the ghost
15-01-2008, 01:13 PM
بسم الآب والإبن والروح القدس
الإخوة الأحباء لا أعرف ما الذي يعيدني دوماً إلى الحرب الأهلية اللبنانية، أهو صوت شهداءنا الذي يصرخ في أعماق كياننا مطالباً بعدم إضاعة قدسية شهادته هباءً.. أم هو صوت المعارك الذي لن ننساه وسينتقل في أعماقنا، أم صوت صراخ وعويل الأمهات اللواتي يبكين أبناءً لن يعودوا.... لا أعرف لكنني كلما عدت لأبحث في تلك الفترة المليئة بالآلام والبطولات والتضحيات لمن ساروا على درب الجلجة، فاحت رائحة البخور الممزوج بالدم، رائحة دخان كنائس دمرت بوحشية معهودة، من وحش معهود يتربص بنا منذ 1400 سنة وسيبقى ما لم نضع حد له بالحديد والنار...
بينما كنت أقرأ بعض الكتب التي تتكلم عن المجازر الإسلامية في لبنان لفتت نظري محاضرة لـ "بول عنداري" ألقاها في إحدى قرى جبل لبنان المحاصرة بألاف الدروز من كل جانب:
. . . باللي بقيوا رح منكمل . . .
تحملني الذكرى . . . في خشوع الليل راكعاً . . . أقبل حجارة الحائط الباردة . . . ليزول العالم . . . ليبقى ولد ملتصق بكنيسة . . . تحمله السعادة إلى أبعد من داخلها . . . يحمله الإيمان في الظلمة إلى فوق . . . إلى الله . . .
إنها كنيسة قريتي . . . كنت آتي إليها عندما يغادرها الناس . . . أركع على الحصى قرب حائطها . . . أقبله . . . أقول لمن كان يستقبلني هناك :
. . . أنا في قلبك يا سيدي . . .
يدعوني . . . أقف لأدخل من الباب الخلفي . . . أحيي سنديانة عتيقة شهدت مجزرة قريبة . . . خبأت أحدهم بين ذراعيها . . . وأدخل على مهل، على غير قدمّي ... أعبر في رائحة البخور . . . على ضوء شمعة يشع منها النور . . . وصليب يتعالى فوق مذبح . . . وذراعان مفتوحتان ترسمان لي الطريق . . .
هناك يتوقف الزمن على درجات المذبح . . . ويعالى ذلك الإله الصغير . . . في الحب إلى أعماق أعماق ما بين تلك الذراعين . . .
وتمر الأيام ويكبر الولد . . . ويمر طوفان من الرمال آتياً من الصحراء، ليقذف به بعيداً عن ذلك الحائط البارد، عن تلك الكنيسة الدافئة . . . عن تلك القرية الصغيرة الوادعة . . . ويبقى في أعماق تلك الذراعين قائلاً :
. . . أنا مازلت في قلبك يا سيدي . . .
يرى بعض الإكتئاب في عيني سيده . . . ولكن بدون أن يعرف السبب . . .
يعود فيسترجع صور ذلك الطوفان . . . تمر أمام عينيه تلك الرمال القذرة . . . ترسل الحديد والنار معلنة قدومها (1).
تمزق سكينة الليل . . . تغير هندسة المنازل . . . تغطي الشوارع بالخراب، وتمر . . . تمر تلك الصور في البال :
يتقطع غازي على جبل . . .
يبقى طوني على طريق . . .
وعلى تلة يغمر اندره وعماد التراب . . .
تتمسك قذيفة بجورج لتدله على غير . . . غير تلك الطريق . . .
وتعلو . . . تعلو تلك الموسيقى الصاخبة . . . تضيئ سكون الليل . . . تتقدم تلك الرمال . . . ليكبر ويكبر السؤال . . .
وتطّل . . . تطل تلك القافلة . . . (2) تلملم صراخ الأطفال . . . تسبقها دموع الرحيل . . . تعبر الظلمة . . . تودعها القذائف الآتية من بيروت . . . وتموت . . . تموت أغاني الأطفال . . . في شوارع بحمدون . . .
وتكبر القافلة الآتية من قرى الجبل . . . على ماذا أطل القمر؟ . . .
الجميع هجروا الديار . . . إلى دير القمر . . .
غمرت الأم أبناءها . . . فبقي مكان بارد تحت جناحيها . . . مكانه : بقي هناك يتدفأ به التراب.
وتحني صبية رأسها تحاول الإتكاء على صدره . . . وتبقى منحنية . . . لوحدها.
يعود القمر . . . يحدق النظر . . . دنياه رحل منها السهر : تكسرت ثلوج السنديانة، تهدم حائط الكنيسة . . . رحل الصليب عن ذلك المذبح . . . وحل صمت صاخب على بقايا ذلك البيت. . .
تمر هذه الصور في عيني ذلك الولد وهو جالس تحت شجرة . . . في هذه البلدة الملقاة على صفحة جبل . . . منسية من النسيان . . . يزورها ليل . . . يغادرها عمر . . . فجأة كالقذيفة . . . تنساب الموسيقى في الخوف . . . تفتش عن ملجأ . . . ينزوي الأطفال في دير القمر . . . بعيداً عن الطفولة . . . في حضن أم تحمل رغيف خبز، تحلم بحضن الحياة.
يتحدث الكبار . . . ينفجر الدمار . . . يعلو احمرار الدماء جدران المنازل . . . للحرية . . . للمسيحية . . . للبقاء . . . للحرب . . . لكل شيء : إلاّ الحب . . .
يذهب إلى البيت . . . يلتقط ذلك الكتاب . . . يقرأ عن اللصوص عندما طردوا بالسوط، من الهيكل . . . يتذكر الإكتئاب في عيني سيده :
لقد أصبح سيده بدون هيكل (3) .
يحلم ببناء الهيكل . . . يحلم بالعودة (4) . يترامى صوت سيده قائلاً له ستكون لك اذا عرفت أن :
ما من صليب سيرتفع من دون ســــيف.
وما من سيف سينتصر من دون صليب.
دير القمر
10 كانون الأول 1983
بول عنداري
(1)- بحمدون ... المعركة.
(2)- الناس الهاربة من بحمدون.
(3)- تهدمت الكنائس.
(4)- إلى الجبل.
نعم صدقت يا بول ونحن معك نقول : . . . باللي بقيوا رح منكمل . . . وسنمضي للأمام ودمنا فداء للسيد ولهيكل السيد... لأنه كان صحيحاً أن :
ما من صليب سيرتفع من دون ســـيف.
وما من سيف سينتصر من دون صليب.
الإخوة الأحباء لا أعرف ما الذي يعيدني دوماً إلى الحرب الأهلية اللبنانية، أهو صوت شهداءنا الذي يصرخ في أعماق كياننا مطالباً بعدم إضاعة قدسية شهادته هباءً.. أم هو صوت المعارك الذي لن ننساه وسينتقل في أعماقنا، أم صوت صراخ وعويل الأمهات اللواتي يبكين أبناءً لن يعودوا.... لا أعرف لكنني كلما عدت لأبحث في تلك الفترة المليئة بالآلام والبطولات والتضحيات لمن ساروا على درب الجلجة، فاحت رائحة البخور الممزوج بالدم، رائحة دخان كنائس دمرت بوحشية معهودة، من وحش معهود يتربص بنا منذ 1400 سنة وسيبقى ما لم نضع حد له بالحديد والنار...
بينما كنت أقرأ بعض الكتب التي تتكلم عن المجازر الإسلامية في لبنان لفتت نظري محاضرة لـ "بول عنداري" ألقاها في إحدى قرى جبل لبنان المحاصرة بألاف الدروز من كل جانب:
. . . باللي بقيوا رح منكمل . . .
تحملني الذكرى . . . في خشوع الليل راكعاً . . . أقبل حجارة الحائط الباردة . . . ليزول العالم . . . ليبقى ولد ملتصق بكنيسة . . . تحمله السعادة إلى أبعد من داخلها . . . يحمله الإيمان في الظلمة إلى فوق . . . إلى الله . . .
إنها كنيسة قريتي . . . كنت آتي إليها عندما يغادرها الناس . . . أركع على الحصى قرب حائطها . . . أقبله . . . أقول لمن كان يستقبلني هناك :
. . . أنا في قلبك يا سيدي . . .
يدعوني . . . أقف لأدخل من الباب الخلفي . . . أحيي سنديانة عتيقة شهدت مجزرة قريبة . . . خبأت أحدهم بين ذراعيها . . . وأدخل على مهل، على غير قدمّي ... أعبر في رائحة البخور . . . على ضوء شمعة يشع منها النور . . . وصليب يتعالى فوق مذبح . . . وذراعان مفتوحتان ترسمان لي الطريق . . .
هناك يتوقف الزمن على درجات المذبح . . . ويعالى ذلك الإله الصغير . . . في الحب إلى أعماق أعماق ما بين تلك الذراعين . . .
وتمر الأيام ويكبر الولد . . . ويمر طوفان من الرمال آتياً من الصحراء، ليقذف به بعيداً عن ذلك الحائط البارد، عن تلك الكنيسة الدافئة . . . عن تلك القرية الصغيرة الوادعة . . . ويبقى في أعماق تلك الذراعين قائلاً :
. . . أنا مازلت في قلبك يا سيدي . . .
يرى بعض الإكتئاب في عيني سيده . . . ولكن بدون أن يعرف السبب . . .
يعود فيسترجع صور ذلك الطوفان . . . تمر أمام عينيه تلك الرمال القذرة . . . ترسل الحديد والنار معلنة قدومها (1).
تمزق سكينة الليل . . . تغير هندسة المنازل . . . تغطي الشوارع بالخراب، وتمر . . . تمر تلك الصور في البال :
يتقطع غازي على جبل . . .
يبقى طوني على طريق . . .
وعلى تلة يغمر اندره وعماد التراب . . .
تتمسك قذيفة بجورج لتدله على غير . . . غير تلك الطريق . . .
وتعلو . . . تعلو تلك الموسيقى الصاخبة . . . تضيئ سكون الليل . . . تتقدم تلك الرمال . . . ليكبر ويكبر السؤال . . .
وتطّل . . . تطل تلك القافلة . . . (2) تلملم صراخ الأطفال . . . تسبقها دموع الرحيل . . . تعبر الظلمة . . . تودعها القذائف الآتية من بيروت . . . وتموت . . . تموت أغاني الأطفال . . . في شوارع بحمدون . . .
وتكبر القافلة الآتية من قرى الجبل . . . على ماذا أطل القمر؟ . . .
الجميع هجروا الديار . . . إلى دير القمر . . .
غمرت الأم أبناءها . . . فبقي مكان بارد تحت جناحيها . . . مكانه : بقي هناك يتدفأ به التراب.
وتحني صبية رأسها تحاول الإتكاء على صدره . . . وتبقى منحنية . . . لوحدها.
يعود القمر . . . يحدق النظر . . . دنياه رحل منها السهر : تكسرت ثلوج السنديانة، تهدم حائط الكنيسة . . . رحل الصليب عن ذلك المذبح . . . وحل صمت صاخب على بقايا ذلك البيت. . .
تمر هذه الصور في عيني ذلك الولد وهو جالس تحت شجرة . . . في هذه البلدة الملقاة على صفحة جبل . . . منسية من النسيان . . . يزورها ليل . . . يغادرها عمر . . . فجأة كالقذيفة . . . تنساب الموسيقى في الخوف . . . تفتش عن ملجأ . . . ينزوي الأطفال في دير القمر . . . بعيداً عن الطفولة . . . في حضن أم تحمل رغيف خبز، تحلم بحضن الحياة.
يتحدث الكبار . . . ينفجر الدمار . . . يعلو احمرار الدماء جدران المنازل . . . للحرية . . . للمسيحية . . . للبقاء . . . للحرب . . . لكل شيء : إلاّ الحب . . .
يذهب إلى البيت . . . يلتقط ذلك الكتاب . . . يقرأ عن اللصوص عندما طردوا بالسوط، من الهيكل . . . يتذكر الإكتئاب في عيني سيده :
لقد أصبح سيده بدون هيكل (3) .
يحلم ببناء الهيكل . . . يحلم بالعودة (4) . يترامى صوت سيده قائلاً له ستكون لك اذا عرفت أن :
ما من صليب سيرتفع من دون ســــيف.
وما من سيف سينتصر من دون صليب.
دير القمر
10 كانون الأول 1983
بول عنداري
(1)- بحمدون ... المعركة.
(2)- الناس الهاربة من بحمدون.
(3)- تهدمت الكنائس.
(4)- إلى الجبل.
نعم صدقت يا بول ونحن معك نقول : . . . باللي بقيوا رح منكمل . . . وسنمضي للأمام ودمنا فداء للسيد ولهيكل السيد... لأنه كان صحيحاً أن :
ما من صليب سيرتفع من دون ســـيف.
وما من سيف سينتصر من دون صليب.