abomeret
08-01-2008, 03:05 PM
الفتنة.. بين صوت المهجر وصمت الحكومة
بقلم عزت القمحاوي ٨/١/٢٠٠٨
حتي في عصور الانحطاط، يستطيع النظام أن يتغني بإنجازات لم تنجز، وأن يعد جداول بأرقام، ورسوماً بيانية كلها صاعدة، يستطيع أيضاً أن يخفي الفقراء خلف السواتر العازلة علي الكباري، وأن يخفيهم من شاشة التليفزيون، إذ يستطيع ضبط حركة الكاميرا بين الفيلات والحدائق والقصور وحمامات السباحة، لكن المؤشر الذي لا يمكن اللعب به أو فبركة أرقامه هو مؤشر الفتنة الطائفية الذي يتصاعد في أوقات الاضمحلال.
وعلمنا التاريخ أن الفتنة لا تعني أن طائفة في خطر، بل تعني أن وطناً كاملاً مهدد في وجوده، ويمكننا أن نعرف حجم الخطر من ثلاثة شواهد: سرعة تواتر الأحداث، موقعها من فصول السنة، وأماكن اندلاعها.
في الأوقات الأقل خطراً تستيقظ الفتنة بوتيرة متباعدة في شهور الصيف، حيث يساهم الحر في انفلات الأعصاب، كما أنها تتخذ من الريف والعشوائيات مسرحاً لها، حيث يساهم جمر الفقر في إشعال النيران. أما أن تتواتر بالسرعة التي تتكرر بها حالياً، وأن تشمل الشتاء والصيف، وأن تصل إلي الإسكندرية، المدينة التي قامت منذ تأسيسها علي احتضان الاختلاف والتعدد، فذلك هو الخطر الذي يجب أن ينتبه له كل الذين لا يعرفون لهذا الوطن بديلاً.
من لا يعرفون بديلاً لمصر، حباً فيها أو عجزاً عن المغادرة، هم نحن، أي غالبية المسلمين والأقباط ممن يعانون نار الفتنة، كلما وقع حادث في بمها أو إسنا، أو غيرهما، وهم المرشحون ليكونوا ضحايا الخطر الأكبر إذا ما تطورت الأمور ـ لا قدر الله ـ لأنهم لا يمتلكون الطائرات، وليس لديهم أرصدة في الخارج يطيرون إليها!
وللأسف فإن الـ «نحن» أي غالبية المسلمين والأقباط لا تأثير ولا وزن لهم في هذا الذي يهدد وجودهم، لأن القضية يتولاها أقباط المهجر بصوتهم، والحكومة بصمتها.
ولا أحد يستطيع أن يصادر حق مهاجر في التعبير عن رأيه، أو القلق علي ذويه، لكن الكثيرين من المهاجرين الأقباط ينسون أن ذويهم هم «نحن»، كل المصريين.
وأخطر ما في نضال المهجريين هو هذه الـ «نحن» البديلة التي يرفعونها، ويعنون بها «نحن الأقباط» والمتابع للتيار الرئيسي من خطاب المهاجرين، سواء في أزمة إسنا الأخيرة، أو في الأزمات السابقة، أو في الاستراحة بين الأزمات سيكتشف ارتفاع نبرة الانعزال التي تؤسس لمفهوم الأقباط كطائفة، ثم محاولة النجاة بالطائفة، بدلاً من النضال من أجل إقرار تقدم سياسي حقيقي، وتعزيز مبدأ المواطنة.
ومبدأ المواطنة يعني المساواة بيني وبين أي رجل أعمال عندما يتقدم كل منا لشراء متر من الأرض، أو إذا ما وقف أحدنا أمام القانون لأي سبب كان، مثلما يعني المساواة بين المسلم والمسيحي، وليست هذه ببعيدة عن تلك، بل إن إهدار مبدأ المواطنة في سعر متر الأرض يؤسس لإهدار المبدأ ذاته في المساواة بين المسلمين والأقباط!
غياب العدالة الاقتصادية هو الذي قسم مصر رأسياً بين أقلية من المليارديرات مسلمين وأقباطاً، وأغلبية ـ مسلمين وأقباطاً أيضاً ـ تحت خط الفقر، يحاولون تنفيس غضبهم ضد أقرب الدوائر إليهم، أو أضعفها، وليس أقرب أو أضعف من الجار.
دوائر اليأس تتسع، إذ تتزايد أعداد فاقدي الأمل في حياة كريمة، ناهيك عن فقدان الأمل في حيازة سلطة دنيوية عبر الطرق الشرعية لتداول السلطة، حتي علي مستوي الوظائف المتوسطة في الدولة، الأمر الذي يخلق البحث عن رغد الآخرة وتأسيس سلطة من خلال تديين المجال العام، ابتداء من الأمر بالمعروف، وانتهاء بممارسة العنف المقدس.
وغياب العدالة هو نفسه الذي يشل يد الحكومة، في مواجهة الأغلبية المتألمة، ويوقعها في هذا الصمت المشين.
ولا أعني الصمت عقب وقوع البلاوي، فهي تعرف كيف تطنطن بالفارغ من الكلام في تلك المناسبات الحزينة. ما أعنيه هو الصمت في أوقات الهدوء التي يمكن أن تتكلم فيها، وأن تصدر التشريعات، وأن تمارس الحزم ضد التجاوزات في الشارع التي تأخذ شكل البلطجة. لكنها لا تغامر بهذا، إذ يكفي الجائع جوعه، وليمارس ما شاء من الحماقات، ضد المسلم المختلف وضد القبطي علي السواء، ابتداء من استعراضات الواعظين، ومضايقة السيدات غير المحجبات، والمطاردة المعمارية بين المساجد والكنائس، وانتهاء بأحكام التكفير والقتل.
هذه هي المسألة، ومن غير اللائق أن نترك «نحن» المصريين الذين بلا مأوي آخر مستقبلنا مهدداً بين صراخ بعض أقباط المهجر، وصمت الحكومة.
وإذا كان لدي أقباط المهجر من قوة، فليطلبوا الحرية والعدالة لكل المصريين، ولتتخل الحكومة عن هذا الصمت الذي زاد، فالصمت إذا زاد علي حده تنقطع علاقته بالوقار والهيبة، ويعرف الجميع أنه صمت الموروط الذي يعيش يوماً بيوم، ويلعب في حدود الممكن، وليس بمقتضي الواجب أو المسؤولية تجاه المستقبل.
http://www.almasry-alyoum.com/article.aspx?ArticleID=89216
بقلم عزت القمحاوي ٨/١/٢٠٠٨
حتي في عصور الانحطاط، يستطيع النظام أن يتغني بإنجازات لم تنجز، وأن يعد جداول بأرقام، ورسوماً بيانية كلها صاعدة، يستطيع أيضاً أن يخفي الفقراء خلف السواتر العازلة علي الكباري، وأن يخفيهم من شاشة التليفزيون، إذ يستطيع ضبط حركة الكاميرا بين الفيلات والحدائق والقصور وحمامات السباحة، لكن المؤشر الذي لا يمكن اللعب به أو فبركة أرقامه هو مؤشر الفتنة الطائفية الذي يتصاعد في أوقات الاضمحلال.
وعلمنا التاريخ أن الفتنة لا تعني أن طائفة في خطر، بل تعني أن وطناً كاملاً مهدد في وجوده، ويمكننا أن نعرف حجم الخطر من ثلاثة شواهد: سرعة تواتر الأحداث، موقعها من فصول السنة، وأماكن اندلاعها.
في الأوقات الأقل خطراً تستيقظ الفتنة بوتيرة متباعدة في شهور الصيف، حيث يساهم الحر في انفلات الأعصاب، كما أنها تتخذ من الريف والعشوائيات مسرحاً لها، حيث يساهم جمر الفقر في إشعال النيران. أما أن تتواتر بالسرعة التي تتكرر بها حالياً، وأن تشمل الشتاء والصيف، وأن تصل إلي الإسكندرية، المدينة التي قامت منذ تأسيسها علي احتضان الاختلاف والتعدد، فذلك هو الخطر الذي يجب أن ينتبه له كل الذين لا يعرفون لهذا الوطن بديلاً.
من لا يعرفون بديلاً لمصر، حباً فيها أو عجزاً عن المغادرة، هم نحن، أي غالبية المسلمين والأقباط ممن يعانون نار الفتنة، كلما وقع حادث في بمها أو إسنا، أو غيرهما، وهم المرشحون ليكونوا ضحايا الخطر الأكبر إذا ما تطورت الأمور ـ لا قدر الله ـ لأنهم لا يمتلكون الطائرات، وليس لديهم أرصدة في الخارج يطيرون إليها!
وللأسف فإن الـ «نحن» أي غالبية المسلمين والأقباط لا تأثير ولا وزن لهم في هذا الذي يهدد وجودهم، لأن القضية يتولاها أقباط المهجر بصوتهم، والحكومة بصمتها.
ولا أحد يستطيع أن يصادر حق مهاجر في التعبير عن رأيه، أو القلق علي ذويه، لكن الكثيرين من المهاجرين الأقباط ينسون أن ذويهم هم «نحن»، كل المصريين.
وأخطر ما في نضال المهجريين هو هذه الـ «نحن» البديلة التي يرفعونها، ويعنون بها «نحن الأقباط» والمتابع للتيار الرئيسي من خطاب المهاجرين، سواء في أزمة إسنا الأخيرة، أو في الأزمات السابقة، أو في الاستراحة بين الأزمات سيكتشف ارتفاع نبرة الانعزال التي تؤسس لمفهوم الأقباط كطائفة، ثم محاولة النجاة بالطائفة، بدلاً من النضال من أجل إقرار تقدم سياسي حقيقي، وتعزيز مبدأ المواطنة.
ومبدأ المواطنة يعني المساواة بيني وبين أي رجل أعمال عندما يتقدم كل منا لشراء متر من الأرض، أو إذا ما وقف أحدنا أمام القانون لأي سبب كان، مثلما يعني المساواة بين المسلم والمسيحي، وليست هذه ببعيدة عن تلك، بل إن إهدار مبدأ المواطنة في سعر متر الأرض يؤسس لإهدار المبدأ ذاته في المساواة بين المسلمين والأقباط!
غياب العدالة الاقتصادية هو الذي قسم مصر رأسياً بين أقلية من المليارديرات مسلمين وأقباطاً، وأغلبية ـ مسلمين وأقباطاً أيضاً ـ تحت خط الفقر، يحاولون تنفيس غضبهم ضد أقرب الدوائر إليهم، أو أضعفها، وليس أقرب أو أضعف من الجار.
دوائر اليأس تتسع، إذ تتزايد أعداد فاقدي الأمل في حياة كريمة، ناهيك عن فقدان الأمل في حيازة سلطة دنيوية عبر الطرق الشرعية لتداول السلطة، حتي علي مستوي الوظائف المتوسطة في الدولة، الأمر الذي يخلق البحث عن رغد الآخرة وتأسيس سلطة من خلال تديين المجال العام، ابتداء من الأمر بالمعروف، وانتهاء بممارسة العنف المقدس.
وغياب العدالة هو نفسه الذي يشل يد الحكومة، في مواجهة الأغلبية المتألمة، ويوقعها في هذا الصمت المشين.
ولا أعني الصمت عقب وقوع البلاوي، فهي تعرف كيف تطنطن بالفارغ من الكلام في تلك المناسبات الحزينة. ما أعنيه هو الصمت في أوقات الهدوء التي يمكن أن تتكلم فيها، وأن تصدر التشريعات، وأن تمارس الحزم ضد التجاوزات في الشارع التي تأخذ شكل البلطجة. لكنها لا تغامر بهذا، إذ يكفي الجائع جوعه، وليمارس ما شاء من الحماقات، ضد المسلم المختلف وضد القبطي علي السواء، ابتداء من استعراضات الواعظين، ومضايقة السيدات غير المحجبات، والمطاردة المعمارية بين المساجد والكنائس، وانتهاء بأحكام التكفير والقتل.
هذه هي المسألة، ومن غير اللائق أن نترك «نحن» المصريين الذين بلا مأوي آخر مستقبلنا مهدداً بين صراخ بعض أقباط المهجر، وصمت الحكومة.
وإذا كان لدي أقباط المهجر من قوة، فليطلبوا الحرية والعدالة لكل المصريين، ولتتخل الحكومة عن هذا الصمت الذي زاد، فالصمت إذا زاد علي حده تنقطع علاقته بالوقار والهيبة، ويعرف الجميع أنه صمت الموروط الذي يعيش يوماً بيوم، ويلعب في حدود الممكن، وليس بمقتضي الواجب أو المسؤولية تجاه المستقبل.
http://www.almasry-alyoum.com/article.aspx?ArticleID=89216