لا تعني بالضرورة موقفاً سلبياً من العروبة، لكن تظل قراءة التاريخ قراءة موضوعية هي همّ الباحثين في شئون السياسة والاجتماع ومجمل الشأن العام، حتى يمكنهم استقراء واقعهم ونبش جذوره، كما أن المسألة لا تعني دعوة للانكباب على مواقف شوفينية بقدر ما تفضي إلى لحظة اعتذار للحقيقة التي تواطئت أجيال على التدليس فيها، وإشعال شمعة خجلى لأجيال قادمة، نتعشم ألا تتعرض أدمغتها لعمليات غسيل جمعي، كما حدث مع جيلنا وجيل سبقه، وأخرى مازالت تتجرعه حتى أيامنا الحالكة.
....
ونبدأ بالأسئلة..
لماذا يصر المؤرخون العرب على وصف دخول العرب إلى بلاد أخرى لم تكن عربية بالأساس، مثل مصر والمغرب والسودان وفارس وغيرها تعبير "الفتح الإسلامي" ولا يستخدمون مصطلح "الغزو" أو "الاحتلال" الذي يستخدمه الآن نفس المؤرخين أو أحفادهم في حالة الاحتلال الأنكلو ـ أميركي للعراق مثلاً ؟
يحدث هذا مع أن ما فعله العرب لم يكن أفضل، فهم حين "غزوا" تلك البلاد، غيروا حضارتها تماماً، وبدلوا معتقدات أهلها إلى الإسلام، وفرضوا لغتهم وثقافتهم العربية على تلك الشعوب، وحكموا أهلها كما يفعل بقية الغزاة، فلم يسمحوا لأهالي تلك البلدان بحكم أنفسهم، أو حتى بمشاركتهم في الحكم، وارتكبوا جرائم نكراء بحق السكان الأصليين، دونها مؤرخون عرب، ووثقها باحثون.
سيقول قائل: إنهم أتوا بالحق وارتضاهم الناس، وهذا نفس ما يقوله كل غاز أو محتل، وهو نفسه ما قاله المستعمرون البريطانيون والفرنسيون وغيرهم حين استعمروا بلداناً في أفريقيا وآسيا، بأنهم "عمروا" تلك "المستعمرات" وعلموا أهلها السلوك الحضاري.
إذن فما الفرق بين هؤلاء الغزاة وسابقيهم من الفاتحين العرب؟
كل منهم يؤكد أنه على الحق، وأنه مبعوث العناية السماوية ـ أو الحضارية ـ لهداية "الخراف الضالة" التي هي الشعوب المسالمة حين بادروهم بالغزو أو الفتح.
وهل ينحصر الفرق هنا في "تقادم" الحدث، وهو ما يعني أن يظل في خانة "المسكوت عنه"، باعتباره من "حديث الفتنة" ؟
يسوق أحد ببغاوات العروبة في كتاب مدرسي يجبر على قراءته والامتحان فيه ملايين التلاميذ، حجة مضحكة تقول "لولا الفتوحات الاسلامية لما أصبحت بلاد الشام ومصر والمغرب العربي عربية الآن".
والسؤال هو: ومن قال إن أهالي تلك البلاد "المفتوحة" كانوا يريدون أن يكونوا عرباً ؟
وهل كان أهل البلاد بلا هوية حتى يأتي من يفرض عليهم هويته ؟
وهل تقبل أنت (أيها العربي) الآن أن تصبح هندياً مثلاً ؟
ثقافة الغزو
ليس هذا كل شئ، فهناك ما يمكن أن نطلق عليه "العقيدة العسكرية" المتجذرة في نفوس هؤلاء "الفاتحين" أو "الغزاة" العرب فقد أتوا ورزقهم "تحت ظلال رماحهم"، وقد "أمروا بقتال الناس حتى يقولوها"، وهكذا لم يحترف هؤلاء العرب سوى الحرب والحكم، بينما ظل الصناع والزراع من أهل البلاد الأصليين يواصلون صنع الحياة كداً وعرقاً، لينهب هؤلاء الغزاة خيراتهم، تارة بالاستيلاء الصريح عليها، وأخرى بفرض المكوس والجبايات، وثالثة باسم "الجزية"، ليجد أبناء تلك الأقطار أنفسهم في وضع لم لا يعني سوى استبدال "الغزاة الرومان" بـ "الفاتحين" العرب، كما هو الحال في مصر مثلاً ؟
ألا تستحق هذه المسألة بحثاً عن سبب إصرار المؤرخين العرب على استخدام تعبير "الفتح" بدلاً من "الغزو" ؟
ألم يكن ما حدث "غزواً" بالفعل، لا يختلف كثيراً، عما يتهمون به الولايات المتحدة وبريطانيا الآن في العراق، بل ربما كان أسوأ، ففي عصرنا هناك مجتمع دولي، ووسائل إعلام تنقل الحدث في التو واللحظة، ومنظمات حقوقية ترصد كافة الممارسات، وحتى لو لم تستطع تغييرها، فهي تفضحها وتوثقها، بما يكفل في المستقبل الرجوع إليها، بينما احتكر الغازي أو الفاتح العربي الحقيقة، فكان التاريخ هو ما كتبه مؤرخون عرب مثل ابن عبد الحكم، والجبرتي، بينما اختفى تماماً صوت المصري المهزوم، ولم يصلنا منه سوى النذر اليسير، ولعل في الحالة المصرية لن نجد سوى مخطوطة "يوحنا النيقوسي" التي سنعرض لها تفصيلياً في مقال لاحق.
....
مستوطنون عرب
نتطرق الآن لما فعله هؤلاء "الفاتحون" بأهل البلاد الأصليين، ونقارن ذلك بما فعله القادمون من أوروبا بالسكان الأصليين من الهنود الحمر في الولايات المتحدة وأميركا اللاتينية مثلاً ؟
يزعم كتبة التاريخ الزائف الذي أجبرنا على تجرعه مدرسياً، أن الفرس والقبط كانوا يعانون تحت وطأة الظلم حتى أتى العرب فحرروهم، وهذه أكذوبة ومغالطة من الوزن الثقيل، فلم يفعل العرب سوى أن زادوا في وطأة الشعوب، ونهبوا خيرات تلك البلاد ونقلوها إلى ديارهم، وفرضوا ثقافتهم على أهل تلك البلاد بالسيف، وزادوا على ذلك بفرض واقع ديموغرافي جديد على تلك البلاد فأتوا بقبائل عربية لتسكن تلك البلدان، وهو ما يتهمون به إسرائيل الآن في الأراضي الفلسطينية، في مسألة المستوطنات تحديداً.
ومصادرنا هنا هي كتب المؤرخين العرب أنفسهم، مثل ابن عبد الحكم والسيوطي وابن تغري بردي والقلقشندي وياقوت واليعقوبي والمسعودي، ونبدأ بتاريخ الطبري، وانظروا ما كتبه عن رؤية ابن العاص للمصريين "أرضها ذهب .. ونيلها عجب .. وخيرها جلب .. ونساؤها لعب .. ومالها رغب .. وفي أهلها صخب .. وطاعتهم رهب .. وسلامهم شغب .. وحروبهم حرب، وهم مع من غلب".
وتأمل هذه النظرة العنصرية البغيضة، التي لم ير معها ابن العاص في مصر والمصريين سوى "النساء اللعب" و"الأرض الذهب".
وإذا كان الأمر هكذا فلماذا حرص ابن العاص على مناصرة معاوية حتى يعود لمصر مرة ثانية بعد أن "لهفها" منه ابن ابي سرح الذي فرض لأول مرة على المصريين "ضريبة الرؤوس"، حتى ضاعف الخراج الذي كان يأتي من مصر إلى المدينة المنورة.
....