samozin
19-10-2007, 01:27 PM
أحمد صبحى منصور
mas3192003@yahoo.com
الحوار المتمدن - العدد: 2073 - 2007 / 10 / 19
بسم الله الرحمن الرحيم
د. أحمد صبحى منصور
17 اكتوبر 2007
دمقرطة الاخوان المسلمين
هل يمكن أقلمة الحركات الإسلامية مع التقاليد الديمقراطية؟
أولا
ليست الإجابة على هذا السؤال رجما بالغيب ، مع أن الإجابة تدخل في إطار التكهن بمستقبل الحركات السلفية السياسية ـ والمستقبليات علم قائم بذاته ـ والتكهن بمستقبل الحركات السلفية السياسية يكون سهلا وأقرب للحقيقة عندما تعود للجذور ، أي تفهم المستقبل بالتعمق في فهم الماضي ، ويصدق هذا كثيرا عندما تبحث في جذور حركة ماضوية بطبيعتها مثل الحركة السلفية التي تعيد إنتاج الثقافة السلفية الماضية .
باختصار في إجابتنا على سؤال إمكانية أقلمة هذه الحركات مع التقاليد الديمقراطية نقول أن هذا التأقلم يتوقف على عوامل أساسية وأخرى طارئة ، وتتعلق كلها بالجذور الفكرية والاجتماعية والجغرافية للحركة السلفية المراد بحثها .
ثانيا
ولتبسيط الموضوع نقول إن هذه الحركات السلفية السياسية هى فى الأصل حركات دينية لها مرجعية دينية مذهبية تريد فرضها و الوصول للحكم عن طريقها . هذه الحركة الدينية السياسية تنتمي إلى نوعية من التدين السائد لدى الشعب ، وهذه النوعية من التدين أو الرؤية الدينية للشعب متاثرة بالظروف التى يعيش فيها ذلك الشعب ، فالمنطقة الجغرافية لهذا الشعب أثرت بدورها على تاريخه وعقليته وثقافته وبالتالي على نوعية التدين التي يختارها ، وهنا تتفاعل الجذور الثقافية والتاريخية والفكرية في اختيار نوعية التدين ، نوعية التدين هذه تكون بالتالي دستور الحركة السياسية النابعة من هذا التدين مهما اختلف الزمان .
وهذه هي العوامل الأساسية .
إلا أنه قد يحدث غزو فكرى لأيدلوجية دينية في أحد العصورلأحد الشعوب التى لها تدين مختلف ، ويستطيع هذا الغزو الفكري أن يحدث تغييرا نوعيا في التدين السائد لذلك الشعب ، وتتأثر بذلك الحركة الدينية لهذا الشعب ويتحول خطابها إلى طريق آخر مغاير لما استقرت عليه الثقافة الدينية والفكرية لذلك الشعب .. وهذه هي العوامل الطارئة.
وبعد هذا التقعيد النظري تعالوا بنا إلى الشرح والتمثيل .
ثالثا
إن المناطق الصحراوية القاحلة بطبيعتها القاسية هي مناطق تطرف فكرى وسفك للدماء وانتهاك للحقوق يسرى هذا على منطقة (نجد) التي نبعت منها حركات الردة والفتنة الكبرى والخوارج في القرن الأول الهجري ، ثم حركات الزنج والقرامطة في العصر العباسي ، ثم الفكر الوهابي المتشدد في عصرنا الراهن ، كما يسرى هذا على صحراء شمال أفريقيا في الجزائر ، في الصراع المحتدم بين العرب والبربر في القرن الأول بعد الفتوحات الإسلامية ، إلى الصراع القبلي داخل العرب وداخل البربر بين قبائل زناته وقبائل لمتونه وقبائل صنهاجة. وفى كل الأحوال بين نجد فى الجزيرة العربية وفى الجزائر وشمال أفريقية يستتر الصراع خلف شعارات دينية .
والعلامة عبد الرحمن بن خلدون أستخلص في مقدمته قوانين هذا الصراع ، حين قرر أن العرب لا يحصل لهم الملك إلا بدعوة دينية ، وأنهم إذا وصلوا لحكم بلد ما أسرع فيها الخراب . ويتردد وصفه لهم بالعصبية والتوحش مع أنهم دعاة وخلافة وملك إسلامي يراه ابن خلدون أفضل من الملك الطبيعي القائم على التعقل ( راجع كتابنا : مقدمة ابن خلدون : دراسة تحليلية أصولية تاريخية ـ نشر مركز ابن خلدون ودار الأمين فى القاهرة ).
وما قرره ابن خلدون منذ سبعة قرون يكاد ينطبق على أحوال الحركات السلفية بين نجد (السعودية) والجزائر، فالتدين هنا يقوم على أساس التطرف والتعصب وسفك الدماء والاستحلال ، وكل ذلك تحت غطاء شرعي منسوب زورا للاسلام عبر احاديث ضالة وفتاوى ما انزل الله تعالى بها من سلطان ، ولكنها تحظى بايمان أتباعها لأنها تعبر عن ثقافتهم الدموية المتوارثة و تعطيها غطاء شرعيا يتحول به الارهاب وقتل المدنيين السالمين عشوائيا او تعمدا الى (جهاد ). ولذلك لا نعجب مما يحدث في الصراع الجزائري بين إرهاب السلطة وإرهاب الحركة السلفية ، هذا يذكرنا بالصراع القبلي في القرون الوسطي بين العرب والبربر .
وحتى بعد أن انتشرت الطرق الصوفية هناك منذ القرن السابع الهجري ، إلا أن ثقافة التطرف والعنف الأصيلة في المنطقة حولت التصوف ـ وهو بطبيعته يقوم على المسالمة ـ إلى ما يشبه الحركات المسلحة.
وفى العصر الحديث تم صبغ التعريب في الجزائر بالفقه السلفي الحنبلي الوهابي العنيف عن طرق دعاة السلفية من محمد الغزالى والشعراوى وأئمة الاخوان المسلمين ودعاة الوهابية ، وعليه تمت صياغة العقلية الشبابية الجزائرية في التعليم والأعلام وأصبح من السهل على أبناء هذا الجيل أن يقطع رقاب الأطفال والنساء تقربا لله وبزعم الجهاد في سبيله.
إن جبهة الإنقاذ الجزائرية حين أوشكت على الوصول إلى الحكم بالانتخابات أعلنت الجزائريين بالاستعداد لتغيير سلفى متشدد قادم ، وهذا التطرف السلفى الموعود واجهته السلطة العسكرية بتطرف آخر تمثل في إلغاء الانتخابات أولا ، ثم في المذابح الجماعية المتبادلة بين الفريقين ثانيا ..
وما حدث في الجزائر يحدث نظيره في أفغانستان وكان يحدث من قبل أثناء تأسيس الدولة السعودية الأولى والثانية في غفلة من الإنسانية .
ومن هنا فإن هذه النوعية من الحركات السلفية الوحشية لا يمكن بسهولة ترويضها وأقلمتها مع التقاليد الديمقراطية بسبب هذه الجذور الفكرية والاجتماعية الأساسية المتاصلة فيها.
رابعا
أما المناطق الزراعية الخصبة معتدلة المناخ فلها وضع آخر ، إذ تنعكس ظروفها المعتدلة على ثقافة الإنسان فيها ، إذ يكون أميل إلى الصبر والتسامح والمسالمة والاعتراف بالآخر ، وبالتالي فان نوعية التدين لديه ترتكز على هذه القيم .
ومصر هي النموذج الكلاسيكي لذلك التدين.
وحين كانت العصور الوسطي هي عصور التطرف الديني والحروب الدينية والتعصب الديني ومحاكم التفتيش فان حركات التعصب الديني فى مصر كانت مجرد جمل اعتراضية في التاريخ المصري يقوم بها حاكم أجنبي أو فقيه مغربي ، وبعد هذه الأحداث المتطرفة الاعتراضية يعود التاريخ المصري إلى طبيعته في التسامح .
ولذلك فان المقريزى في "الخطط " يحكى تعجب ابن خلدون حين أتى إلى مصر من المغرب ورأى كيف أن العابد فى مصر مشغول بعبادته والماجن العربيد مشغول بمجونه ، لا ينكر هذا على ذلك ولا يتدخل هذا فى حرية ذاك . وقد تعجب ابن خلدون من تلك الأحوال العادية فى مصر وقتها لأن ذلك مخالف لبيئته المغربية ..
ولكنها مصر التى كانت!!!
ولذلك كان التصوف هو نوعية التدين السائدة في مصر ، والتصوف يقوم أساسا على التفرق والاختلاف ، يقول رويم الصوفي كما جاء في ترجمته في الرسالة القشيرية:( الصوفية بخير ما اختلفوا ، فان اتفقوا فلا خير فيهم )، ويقول الصوفية المصريين : (كل شيخ وله طريقة )، وقد أصبح هذا القول مثلا شعبيا مصريا يبرز دليلا على الاعتراف بالاختلاف و التسامح معه وتقريره أصلا فى الحياة ، لذلك تكاثرت الطرق الصوفية وتشعبت في جو من الحرية الدينية والاجتماعية يتفق مع الطبيعة المصرية.
وكان ذلك واضحا طيلة العصور الوسطي إلى مطلع العصر الراهن حين تغيرت أحوال مصر بسبب الغزو الفكرى الوهابى.
و تركيا ايضا مثال واضح فى تجربة حزب الرفاه واربكان، ثم حزب رجب أردكان و عبد الله جول..
فالثقافة التركية الدينية تقوم أساسا على التصوف ، والحركة الدينية التركية نشأت فى أحضان العلمانية التركية الأتاتوركية، وحين واجهت الحركة الدينية الصوفية تلك العلمانية الأتاتوركية فانها واجهتها بالاعتدال ووضعت نفسها في إطار ديمقراطي رغم أن العلمانية التركية علمانية متطرفة لا تختلف عن العلمانية الجزائرية كثيرا، والسبب أن الثقافة الدينية التركية الصوفية قامت بتلطيف جو الصراع السياسي على الجانبين العلماني والديني ، ومن هنا اختلف اربكان في تركيا عن الطالبان في أفغانستان نظرا لاختلاف الجذور الفكرية و الاجتماعية بين تركيا وأفغانستان .
خامسا
نعود إلى مصر،وقد جاءها وافد سلفي من السعودية فأنشا فيها حركة الإخوان المسلمين. الإخوان ثقافتهم الدينية سلفية وهابية ـ وقد تعرضنا لبحث ذلك فى ابحاث سابقة منها ( شجرة الاخوان المسلمين زرعها السعوديون فى مصر )، و جاء التفصيل فى كتابنا المنشور فى موقعنا عن جذور العنف فى الوهابية و الاخوان المسلمين :
http://www.ahl-alquran.com/arabic/book_main.php?page_id=10
mas3192003@yahoo.com
الحوار المتمدن - العدد: 2073 - 2007 / 10 / 19
بسم الله الرحمن الرحيم
د. أحمد صبحى منصور
17 اكتوبر 2007
دمقرطة الاخوان المسلمين
هل يمكن أقلمة الحركات الإسلامية مع التقاليد الديمقراطية؟
أولا
ليست الإجابة على هذا السؤال رجما بالغيب ، مع أن الإجابة تدخل في إطار التكهن بمستقبل الحركات السلفية السياسية ـ والمستقبليات علم قائم بذاته ـ والتكهن بمستقبل الحركات السلفية السياسية يكون سهلا وأقرب للحقيقة عندما تعود للجذور ، أي تفهم المستقبل بالتعمق في فهم الماضي ، ويصدق هذا كثيرا عندما تبحث في جذور حركة ماضوية بطبيعتها مثل الحركة السلفية التي تعيد إنتاج الثقافة السلفية الماضية .
باختصار في إجابتنا على سؤال إمكانية أقلمة هذه الحركات مع التقاليد الديمقراطية نقول أن هذا التأقلم يتوقف على عوامل أساسية وأخرى طارئة ، وتتعلق كلها بالجذور الفكرية والاجتماعية والجغرافية للحركة السلفية المراد بحثها .
ثانيا
ولتبسيط الموضوع نقول إن هذه الحركات السلفية السياسية هى فى الأصل حركات دينية لها مرجعية دينية مذهبية تريد فرضها و الوصول للحكم عن طريقها . هذه الحركة الدينية السياسية تنتمي إلى نوعية من التدين السائد لدى الشعب ، وهذه النوعية من التدين أو الرؤية الدينية للشعب متاثرة بالظروف التى يعيش فيها ذلك الشعب ، فالمنطقة الجغرافية لهذا الشعب أثرت بدورها على تاريخه وعقليته وثقافته وبالتالي على نوعية التدين التي يختارها ، وهنا تتفاعل الجذور الثقافية والتاريخية والفكرية في اختيار نوعية التدين ، نوعية التدين هذه تكون بالتالي دستور الحركة السياسية النابعة من هذا التدين مهما اختلف الزمان .
وهذه هي العوامل الأساسية .
إلا أنه قد يحدث غزو فكرى لأيدلوجية دينية في أحد العصورلأحد الشعوب التى لها تدين مختلف ، ويستطيع هذا الغزو الفكري أن يحدث تغييرا نوعيا في التدين السائد لذلك الشعب ، وتتأثر بذلك الحركة الدينية لهذا الشعب ويتحول خطابها إلى طريق آخر مغاير لما استقرت عليه الثقافة الدينية والفكرية لذلك الشعب .. وهذه هي العوامل الطارئة.
وبعد هذا التقعيد النظري تعالوا بنا إلى الشرح والتمثيل .
ثالثا
إن المناطق الصحراوية القاحلة بطبيعتها القاسية هي مناطق تطرف فكرى وسفك للدماء وانتهاك للحقوق يسرى هذا على منطقة (نجد) التي نبعت منها حركات الردة والفتنة الكبرى والخوارج في القرن الأول الهجري ، ثم حركات الزنج والقرامطة في العصر العباسي ، ثم الفكر الوهابي المتشدد في عصرنا الراهن ، كما يسرى هذا على صحراء شمال أفريقيا في الجزائر ، في الصراع المحتدم بين العرب والبربر في القرن الأول بعد الفتوحات الإسلامية ، إلى الصراع القبلي داخل العرب وداخل البربر بين قبائل زناته وقبائل لمتونه وقبائل صنهاجة. وفى كل الأحوال بين نجد فى الجزيرة العربية وفى الجزائر وشمال أفريقية يستتر الصراع خلف شعارات دينية .
والعلامة عبد الرحمن بن خلدون أستخلص في مقدمته قوانين هذا الصراع ، حين قرر أن العرب لا يحصل لهم الملك إلا بدعوة دينية ، وأنهم إذا وصلوا لحكم بلد ما أسرع فيها الخراب . ويتردد وصفه لهم بالعصبية والتوحش مع أنهم دعاة وخلافة وملك إسلامي يراه ابن خلدون أفضل من الملك الطبيعي القائم على التعقل ( راجع كتابنا : مقدمة ابن خلدون : دراسة تحليلية أصولية تاريخية ـ نشر مركز ابن خلدون ودار الأمين فى القاهرة ).
وما قرره ابن خلدون منذ سبعة قرون يكاد ينطبق على أحوال الحركات السلفية بين نجد (السعودية) والجزائر، فالتدين هنا يقوم على أساس التطرف والتعصب وسفك الدماء والاستحلال ، وكل ذلك تحت غطاء شرعي منسوب زورا للاسلام عبر احاديث ضالة وفتاوى ما انزل الله تعالى بها من سلطان ، ولكنها تحظى بايمان أتباعها لأنها تعبر عن ثقافتهم الدموية المتوارثة و تعطيها غطاء شرعيا يتحول به الارهاب وقتل المدنيين السالمين عشوائيا او تعمدا الى (جهاد ). ولذلك لا نعجب مما يحدث في الصراع الجزائري بين إرهاب السلطة وإرهاب الحركة السلفية ، هذا يذكرنا بالصراع القبلي في القرون الوسطي بين العرب والبربر .
وحتى بعد أن انتشرت الطرق الصوفية هناك منذ القرن السابع الهجري ، إلا أن ثقافة التطرف والعنف الأصيلة في المنطقة حولت التصوف ـ وهو بطبيعته يقوم على المسالمة ـ إلى ما يشبه الحركات المسلحة.
وفى العصر الحديث تم صبغ التعريب في الجزائر بالفقه السلفي الحنبلي الوهابي العنيف عن طرق دعاة السلفية من محمد الغزالى والشعراوى وأئمة الاخوان المسلمين ودعاة الوهابية ، وعليه تمت صياغة العقلية الشبابية الجزائرية في التعليم والأعلام وأصبح من السهل على أبناء هذا الجيل أن يقطع رقاب الأطفال والنساء تقربا لله وبزعم الجهاد في سبيله.
إن جبهة الإنقاذ الجزائرية حين أوشكت على الوصول إلى الحكم بالانتخابات أعلنت الجزائريين بالاستعداد لتغيير سلفى متشدد قادم ، وهذا التطرف السلفى الموعود واجهته السلطة العسكرية بتطرف آخر تمثل في إلغاء الانتخابات أولا ، ثم في المذابح الجماعية المتبادلة بين الفريقين ثانيا ..
وما حدث في الجزائر يحدث نظيره في أفغانستان وكان يحدث من قبل أثناء تأسيس الدولة السعودية الأولى والثانية في غفلة من الإنسانية .
ومن هنا فإن هذه النوعية من الحركات السلفية الوحشية لا يمكن بسهولة ترويضها وأقلمتها مع التقاليد الديمقراطية بسبب هذه الجذور الفكرية والاجتماعية الأساسية المتاصلة فيها.
رابعا
أما المناطق الزراعية الخصبة معتدلة المناخ فلها وضع آخر ، إذ تنعكس ظروفها المعتدلة على ثقافة الإنسان فيها ، إذ يكون أميل إلى الصبر والتسامح والمسالمة والاعتراف بالآخر ، وبالتالي فان نوعية التدين لديه ترتكز على هذه القيم .
ومصر هي النموذج الكلاسيكي لذلك التدين.
وحين كانت العصور الوسطي هي عصور التطرف الديني والحروب الدينية والتعصب الديني ومحاكم التفتيش فان حركات التعصب الديني فى مصر كانت مجرد جمل اعتراضية في التاريخ المصري يقوم بها حاكم أجنبي أو فقيه مغربي ، وبعد هذه الأحداث المتطرفة الاعتراضية يعود التاريخ المصري إلى طبيعته في التسامح .
ولذلك فان المقريزى في "الخطط " يحكى تعجب ابن خلدون حين أتى إلى مصر من المغرب ورأى كيف أن العابد فى مصر مشغول بعبادته والماجن العربيد مشغول بمجونه ، لا ينكر هذا على ذلك ولا يتدخل هذا فى حرية ذاك . وقد تعجب ابن خلدون من تلك الأحوال العادية فى مصر وقتها لأن ذلك مخالف لبيئته المغربية ..
ولكنها مصر التى كانت!!!
ولذلك كان التصوف هو نوعية التدين السائدة في مصر ، والتصوف يقوم أساسا على التفرق والاختلاف ، يقول رويم الصوفي كما جاء في ترجمته في الرسالة القشيرية:( الصوفية بخير ما اختلفوا ، فان اتفقوا فلا خير فيهم )، ويقول الصوفية المصريين : (كل شيخ وله طريقة )، وقد أصبح هذا القول مثلا شعبيا مصريا يبرز دليلا على الاعتراف بالاختلاف و التسامح معه وتقريره أصلا فى الحياة ، لذلك تكاثرت الطرق الصوفية وتشعبت في جو من الحرية الدينية والاجتماعية يتفق مع الطبيعة المصرية.
وكان ذلك واضحا طيلة العصور الوسطي إلى مطلع العصر الراهن حين تغيرت أحوال مصر بسبب الغزو الفكرى الوهابى.
و تركيا ايضا مثال واضح فى تجربة حزب الرفاه واربكان، ثم حزب رجب أردكان و عبد الله جول..
فالثقافة التركية الدينية تقوم أساسا على التصوف ، والحركة الدينية التركية نشأت فى أحضان العلمانية التركية الأتاتوركية، وحين واجهت الحركة الدينية الصوفية تلك العلمانية الأتاتوركية فانها واجهتها بالاعتدال ووضعت نفسها في إطار ديمقراطي رغم أن العلمانية التركية علمانية متطرفة لا تختلف عن العلمانية الجزائرية كثيرا، والسبب أن الثقافة الدينية التركية الصوفية قامت بتلطيف جو الصراع السياسي على الجانبين العلماني والديني ، ومن هنا اختلف اربكان في تركيا عن الطالبان في أفغانستان نظرا لاختلاف الجذور الفكرية و الاجتماعية بين تركيا وأفغانستان .
خامسا
نعود إلى مصر،وقد جاءها وافد سلفي من السعودية فأنشا فيها حركة الإخوان المسلمين. الإخوان ثقافتهم الدينية سلفية وهابية ـ وقد تعرضنا لبحث ذلك فى ابحاث سابقة منها ( شجرة الاخوان المسلمين زرعها السعوديون فى مصر )، و جاء التفصيل فى كتابنا المنشور فى موقعنا عن جذور العنف فى الوهابية و الاخوان المسلمين :
http://www.ahl-alquran.com/arabic/book_main.php?page_id=10