PDA

View Full Version : معاهم معاهم ...عليهم عليهم..


boulos
29-09-2006, 06:58 AM
مع المصادرة أم ضدها؟!

بقلم محمد سلماوى
سألتني صحفية شابة في الأسبوع الماضي: هل أنت مع قرار مصادرة الصحيفتين الألمانية والفرنسية اللتين أساءتا للإسلام؟ قلت: هل صدر قرار المصادرة بالفعل؟ قالت: لست متأكدة، قلت: إذن تأكدي أولا، لأن الوضع سيختلف، ثم عاودي الاتصال بي، قالت: حين أتأكد لن يكون هناك وقت لمعاودة الاتصال وإلا سنتأخر عن الطبع، قلت: إذن سأعطيك رأيين محددين، أحدهما للنشر في حالة صدور القرار، والثاني تنشرينه في حالة عدم صدوره، فقط أرجوك ألا تخلطي بين الرأيين فتنشري أحدهما بدلا من الآخر، فوعدتني الصحفية بذلك قائلة: إن هذه هي ميزة أن يتحدث صحفي إلي صحفي مثله، فنحن نفهم متطلبات الصحافة جيدا، ونقدر ظروف بعضنا البعض، اتفضل أنا باكتب.

قلت: لعلك تذكرين أنه منذ بضع سنوات كانت قد أثيرت ضجة كبيرة حول ٣ روايات أدبية أصدرتها إحدي هيئات وزارة الثقافة، ووقتها أجمعت الصحف علي مهاجمة الوزارة لأنها لم تحظر نشر هذه الروايات رغم ما قيل عن أن بها مساسا بالدين، قالت: لا أذكر شيئا، قلت: فإذا وجدت أن قرار مصادرة الصحيفتين قد صدر فإننا في هذه الحالة سنقلب الآية تماما، وبعد أن هاجمنا في السابق عدم مصادرة الروايات سنهاجم اليوم مصادرة الصحيفتين، بإمكانك أن تنشري علي لساني في هذه الحالة، أنني ضد المصادرة من حيث المبدأ لأنها تعتبر تعديا سافرا علي حرية التعبير، عوضا عن أنه لا جدوي منها، فالرأي يتسرب في جميع الأحوال، بل إن قرار المصادرة عادة ما يزيد من إقبال الناس علي ما تمت مصادرته، وقولي علي لساني أيضا: إن الأجدي هو أن نرد علي ما ينشر ضدنا فنقارع الحجة بالحجة، لا أن ندفن رؤوسنا في الرمال مثل النعامة، وبإمكانك أيضا أن تلمحي إلي أننا نعيش في دولة بوليسية تخلفت عن متغيرات العصر، فسياسة المصادرة والحظر والمنع كلها من سمات الأنظمة الشمولية التي مضي عهدها في العالم كله، ودللي علي ذلك بالإشارة إلي أن إحدي الصحف المستقلة نشرت في الأسبوع الماضي، ترجمة كاملة لإحدي المقالات المصادرة، فهل المقصود من المصادرة الآن منع من لا يقرأون العربية من الأجانب المقيمين في مصر من قراءة النص الأصلي للمقال الموجود علي أي حال علي الإنترنت؟

قالت الصحفية: الله! حلو قوي يا أستاذ! فواصلت حديثي: أما إذا وجدت أن قرار المصادرة لم يصدر ففي هذه الحالة سنغير الكلام ونوجه نقدا شديدا لوزارة الإعلام وللوزير شخصيا علي عدم مصادرة الصحيفتين المذكورتين، فانزعجت الصحفية الشابة وقالت: نغير ليه بس يا أستاذ؟ ده الكلام اللي قولتهولي كله «مانشتات»، قلت: لقد كان هذا اتفاقنا، فلكل مقام مقال، وسأحاول أن أعطيك «مانشتات» في الرأي الثاني أيضا، قالت مستسلمة: اتفضل، أنا باكتب، قلت: قولي إنني من حيث المبدأ ضد الإساءة إلي المقدسات الدينية، وإنني من هذا المنطلق أعيب علي دولتنا التي تدعي الإسلام أن تسمح بمثل هذا التطاول علي الإسلام، وقولي إننا نعرف جيدا أنه ليس هناك شيء اسمه حظر لأن كل شيء موجود علي الإنترنت، لكن القضية هي إعلان موقف من تلك الإساءة، خصوصا نحن في شهر رمضان المبارك، وبإمكانك أن تلمحي إلي أن الدولة أصبحت في غيبوبة وبلا موقف وأنها فقدت سيطرتها علي كل شيء ـ ماعدا الناحية الأمنية طبعا ـ وأن كل من يريد أن يفعل شيئا أصبح يفعله، وهذا إن دل علي شيء فعلي الفوضي التي أصبحنا نعيشها، فبدأت الصحفية تبدي حماسا لما أقول وسألتني: هل يمكن أن ندعو الناس مثلا للتظاهر ضد تراخي الحكومة في حماية الإسلام؟ قلت: بل قولي إنني أدعو إلي العصيان المدني فهذا هو التعبير السائد الآن، قالت: أحسن! ويبدو أن الصحفية بدأت تري موضوعها وهو يتصدر الصفحة الأولي فأضافت: هل يمكن أن ندعو الجماهير للتصدي لسفارات الدول التي صدرت فيها هذه الصحف، ولا يبقي كتير شوية؟ قلت: لا أبدا مش كتير، كل الدول فيها مظاهرات.

وكتبت الصحفية الشابة كل ما قلته وهي تقول: إن ميزتك يا أستاذ أنك تفهم الصحافة جيدا، قلت: إنني يا ابنتي أعمل في الصحافة منذ ٣٦ عاما، وقد تعلمت الكثير علي أيدي صحفيين كبار، ودعيني أقول لك: إن الصحافة يجب أن تقف دائما بالمرصاد للحكومة، فإذا قالت الحكومة أبيض، علي الصحافة أن تقول أسود، وإذا عادت الحكومة وقالت أسود ـ فالحكومات عندنا دائما تناقض نفسها ـ كان علي الصحافة أن تقول أبيض، قالت: لكن بعض الناس قد يقول إن الصحافة بهذا الشكل ليس لها موقف، قلت: دعينا من هؤلاء، إن ما يهمنا هو ما نقوله اليوم وليس مدي اتساقه مع ما قلناه في العام الماضي، مما نقوله اليوم هو الذي يبيع الجريدة، أما الجريدة التي قلنا فيها العكس في العام الماضي فقد مسح بها زجاج النوافذ في اليوم التالي لصدورها.

فشكرتني الصحفية مرتين، مرة علي الحديث، والثانية علي الدرس الصحفي الذي قالت إنها كانت تدركه بحسها، لكن أحدا لم يقله لها بهذا الوضوح من قبل، قلت: لا شكرعلي واجب
http://www.almasry-alyoum.com/article.aspx?ArticleID=32010