Mrs 2ana 7or
28-10-2007, 11:29 AM
مأزق المقارنة بين شيخ الأزهر والبابا شنودة
بقلم / نبيل شرف الدين
كثيراً ما قاومت فكرة بغيضة، تراود النفس الأمارة بالسوء، واستهجنت مجرد تخيلها، وهي المقارنة بين تصريحات رمزين جليلين من رموز الأمة المصرية، هما فضيلة شيخ الأزهر وقداسة البابا شنودة، فمجرد التفكير بهذا الأمر يشبه المقارنة بين الأب والأم فكلاهما يحب أبناءه بطريقته، لكن فضيلة الإمام الأكبر بدا كمن يأبى إلا أن يضع الجميع في مأزق حقيقي، حين يطلق تصريحات بين الحين والآخر، أقل ما توصف به أنها لا تليق بمنزلته السامية، ولا بمكانه أسلافه العظام من شيوخ أعرق الصروح الإسلامية في العالم.
ولعلي لا أتجاوز مجرد رصد الوقائع، ودرءاً لشبهة الطائفية فأنا والحمد لله مسلم أنطق الشهادتين عدة مرات يومياً، لكن هذا لا يحول دون تسجيل حقيقة بسيطة مفادها أن اعتراضات البابا شنودة لم تتجاوز يوماً حدود الاعتكاف في الدير، من دون التورط في إهانة الصحفيين أو غيرهم، أو المطالبة بجلدهم إن هم أخطأوا أو تجاوزوا، بل كان الرجل دائماً يترفع بحكم إدراكه العميق لحجم منزلته الروحية الرفيعة، عما يمكن أن يناله من انتقادات صحفية وصلت أحياناً إلى حد التجريح وفي أسوأ الأحوال كان "سيدنا" يكلف محاميه باللجوء للقضاء، تأكيداً على احترام دولة المؤسسات والقانون.
يحدث هذا على الرغم من أن قداسة البابا وباتفاق قطاع كبير من المراقبين، يلعب دوراً سياسياً بالغ الأهمية بحنكة، لكنه يظل حريصا على حساسية موقعه، فلا يتورط في تصريح استفزازي أو سلوك غير لائق إذ يحسب لكل خطوة موضعها، لأنه يدرك جيداً أنه يقود قاطرة ضخمة، لا تحتمل المنعطفات الحادة، ولا التوقف المفاجئ، حتى لا تقع الكارثة.
أما في الجانب الآخر، فلعل الجميع يذكرون ما جرى لزميل صحفي، دفعه الحماس مرة لسؤال شيخ الأزهر عقب صلاة الجمعة قبل أعوام، عما يحسبه تناقضاً في بعض فتاواه، فما كان من فضيلته إلا أن سب الصحفي على الملأ قائلاً: "انت بتكلم شيخ الأزهر يا ابن ال***"، ثم لطمه "مولانا"، في سابقة لم تصدر عن أي من أئمة الأزهر طيلة تاريخه الذي يربو على ألف عام.
وفي يناير من العام 2004 اجرت الزميلة اللامعة جيهان الحسيني مقابلة مع فضيلة الإمام الأكبر، ومضت الأمور بهدوء حتى وصلت لسؤالها الأخير الذي يبدو أنه لم يرُق لمولانا، فما كان منه إلا أن سبها قائلاً: "أنتِ مش متربية وقليلة الأدب", وأسقط في روع الصحفية فتساءلت مذعورة: بتقول إيه يا مولانا؟، لكن فضيلته واصل قصفه: "أنتِ أبوكي ما ربكيش. يلعن أبوكي"، ولم يكن أمام جيهان إلا أن تفر باكية ولم تلتفت لمحاولات موظفي الأزهر للتهدّئة من روعها، واتصلت بمسؤولين كبار وروت ما جرى ونشرت الصحف تفاصيل هذه الواقعة حينذاك، وانتهى الأمر بتطييب خاطرها، فمن يجرؤ على مجرد التفكير بمساءلة الإمام الأكبر؟.
بعد هذه الوقائع وغيرها مما لا يتسع له المقام هنا، يأتي شيخ الأزهر وكأنما لا تكفي فضيلته هذه الترسانة الهائلة من القوانين التي تلاحق الصحفيين، فيضيف إليها عقوبة الجلد، قياساً على "قذف المحصنات"، ولا يمكن لصاحب ضمير يقظ أن يرى أدنى صلة بين الذين يخوضون في أعراض الغافلات ويسبون بنات العائلات، وبين حق آحاد الناس في انتقاد الحكام وسياساتهم، بل وحتى التعرض أيضاً لجوانب شخصية من حياتهم، لأن آثارها تطال بشكل أو آخر حاضر الأمة ومستقبلها، كالصحة والمرض والزواج والسلوك الاجتماعي وغيره، لأن الرجل العام "صانع قرار" يؤثر في مصالح الملايين ومستقبل الأجيال.
حتى التوضيح الذي قدمه الأزهر لاحقاً بعد أن وقعت الفاس في الراس في خطاب علني على الملأ وليست مجرد تصريحات في غرفة مغلقة، لا يبدو ـ بتقديري ـ كافياً لإقناع الكثيرين بأن فضيلته لم يكن يقصد الصحفيين، بل يتعرض لمسألة فقهية معروفة وهي "قذف المحصنات"، فلسنا بصدد التفتيش في الضمائر والنوايا، بل نكتفي بوقائع محددة وتعبيرات صريحة قيلت علانية.
بقلم / نبيل شرف الدين
كثيراً ما قاومت فكرة بغيضة، تراود النفس الأمارة بالسوء، واستهجنت مجرد تخيلها، وهي المقارنة بين تصريحات رمزين جليلين من رموز الأمة المصرية، هما فضيلة شيخ الأزهر وقداسة البابا شنودة، فمجرد التفكير بهذا الأمر يشبه المقارنة بين الأب والأم فكلاهما يحب أبناءه بطريقته، لكن فضيلة الإمام الأكبر بدا كمن يأبى إلا أن يضع الجميع في مأزق حقيقي، حين يطلق تصريحات بين الحين والآخر، أقل ما توصف به أنها لا تليق بمنزلته السامية، ولا بمكانه أسلافه العظام من شيوخ أعرق الصروح الإسلامية في العالم.
ولعلي لا أتجاوز مجرد رصد الوقائع، ودرءاً لشبهة الطائفية فأنا والحمد لله مسلم أنطق الشهادتين عدة مرات يومياً، لكن هذا لا يحول دون تسجيل حقيقة بسيطة مفادها أن اعتراضات البابا شنودة لم تتجاوز يوماً حدود الاعتكاف في الدير، من دون التورط في إهانة الصحفيين أو غيرهم، أو المطالبة بجلدهم إن هم أخطأوا أو تجاوزوا، بل كان الرجل دائماً يترفع بحكم إدراكه العميق لحجم منزلته الروحية الرفيعة، عما يمكن أن يناله من انتقادات صحفية وصلت أحياناً إلى حد التجريح وفي أسوأ الأحوال كان "سيدنا" يكلف محاميه باللجوء للقضاء، تأكيداً على احترام دولة المؤسسات والقانون.
يحدث هذا على الرغم من أن قداسة البابا وباتفاق قطاع كبير من المراقبين، يلعب دوراً سياسياً بالغ الأهمية بحنكة، لكنه يظل حريصا على حساسية موقعه، فلا يتورط في تصريح استفزازي أو سلوك غير لائق إذ يحسب لكل خطوة موضعها، لأنه يدرك جيداً أنه يقود قاطرة ضخمة، لا تحتمل المنعطفات الحادة، ولا التوقف المفاجئ، حتى لا تقع الكارثة.
أما في الجانب الآخر، فلعل الجميع يذكرون ما جرى لزميل صحفي، دفعه الحماس مرة لسؤال شيخ الأزهر عقب صلاة الجمعة قبل أعوام، عما يحسبه تناقضاً في بعض فتاواه، فما كان من فضيلته إلا أن سب الصحفي على الملأ قائلاً: "انت بتكلم شيخ الأزهر يا ابن ال***"، ثم لطمه "مولانا"، في سابقة لم تصدر عن أي من أئمة الأزهر طيلة تاريخه الذي يربو على ألف عام.
وفي يناير من العام 2004 اجرت الزميلة اللامعة جيهان الحسيني مقابلة مع فضيلة الإمام الأكبر، ومضت الأمور بهدوء حتى وصلت لسؤالها الأخير الذي يبدو أنه لم يرُق لمولانا، فما كان منه إلا أن سبها قائلاً: "أنتِ مش متربية وقليلة الأدب", وأسقط في روع الصحفية فتساءلت مذعورة: بتقول إيه يا مولانا؟، لكن فضيلته واصل قصفه: "أنتِ أبوكي ما ربكيش. يلعن أبوكي"، ولم يكن أمام جيهان إلا أن تفر باكية ولم تلتفت لمحاولات موظفي الأزهر للتهدّئة من روعها، واتصلت بمسؤولين كبار وروت ما جرى ونشرت الصحف تفاصيل هذه الواقعة حينذاك، وانتهى الأمر بتطييب خاطرها، فمن يجرؤ على مجرد التفكير بمساءلة الإمام الأكبر؟.
بعد هذه الوقائع وغيرها مما لا يتسع له المقام هنا، يأتي شيخ الأزهر وكأنما لا تكفي فضيلته هذه الترسانة الهائلة من القوانين التي تلاحق الصحفيين، فيضيف إليها عقوبة الجلد، قياساً على "قذف المحصنات"، ولا يمكن لصاحب ضمير يقظ أن يرى أدنى صلة بين الذين يخوضون في أعراض الغافلات ويسبون بنات العائلات، وبين حق آحاد الناس في انتقاد الحكام وسياساتهم، بل وحتى التعرض أيضاً لجوانب شخصية من حياتهم، لأن آثارها تطال بشكل أو آخر حاضر الأمة ومستقبلها، كالصحة والمرض والزواج والسلوك الاجتماعي وغيره، لأن الرجل العام "صانع قرار" يؤثر في مصالح الملايين ومستقبل الأجيال.
حتى التوضيح الذي قدمه الأزهر لاحقاً بعد أن وقعت الفاس في الراس في خطاب علني على الملأ وليست مجرد تصريحات في غرفة مغلقة، لا يبدو ـ بتقديري ـ كافياً لإقناع الكثيرين بأن فضيلته لم يكن يقصد الصحفيين، بل يتعرض لمسألة فقهية معروفة وهي "قذف المحصنات"، فلسنا بصدد التفتيش في الضمائر والنوايا، بل نكتفي بوقائع محددة وتعبيرات صريحة قيلت علانية.