kimit
08-06-2006, 07:02 AM
الديانة الوحيدة المتبقية
ماوريتزيو بلونديه
صحيفة إف دي إف ، 30 مايو 2006
الجزء الأول
توجد في الصين ، منذ آلاف السنوات ، ديانة مدنية عمومية لم يستطع حتى ماو إلغاءها إلا وهي الكنفوشية .
ويجوز للمرء أن يكون بوذيًا أو مؤمنًا بالتاو أو مسيحيًا أو حتى ملحدًا ولكن ينبغي عليه بشكل قاطع القيام بالمراسم الطقوسية لعبادة الأجداد .
اليوم تستمر هذه العبادة داخل البيوت ولكن في الماضي كان هناك مراسم عمومية ضخمة يقوم بها الإمبراطور والمسئولون من كل درجة كما أنه كان يجب على العامة أن تتبع أخلاقيات معينة وغالبا ما كان يتبعها الأفراد برغبتهم وكانت هذه الأخلاق تضم ، على سبيل المثال ، احترام العجائز ، العناية بالوالدين وتقديس العائلة التي يراد بها استمرارية ميستيكية في الحياة وفي الموت .
كانت العبادات الكنفوشية تفترض وجود جميع الأجداد ، بما فيهم الغير معروفين والمنسيين ، في أجساد سلالتهم.
وقد فهم اليسوعيون التابعون للأب ريتشي جيدًا أن هذه العبادة لم تكن ديانة بمعنى الكلمة بل مجرد أخلاقيات مدنية وأسلوب لتربية الجماهير .
لذا فقد خلعوا عباءاتهم ولبسوا الملابس الخاصة بمن هم في مستواهم الفكري وهي ملابس لامعة مصنوعة من الحرير الصيني ، وقاموا بممارسة تلك المراسم .
ولكن الفاتيكان ، الذي كان يجهل الإطار الثقافي الصيني ، فرض حظرا على تلك المراسم لأنه رأى في ذلك نوعا من الوثنية .
وتسبب ذلك في أزمة الاختراق التبشيري في الصين لأن المبشرين كانوا يُحضرون ديانة جديدة ولكن دون احترام للعادات الاجتماعية الصينية ، وهم يبقون أجانب بشكل جذري وغير قابلين للاندماج .
واليوم أدرك الفاتيكان أنه ، إذا لم يرد أن يُمحى تماما من المسرح العالمي ، فعليه أن يرفع البخور للديانة المدنية العالمية .
وكما لا يخفى عنكم ، فإن للغرب العلماني كنفوشيته أيضًا .
معنى أن الغرب علماني هو أنه يطالب جميع الديانات المقتصرة على الإطار الشخصي بألا تحكم على المجتمع وأن تقوم بأقل ما يمكن من الأفعال الخارجية ، فالغرب يرفض الإسلام بالذات لأنه يقاوم انحصار الدين في إطار داخلي وفردي . ولكنه في نفس الوقت يأمر باحترام دينه الحقيقي في مراسم رسمية وعامة .
ولا يُسمح فيه بالارتداد ولا حتى اللاأدرية التي هي ، بالعكس ، أمر مستحب تجاه جميع الديانات الأخرى كسلوك علماني .
يجوز بل هو مرحب به الاعتقاد بأن يسوع لم يكن له أي وجود قط وكذلك توجيه انتقادات هدامة للإنجيل والادعاء بأن أحداث السنوات الأولى للكنيسة لم تسِر على الوجه الذي يُحكى لنا وعليه فلا يُسمح بأدنى شك في الدين الجديد .
إن هذا الدين محمي من قبل القانون الجنائي من أي انتقاد قد يوجه لمصادره فلا يوجد علامة أكثر وضوحا للطبيعة العمومية للدين المدني سوى كونه يحظى بحماية الدولة ضد أي شكاك أو مناهض .
فكل من يحاول القول ، بناء على بحوث تاريخية ، بأن الأمور لم تسِر كما يريد الدين العالمي يُدعى "مراجعا" ولذلك يتم استبعاده أو طرده من المجتمع بشكل رمزي أو يتم حبسه .
وقد أجرت مجلة "شبيجل" الألمانية مؤخرًا مقابلة مع الرئيس الإيراني أحمدي نجاد . وكرر الرئيس الإيراني أنه ، لو كانت المحرقة قد حدثت فعلا لكان ذلك ذنبا على عاتق الغربيين ولم يرتكبه الشرقيون ، فلا سبب إذن لأن يتحمل الشرق الأوسط العواقب التاريخية الناتجة عن ذنب لم يرتكبه وما هذه العواقب إلا دولة مدججة بالأسلحة ومتعسفة في تعاملها مع جميع جيرانها .
وكما كان متوقعًا فإن ما قاله نجاد لم يحظَ بأي قبول .
إذن ، فإن إهانة الديانات الأخرى ، وبوجه خاص الإسلام ، يشجع عليها ولكن لا يجوز أدنى شك في الديانة الحقيقية الوحيدة . مجرد الابتعاد عنها أو مجرد النطق بظرف "لو" هما كافيان لإلقاء تهمة الـ "إنكارية" أي الهرطقة العظمى التي ينتج عنها إقصاء الهرطقي عن الجنس البشري وإسقاط كافة حقوقه حتى حقه في الدفاع القانوني والعسكري عن النفس .
توقفت الديانات الأخرى عن حرق المرتدين والهراطقة ولكن الديانة الجديدة وحدها تفرض على كل من يخرج على النظام المحرقة ولا تستبعد المحرقة النووية أيضًا .
ولهذه الأسباب كافة ، حسنًا فعل البابا بنديكتس السادس عشر عندما قام بالمراسم الطقوسية المطلوبة من قبل الكنفوشية العالمية .
ومن المفترض أن يستنتج الكاثوليك التقدميون والمجمعيون (وهم من يناشدون بمجمع الفاتيكان الثاني) الذين يبغضون الليتورجية ، على أنها شيء لا حاجة له وجزء من الماضي ، بشيء من التأمل من التقارير الصحفية لأول زيارة للبابا الجديد لأوشفيتز . فالصحف والتليفزيونات تجسست بشكل تفصيلي إلى أي مدى توافق بنديكتس بليتورجية الديانة الشاملة وقد شددت على النقاط التي اختلف فيها عنها .
فقد تم إحصاء المرات التي نطق فيها بكلمة "شؤاه" بدلا من كلمة "المحرقة" فالأولى هي أكثر ليتورجية لأنها مقتبسة من اللغة المقدسة وإن النطق بها لدليل على انتماء أكثر حميمية إلى العقيدة الغربية العالمية .
كما أن الصحافة شددت على أن البابا دخل أوشفيتز ويداه معقودتان ثم قطع المسار الليتورجي ، أي طريق الآلام اليهودي ، "وهو يصلي منذ أول لحظة دخل فيها " (صحيفة "لا ريبوبليكا")
وكذلك لاحظت الصحف كيف أنه لم يفتح فاه إلا "في نهاية نشيد الكادش الحدادي" ، وهو نشيد ليتورجي بوجه خاص .
وشددت كذلك ، بترحيب كبير ، على الجملة التي قال فيها "لماذا يا رب سكت ؟ لماذا استطعت أن تقبل هذا كله ؟ في هذا الصمت ، نركع في صميم أنفسنا أمام جموع من تألموا هنا وحُملوا إلى الموت" .
وقد اُعتبرت هذه الجملة روح انتماء واجبا إلى اللاهوتية العالمية الجديدة التي تزعم أن "الله لم يكن موجودًا في أوشفيتز" لأنه لم يتدخل لإنقاذ شعبه الذي ليس مختارا فقط بل هو بريء من كل ذنب أيضًا . وبناء عليه فإن ذلك الشعب من ذلك الحين فصاعدا يجوز له أن يستبيح لنفسه أن يأخذ كل ما وعده به الله ولم يوف به ، ابتداء من الأرض المقدسة ، وأن يدافع عن نفسه بمائتين أو ثلاثمائة قنبلة نووية .
وهذا الكلام غير مقبول طبعًا بالنسبة لأي مسيحي .
حيثما يوجد ألم بشري هناك يسوع المصلوب الذي أعطى دليلا على وجوده متجسدًا في الأب "كولبي" الذي بذل حياته لأصدقائه مظهرًا هكذا أن ما من حب أعظم من هذا . وفعلا زار بنديكتس السادس عشر قلاية الأب كولبي أيضًا . ويُعدّ ذلك استثناء في الليتورجية أخذ به لأن كولبي في نهاية المطاف ، أنقذ بحياته حياة اليهود التي لا يمكن مقارنتها بأي شيء آخر .
وما يهم في الكنفوشية الغربية الجديدة أنه يجب ، على المنتمين إلى كافة الأديان وجميع الرؤساء الدينيين ، أن يقوموا بطقوس هذه العبادة العمومية .
إنها أفعال خارجية وهو ما يهم لأنها علامات خضوع .
وقد كان البابا بنديكتس حذرًا جدا ومثل الأب اليسوعي ريتشي في الصين ، نطق بالكلمات المطلوبة في اللحظة المطلوبة ليتورجيًا وبعد ذلك فقط سمح لنفسه بالإفصاح عن بعض الحقائق .
فقد قال إن اليهود ذُبحوا في أوشفيتز كـ"الخراف" ويعترف ذلك التعبير ببراءة اليهود الجذرية بل والمقدسة التي تجعلهم مُعَافون من أي حكم على أعمالهم حتى ولو كانت شريرة .
ماوريتزيو بلونديه
صحيفة إف دي إف ، 30 مايو 2006
الجزء الأول
توجد في الصين ، منذ آلاف السنوات ، ديانة مدنية عمومية لم يستطع حتى ماو إلغاءها إلا وهي الكنفوشية .
ويجوز للمرء أن يكون بوذيًا أو مؤمنًا بالتاو أو مسيحيًا أو حتى ملحدًا ولكن ينبغي عليه بشكل قاطع القيام بالمراسم الطقوسية لعبادة الأجداد .
اليوم تستمر هذه العبادة داخل البيوت ولكن في الماضي كان هناك مراسم عمومية ضخمة يقوم بها الإمبراطور والمسئولون من كل درجة كما أنه كان يجب على العامة أن تتبع أخلاقيات معينة وغالبا ما كان يتبعها الأفراد برغبتهم وكانت هذه الأخلاق تضم ، على سبيل المثال ، احترام العجائز ، العناية بالوالدين وتقديس العائلة التي يراد بها استمرارية ميستيكية في الحياة وفي الموت .
كانت العبادات الكنفوشية تفترض وجود جميع الأجداد ، بما فيهم الغير معروفين والمنسيين ، في أجساد سلالتهم.
وقد فهم اليسوعيون التابعون للأب ريتشي جيدًا أن هذه العبادة لم تكن ديانة بمعنى الكلمة بل مجرد أخلاقيات مدنية وأسلوب لتربية الجماهير .
لذا فقد خلعوا عباءاتهم ولبسوا الملابس الخاصة بمن هم في مستواهم الفكري وهي ملابس لامعة مصنوعة من الحرير الصيني ، وقاموا بممارسة تلك المراسم .
ولكن الفاتيكان ، الذي كان يجهل الإطار الثقافي الصيني ، فرض حظرا على تلك المراسم لأنه رأى في ذلك نوعا من الوثنية .
وتسبب ذلك في أزمة الاختراق التبشيري في الصين لأن المبشرين كانوا يُحضرون ديانة جديدة ولكن دون احترام للعادات الاجتماعية الصينية ، وهم يبقون أجانب بشكل جذري وغير قابلين للاندماج .
واليوم أدرك الفاتيكان أنه ، إذا لم يرد أن يُمحى تماما من المسرح العالمي ، فعليه أن يرفع البخور للديانة المدنية العالمية .
وكما لا يخفى عنكم ، فإن للغرب العلماني كنفوشيته أيضًا .
معنى أن الغرب علماني هو أنه يطالب جميع الديانات المقتصرة على الإطار الشخصي بألا تحكم على المجتمع وأن تقوم بأقل ما يمكن من الأفعال الخارجية ، فالغرب يرفض الإسلام بالذات لأنه يقاوم انحصار الدين في إطار داخلي وفردي . ولكنه في نفس الوقت يأمر باحترام دينه الحقيقي في مراسم رسمية وعامة .
ولا يُسمح فيه بالارتداد ولا حتى اللاأدرية التي هي ، بالعكس ، أمر مستحب تجاه جميع الديانات الأخرى كسلوك علماني .
يجوز بل هو مرحب به الاعتقاد بأن يسوع لم يكن له أي وجود قط وكذلك توجيه انتقادات هدامة للإنجيل والادعاء بأن أحداث السنوات الأولى للكنيسة لم تسِر على الوجه الذي يُحكى لنا وعليه فلا يُسمح بأدنى شك في الدين الجديد .
إن هذا الدين محمي من قبل القانون الجنائي من أي انتقاد قد يوجه لمصادره فلا يوجد علامة أكثر وضوحا للطبيعة العمومية للدين المدني سوى كونه يحظى بحماية الدولة ضد أي شكاك أو مناهض .
فكل من يحاول القول ، بناء على بحوث تاريخية ، بأن الأمور لم تسِر كما يريد الدين العالمي يُدعى "مراجعا" ولذلك يتم استبعاده أو طرده من المجتمع بشكل رمزي أو يتم حبسه .
وقد أجرت مجلة "شبيجل" الألمانية مؤخرًا مقابلة مع الرئيس الإيراني أحمدي نجاد . وكرر الرئيس الإيراني أنه ، لو كانت المحرقة قد حدثت فعلا لكان ذلك ذنبا على عاتق الغربيين ولم يرتكبه الشرقيون ، فلا سبب إذن لأن يتحمل الشرق الأوسط العواقب التاريخية الناتجة عن ذنب لم يرتكبه وما هذه العواقب إلا دولة مدججة بالأسلحة ومتعسفة في تعاملها مع جميع جيرانها .
وكما كان متوقعًا فإن ما قاله نجاد لم يحظَ بأي قبول .
إذن ، فإن إهانة الديانات الأخرى ، وبوجه خاص الإسلام ، يشجع عليها ولكن لا يجوز أدنى شك في الديانة الحقيقية الوحيدة . مجرد الابتعاد عنها أو مجرد النطق بظرف "لو" هما كافيان لإلقاء تهمة الـ "إنكارية" أي الهرطقة العظمى التي ينتج عنها إقصاء الهرطقي عن الجنس البشري وإسقاط كافة حقوقه حتى حقه في الدفاع القانوني والعسكري عن النفس .
توقفت الديانات الأخرى عن حرق المرتدين والهراطقة ولكن الديانة الجديدة وحدها تفرض على كل من يخرج على النظام المحرقة ولا تستبعد المحرقة النووية أيضًا .
ولهذه الأسباب كافة ، حسنًا فعل البابا بنديكتس السادس عشر عندما قام بالمراسم الطقوسية المطلوبة من قبل الكنفوشية العالمية .
ومن المفترض أن يستنتج الكاثوليك التقدميون والمجمعيون (وهم من يناشدون بمجمع الفاتيكان الثاني) الذين يبغضون الليتورجية ، على أنها شيء لا حاجة له وجزء من الماضي ، بشيء من التأمل من التقارير الصحفية لأول زيارة للبابا الجديد لأوشفيتز . فالصحف والتليفزيونات تجسست بشكل تفصيلي إلى أي مدى توافق بنديكتس بليتورجية الديانة الشاملة وقد شددت على النقاط التي اختلف فيها عنها .
فقد تم إحصاء المرات التي نطق فيها بكلمة "شؤاه" بدلا من كلمة "المحرقة" فالأولى هي أكثر ليتورجية لأنها مقتبسة من اللغة المقدسة وإن النطق بها لدليل على انتماء أكثر حميمية إلى العقيدة الغربية العالمية .
كما أن الصحافة شددت على أن البابا دخل أوشفيتز ويداه معقودتان ثم قطع المسار الليتورجي ، أي طريق الآلام اليهودي ، "وهو يصلي منذ أول لحظة دخل فيها " (صحيفة "لا ريبوبليكا")
وكذلك لاحظت الصحف كيف أنه لم يفتح فاه إلا "في نهاية نشيد الكادش الحدادي" ، وهو نشيد ليتورجي بوجه خاص .
وشددت كذلك ، بترحيب كبير ، على الجملة التي قال فيها "لماذا يا رب سكت ؟ لماذا استطعت أن تقبل هذا كله ؟ في هذا الصمت ، نركع في صميم أنفسنا أمام جموع من تألموا هنا وحُملوا إلى الموت" .
وقد اُعتبرت هذه الجملة روح انتماء واجبا إلى اللاهوتية العالمية الجديدة التي تزعم أن "الله لم يكن موجودًا في أوشفيتز" لأنه لم يتدخل لإنقاذ شعبه الذي ليس مختارا فقط بل هو بريء من كل ذنب أيضًا . وبناء عليه فإن ذلك الشعب من ذلك الحين فصاعدا يجوز له أن يستبيح لنفسه أن يأخذ كل ما وعده به الله ولم يوف به ، ابتداء من الأرض المقدسة ، وأن يدافع عن نفسه بمائتين أو ثلاثمائة قنبلة نووية .
وهذا الكلام غير مقبول طبعًا بالنسبة لأي مسيحي .
حيثما يوجد ألم بشري هناك يسوع المصلوب الذي أعطى دليلا على وجوده متجسدًا في الأب "كولبي" الذي بذل حياته لأصدقائه مظهرًا هكذا أن ما من حب أعظم من هذا . وفعلا زار بنديكتس السادس عشر قلاية الأب كولبي أيضًا . ويُعدّ ذلك استثناء في الليتورجية أخذ به لأن كولبي في نهاية المطاف ، أنقذ بحياته حياة اليهود التي لا يمكن مقارنتها بأي شيء آخر .
وما يهم في الكنفوشية الغربية الجديدة أنه يجب ، على المنتمين إلى كافة الأديان وجميع الرؤساء الدينيين ، أن يقوموا بطقوس هذه العبادة العمومية .
إنها أفعال خارجية وهو ما يهم لأنها علامات خضوع .
وقد كان البابا بنديكتس حذرًا جدا ومثل الأب اليسوعي ريتشي في الصين ، نطق بالكلمات المطلوبة في اللحظة المطلوبة ليتورجيًا وبعد ذلك فقط سمح لنفسه بالإفصاح عن بعض الحقائق .
فقد قال إن اليهود ذُبحوا في أوشفيتز كـ"الخراف" ويعترف ذلك التعبير ببراءة اليهود الجذرية بل والمقدسة التي تجعلهم مُعَافون من أي حكم على أعمالهم حتى ولو كانت شريرة .