makakola
21-02-2006, 06:45 AM
http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?t=0&userID=0&aid=57811
من أسلمة الحداثة إلى أسلمة قيم الغرب
مجدى خليل
magdikh@hotmail.com
الحوار المتمدن - العدد: 1468 - 2006 / 2 / 21
لعل أزمة الكاريكاتير المسئ للإسلام فتحت نقاشا أوسع حول تفاعل المسلمين سلبا وإيجابا مع العالم المعاصر.
فشلت محاولات المصلحين المسلمين في القرن الماضي من أمثال محمد عبده ورفاعة الطهطاوي وطه حسين وعلي عبد الرازق وغيرهم في تحديث الإسلام وانتصرت رؤية الفريق المتطرف الذي قاده منذ عام 1928حسن البنا وأتباعه في أسلمة الحداثة عبر نشر نمط معين باعتباره هو الإسلام الصحيح وفرضه على الناس بالترغيب والترهيب ، وإسباغ صفة الإسلامي على هذا النمط، بما يعني أن غيره غير إسلامي وغير شرعي. وتمثل هذا النمط في الزي الإسلامي، البنوك الإسلامية، الاقتصاد الإسلامي، التعليم الإسلامي، أسلمة العلوم، أسلمة الإعلام، أسلمة القضاء، القوانين الإسلامية، انتشار واسع للثقافة السلفية، الطب الإسلامي والنبوي، التوسع الضخم في المنظمات الإسلامية، تهميش الدولة القومية لصالح الأممية الإسلامية، أسلمة المصطلحات السياسية والمفردات اليومية (مبايعة، ولاية، شورى ، ثوابت الأمة .. ألخ). وترتب على ذلك ضياع فرصة الحداثة على الدول الإسلامية والاستعاضة عن ذلك بتحديث قشري مستورد من الغرب ، أي استهلاك منتجات الحضارة بدلا من المشاركة فيها. ولكن المزايدات الدينية على من هو أكثر سلفية لم تؤد فقط إلى تآكل المجتمعات الإسلامية من داخلها وتخلفها واقتتالها ولكنها في النهاية أفرزت نمطا عنيفا عند قطاع منهم أخذ ينشر العنف في كل مكان، وفي لحظة تاريخية تم تصدير هذا العنف إلى الخارج، وهنا بدأت مشكلة المسلمين الكبرى مع العالم المعاصر وخاصة الغربي.
إذن المشكلة الأولى جاءت من تصدير العنف إلى الخارج، أما المشكلة الثانية فكانت نتيجة تزايد دور الهجرة إلى الغرب ووجود جاليات إسلامية كبيرة في أوروبا وأمريكا واستراليا، وبدلا من أن تقوم هذه الجاليات بدور جسور تنقل الحداثة من الغرب إلى الشرق ،كما فعل رواد النهضة العربية ،جاء الكثير من هؤلاء وهو محمل بمفهوم الحداثة المتأسلمة أو اكتسبهاعبر الأعلام المتأسلم القادم بكثافة من الشرق الاوسط فى السنوات الأخيرة ،وانعزل الكثير من هؤلاء في جيتوهات بزيهم المعروف وطعامهم الحلال وثقافتهم الخاصة. ليست هناك مشكلة في هذا، فالفكر الغربي الحديث يقوم على قبول التعددية واحترام الخصوصيات الثقافية، ولكن المشكلة بدأت عندما حاول البعض منهم فرض قيمهم الخاصة على المجتمعات الغربية أو التمسك بهذه القيم على حساب القانون، وبالتالي انتقلت أزمة العالم الإسلامي العميقة في مواجهة الحداثة من الشرق إلى الغرب .وقد لخص ذلك نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني بقوله " إن الإرهابيين الإسلاميين إما أن ينجحوا في تغيير أسلوب حياة الغرب، وإما أن ينجح الغرب في تغيير أسلوب حياتهم".
وعلى الجانب الإسلامي عبر طارق رمضان الداعية الإسلامي الأوروبي بوضوح عن رؤية المسلمين بقوله "إن على المسلم أن لا يقبل قيما تخالف العقيدة الإسلامية وقيمها"، وقال "المسلمون غير ملزمين بالإرث العلماني الفرنسي، أنهم لم يساهموا تاريخيا في هذا الإرث".
ولكن ماذا لو تعارضت هذه القيم مع القانون، مثل بث الكراهية باسم الدين، ضرب المرأة كما دعا إلى ذلك إمام مسجد في إسبانيا، ختان الأناث ،وانتهاك حقوق الأطفال، وتكفير غير المسلمين، وتعدد الزوجات، والدعوة لعدم شرعية التجنيد العسكري للمسلمين فى الغرب، والتحايل للعيش على الإعانات ،بل وصل الامرلتمجيد والدعوة للإرهاب والقتل والأنخراط فى منظمات إرهابية.
أحد هذه القيم الخلافية الشديدة بين المسلمين والغرب هي فكرة الفصل بين الدين والدولة، بما في ذلك الحق في انتقاد الأديان، وحق الإيمان وحق الإلحاد، وهذا الفصل التام والحاد هو الذي جعل أعضاء الاتحاد الأوروبي يصرون على عدم مجرد الإشارة إلى المسيحية في الدستور الأوروبى الموحد على الرغم من أنها دين الأغلبية الكاسح فى اوروبا، وهناك عدد لا يمكن إحصاءه من الكتب التي تهاجم الأديان والله والأنبياء في الغرب وخاصة المسيحية، بل والإجهار بالإلحاد، فلسفة ماركس قائمة على الإلحاد وأن الدين أفيون الشعوب، وصل الامر بنيتشه الفيلسوف الألماني الشهير لأن يقول "لا يوجد إله لأن الإله قد مات"، وهناك تمرد سارتر ومذهبه الوجودى الالحادى، بل والعشرات من الفلسفات والمذاهب الإلحادية على تنوعاتها المختلفة تنتشر في أوروبا على نطاق واسع. وكلنا نتذكر رواية وفيلم "الإغراء الأخير للسيد المسيح"، ورواية كود دافنشي عن الميسح، وكتاب عن شذوذ بولس الرسول The Abnormality of Paul بل وصل الأمر إلى نشر كتاب بعنوان غباء الله Foolishness of God ، ومع هذا لم نسمع عن قتل أحد لأنه انتقد المسيحية ولم يحدث أن أثرت هذه الفلسفات والكتابات على بقاء المسيحية أو اليهودية، بل أن دول المعسكر الشرقي عادت إلى إيمانها بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وكأن شيئا لم يكن.
من أسلمة الحداثة إلى أسلمة قيم الغرب
مجدى خليل
magdikh@hotmail.com
الحوار المتمدن - العدد: 1468 - 2006 / 2 / 21
لعل أزمة الكاريكاتير المسئ للإسلام فتحت نقاشا أوسع حول تفاعل المسلمين سلبا وإيجابا مع العالم المعاصر.
فشلت محاولات المصلحين المسلمين في القرن الماضي من أمثال محمد عبده ورفاعة الطهطاوي وطه حسين وعلي عبد الرازق وغيرهم في تحديث الإسلام وانتصرت رؤية الفريق المتطرف الذي قاده منذ عام 1928حسن البنا وأتباعه في أسلمة الحداثة عبر نشر نمط معين باعتباره هو الإسلام الصحيح وفرضه على الناس بالترغيب والترهيب ، وإسباغ صفة الإسلامي على هذا النمط، بما يعني أن غيره غير إسلامي وغير شرعي. وتمثل هذا النمط في الزي الإسلامي، البنوك الإسلامية، الاقتصاد الإسلامي، التعليم الإسلامي، أسلمة العلوم، أسلمة الإعلام، أسلمة القضاء، القوانين الإسلامية، انتشار واسع للثقافة السلفية، الطب الإسلامي والنبوي، التوسع الضخم في المنظمات الإسلامية، تهميش الدولة القومية لصالح الأممية الإسلامية، أسلمة المصطلحات السياسية والمفردات اليومية (مبايعة، ولاية، شورى ، ثوابت الأمة .. ألخ). وترتب على ذلك ضياع فرصة الحداثة على الدول الإسلامية والاستعاضة عن ذلك بتحديث قشري مستورد من الغرب ، أي استهلاك منتجات الحضارة بدلا من المشاركة فيها. ولكن المزايدات الدينية على من هو أكثر سلفية لم تؤد فقط إلى تآكل المجتمعات الإسلامية من داخلها وتخلفها واقتتالها ولكنها في النهاية أفرزت نمطا عنيفا عند قطاع منهم أخذ ينشر العنف في كل مكان، وفي لحظة تاريخية تم تصدير هذا العنف إلى الخارج، وهنا بدأت مشكلة المسلمين الكبرى مع العالم المعاصر وخاصة الغربي.
إذن المشكلة الأولى جاءت من تصدير العنف إلى الخارج، أما المشكلة الثانية فكانت نتيجة تزايد دور الهجرة إلى الغرب ووجود جاليات إسلامية كبيرة في أوروبا وأمريكا واستراليا، وبدلا من أن تقوم هذه الجاليات بدور جسور تنقل الحداثة من الغرب إلى الشرق ،كما فعل رواد النهضة العربية ،جاء الكثير من هؤلاء وهو محمل بمفهوم الحداثة المتأسلمة أو اكتسبهاعبر الأعلام المتأسلم القادم بكثافة من الشرق الاوسط فى السنوات الأخيرة ،وانعزل الكثير من هؤلاء في جيتوهات بزيهم المعروف وطعامهم الحلال وثقافتهم الخاصة. ليست هناك مشكلة في هذا، فالفكر الغربي الحديث يقوم على قبول التعددية واحترام الخصوصيات الثقافية، ولكن المشكلة بدأت عندما حاول البعض منهم فرض قيمهم الخاصة على المجتمعات الغربية أو التمسك بهذه القيم على حساب القانون، وبالتالي انتقلت أزمة العالم الإسلامي العميقة في مواجهة الحداثة من الشرق إلى الغرب .وقد لخص ذلك نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني بقوله " إن الإرهابيين الإسلاميين إما أن ينجحوا في تغيير أسلوب حياة الغرب، وإما أن ينجح الغرب في تغيير أسلوب حياتهم".
وعلى الجانب الإسلامي عبر طارق رمضان الداعية الإسلامي الأوروبي بوضوح عن رؤية المسلمين بقوله "إن على المسلم أن لا يقبل قيما تخالف العقيدة الإسلامية وقيمها"، وقال "المسلمون غير ملزمين بالإرث العلماني الفرنسي، أنهم لم يساهموا تاريخيا في هذا الإرث".
ولكن ماذا لو تعارضت هذه القيم مع القانون، مثل بث الكراهية باسم الدين، ضرب المرأة كما دعا إلى ذلك إمام مسجد في إسبانيا، ختان الأناث ،وانتهاك حقوق الأطفال، وتكفير غير المسلمين، وتعدد الزوجات، والدعوة لعدم شرعية التجنيد العسكري للمسلمين فى الغرب، والتحايل للعيش على الإعانات ،بل وصل الامرلتمجيد والدعوة للإرهاب والقتل والأنخراط فى منظمات إرهابية.
أحد هذه القيم الخلافية الشديدة بين المسلمين والغرب هي فكرة الفصل بين الدين والدولة، بما في ذلك الحق في انتقاد الأديان، وحق الإيمان وحق الإلحاد، وهذا الفصل التام والحاد هو الذي جعل أعضاء الاتحاد الأوروبي يصرون على عدم مجرد الإشارة إلى المسيحية في الدستور الأوروبى الموحد على الرغم من أنها دين الأغلبية الكاسح فى اوروبا، وهناك عدد لا يمكن إحصاءه من الكتب التي تهاجم الأديان والله والأنبياء في الغرب وخاصة المسيحية، بل والإجهار بالإلحاد، فلسفة ماركس قائمة على الإلحاد وأن الدين أفيون الشعوب، وصل الامر بنيتشه الفيلسوف الألماني الشهير لأن يقول "لا يوجد إله لأن الإله قد مات"، وهناك تمرد سارتر ومذهبه الوجودى الالحادى، بل والعشرات من الفلسفات والمذاهب الإلحادية على تنوعاتها المختلفة تنتشر في أوروبا على نطاق واسع. وكلنا نتذكر رواية وفيلم "الإغراء الأخير للسيد المسيح"، ورواية كود دافنشي عن الميسح، وكتاب عن شذوذ بولس الرسول The Abnormality of Paul بل وصل الأمر إلى نشر كتاب بعنوان غباء الله Foolishness of God ، ومع هذا لم نسمع عن قتل أحد لأنه انتقد المسيحية ولم يحدث أن أثرت هذه الفلسفات والكتابات على بقاء المسيحية أو اليهودية، بل أن دول المعسكر الشرقي عادت إلى إيمانها بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وكأن شيئا لم يكن.