just_jo
11-05-2009, 10:42 PM
الإخوان": حليمة وعادتها القديمة
__________________________________
http://images.alarabiya.net/large_27905_72572.jpg
عبد الله بن بجاد العتيبي
"كلّ الأنظمة العربية أصبحت صهيونية أكثر من الصهاينة"، "كان الواجب على مصر أن تشكر حزب الله بدلا من أن تحقق مع الخليّة التي لم يقصد السيد حسن نصر الله من إرسالها التخريب أو الاعتداء وإنما دعم المقاومة الفلسطينية"، "ما يقوم به حسن نصر الله من مقاومة .. قد قصّرنا نحن في القيام به"، "لقد خان السادات شعبه"، "يجب أن نقف ضدّ رئيسنا قبل أن نقف ضدّ زيارة نتانياهو"، "يأتي نتانياهو أو يأتي عبّاس لا فارق، فكلهم ملةٌ واحدةٌ".
إنْ خطر ببال القارئ أن هذه العبارات هي لابن لادن أو للظواهري، فهو غير ملوم في هذا، فاللغة المستخدمة والمعاني المستهدفة هي ذات لغة "القاعدة" ونفس معانيها، ولكنّها هذه المرة جاءت على لسان المرشد العام لجماعة "الإخوان المسلمين" مهدي عاكف في المؤتمر الذي عقدته الكتلة النيابية لـ"الإخوان" تحت عنوان "القدس والأقصى ومخاطر التهويد".
المرشد يكفينا دائما بتصريحاته عن جهد البحث والإثبات بأن تنظيم "الإخوان المسلمين" تنظيم لا يقيم اعتباراً للأوطان، إنه يوضح أنّ أولى الأولويات لديه هي التنظيم نفسه.
في رأيي المتواضع أنّ هذا المرشد الإخواني "تحفة" يجب المحافظة عليها وإبرازها ودعمها، ذلك أنّه صريحٌ جداً وأيديولوجيٌ صارمٌ أكثر مما هو سياسيٌ مراوغٌ، ليته فقط يكثر من الكلام والخروج في الإعلام، ولا يترك هذا الأمر لأتباعه الذين تعلّموا فنون الخداع والمراوغة، دعوه يعرّي تنظيم "الإخوان" وعلاقاته الوطيدة بالمحور الإيراني، ليلجم الأفواه التي تتشدق بوطنية "الإخوان" واستقلالهم وحرصهم على أمن أوطانهم.
عندما تحدث كاتب هذه السطور إبّان الأزمة بين مصر و"حزب الله" مستنكراً لموقف "الإخوان المسلمين"، زعم البعض أنه يتصيّد في الماء العكر، وأنّه يصفّي حسابات، وأنّه يتقوّل على "الإخوان"، وهم قد صرّحوا في البرلمان بأنّ "مصر أولا" وبأن أمنها خطٌ أحمر، وها هو المرشد بنفسه يخرج ليؤيد ما كتبت من قبل، ويردّ بنفسه على كل المنتقدين، ويجعل أمن مصر خطاً أخضر فاقع الخضرة!
لازالت الذاكرة تحتفظ بأبيات من أرجوزة للعالم الإحسائي ابن المقرّب يقول فيها: لا تصحبنّ الأحمقا.. المائن الشمقمقا، وربما إذا نظر.. أراد نفعاً فأضرّ، وربما تمطّى... فكشف المغطّى!
وهذا تحديداً ما فعله المرشد العام، فقد تمطّى وكشف المغطّى، وقال صراحةً عكس ما كان يردّده نوّابه في البرلمان في بداية الأزمة الأخيرة بين مصر و"حزب الله" جرّاء اختراق الحزب لأمن مصر القومي ودعسه لسيادتها بحجة دعم المقاومة التي يحتفي بها هذا المرشد، لا بل إن المرشد يزيد بأنّ هذا الدور في اختراق سيادة مصر كان يجب أن يقوم به تنظيمه هو، لا أن يقوم به "حزب الله".
لقد نسف المرشد بهذا التصريح كل الغبار الذي أثاره نوّابه في البرلمان هاتفين بأن "مصر أولا"، وأن "أمن مصر خطٌ أحمر"، لله درّه من مرشد، فهو يكفينا دائما بتصريحاته عن جهد البحث والإثبات بأن تنظيم "الإخوان المسلمين" تنظيم لا يقيم اعتباراً للأوطان، ألم يقل بلسانه يوماً "طزّ في مصر"، إنه يوضح أنّ أولى الأولويات لديه ولدى تنظيمه هي التنظيم نفسه وتأمين وصوله للسلطة والكرسي بأي سبيل وأية طريقة، تقوده مقولة ميكيافيللي "الغاية تبرّر الوسيلة"، رغم الزعم الذي دأب "الإخوان" على نشره بأنهم جماعة دينية تلتزم بأصول الدين وتنتمي لنقائه وصفائه.
إنّه دون شك واحدٌ من "صقور" الإخوان وموقف "الإخوان" من الوطنية سبق لكاتب هذه السطور مناقشته من كلام حسن البنّا وغيره، وأقرب النصوص التي ينتمي إليها هذا المرشد هي قول سيّد قطب في مقدمة كتابه الذي يمثّل أحد أعمدة نشر التطرف في العالم "معالم في الطريق" ما نصّه : "كذلك أدّت (الوطنية) والقومية في تلك الفترة، والتجمعات الإقليمية عامةً دورها.. ولم تعد تملك هي الأخرى رصيداً جديداً"ص7.
لم يأت قطب بهذا الكلام من عندياته فحسب، بل إن له إرثاً في تاريخ "الإخوان" في بعض تصريحات حسن البنّا، والتي منها تصريح له بأنّ أركان الإسلام الخمسة التي يقرّ بها المسلمون غير كافية، ولهذا يقول في مجموعة رسائله ما نصّه: "هذا الإسلام الذي يؤمن به الإخوان المسلمون يجعل الحكومة ركناً من أركانه"، والتأثير الأكبر على سيّد قطب جاء من الضفة الأخرى للعالم من الهند وباكستان ومن أبي الأعلى المودودي تحديداً، والمودودي يقول في كتابه "الحكومة الإسلامية" -لاحظوا الاسم وقارنوا بالخميني- : "تأمّلوا القرآن .. لن تجدوا لفظاً واحداً يؤيّد الجنسية أو الوطنية فدعوته موجّهة إلى الإنسانية جمعاء .. وبهذا التصريح تستأصل الوطنية من الإسلام استئصالا تاماً"ص273.
لدى "الإخوان المسلمين" وجماعات الإسلام السياسي تعدّ مسألة إقامة "الحكومة الإسلامية" أو"الدولة الإسلامية" أو "دولة الخلافة" مسألة أساسية تحظى بالأولوية في التفكير والتخطيط والعمل، و"البنّا" يجعلها -بخلاف المسلمين- من أركان الإسلام، هذا على مستوى اللهاث خلف السلطة بمعناها السياسي، وتنظيراتهم ومؤلفاتهم في هذا الجانب أكثر من أن تحصى، ومن جهة ثانية، فإنهم وسعياً لفرض وتوسيع سلطتهم على المجتمع، قد سعوا لتوسيع مفهوم الأحكام الشرعية لتشمل كل تصرّفات البشر ومستجدات الحياة، وذلك حتى يستطيعوا اعتقال المجتمع وتكريس تبعيّته الدائمة لهم في كل تصرّفاته وكل حراك أفراده، وهم يغلون بهذا مساحة المباح التي كانت هي الأصل في الأشياء لدى الفقهاء القدامى، وجاءت فيها نصوص دينية، بل لقد جاء النهي النبوي صريحاً عن الإكثار من السؤال عن الأشياء المسكوت عنها خشية من تحريمها، ونحن نرى كيف أنّ ممارسات وفكر هذه الجماعات يسعى إلى العكس تماماً، مع زعمها بأنّها حركات "إسلامية" ترفع شعار الدين وتطمح للحصول من ورائه على الدنيا.
عوداً على بدء، فقد كان التكفير بالجملة لا بالمفرق في عبارات المرشد التي تصدّرت هذا المقال، تهجّم على الرئيس المصري حسني مبارك، وكفّر الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس بقوله أنّه ونتانياهو "كلهم ملةٌ واحدةٌ"، ثم كفّر الأنظمة العربية جميعاً وبدون استثناء، حين وصفها بأنها "كلّها" صهيونية أكثر من الصهاينة!
بعيداً عن المكياج والديكورات الزائفة التي يتّبعها بعض المنتسبين لتنظيم "الإخوان المسلمين"، فقد جاءت عبارات المرشد قاطعة وواضحةً أشد ما يكون الوضوح، ويبدو أن علاقات المرشد الاستراتيجية بالمحور الإيراني جعلته يبوح بما في نفسه وما يوجّه به تنظيمه دون حساباتٍ لما قد يترتّب على هكذا تصريحاتٍ. وثبت أنّ تصريحات "الإخوان" السابقة إنّما كانت ذراً للرماد في العيون، ومجرد انحناءةٍ سريعةٍ أمام الغضبة القويّة للشعب المصري ضد انتهاك سيادة بلده، وقد بادر المرشد حتى قبل انتهاء الأزمة كلياً وأعاد حليمة إلى عادتها القديمة.
*نقلا عن جريدة "الاتحاد" الإماراتية
http://www.alarabiya.net/views/2009/05/11/72572.html
__________________________________
http://images.alarabiya.net/large_27905_72572.jpg
عبد الله بن بجاد العتيبي
"كلّ الأنظمة العربية أصبحت صهيونية أكثر من الصهاينة"، "كان الواجب على مصر أن تشكر حزب الله بدلا من أن تحقق مع الخليّة التي لم يقصد السيد حسن نصر الله من إرسالها التخريب أو الاعتداء وإنما دعم المقاومة الفلسطينية"، "ما يقوم به حسن نصر الله من مقاومة .. قد قصّرنا نحن في القيام به"، "لقد خان السادات شعبه"، "يجب أن نقف ضدّ رئيسنا قبل أن نقف ضدّ زيارة نتانياهو"، "يأتي نتانياهو أو يأتي عبّاس لا فارق، فكلهم ملةٌ واحدةٌ".
إنْ خطر ببال القارئ أن هذه العبارات هي لابن لادن أو للظواهري، فهو غير ملوم في هذا، فاللغة المستخدمة والمعاني المستهدفة هي ذات لغة "القاعدة" ونفس معانيها، ولكنّها هذه المرة جاءت على لسان المرشد العام لجماعة "الإخوان المسلمين" مهدي عاكف في المؤتمر الذي عقدته الكتلة النيابية لـ"الإخوان" تحت عنوان "القدس والأقصى ومخاطر التهويد".
المرشد يكفينا دائما بتصريحاته عن جهد البحث والإثبات بأن تنظيم "الإخوان المسلمين" تنظيم لا يقيم اعتباراً للأوطان، إنه يوضح أنّ أولى الأولويات لديه هي التنظيم نفسه.
في رأيي المتواضع أنّ هذا المرشد الإخواني "تحفة" يجب المحافظة عليها وإبرازها ودعمها، ذلك أنّه صريحٌ جداً وأيديولوجيٌ صارمٌ أكثر مما هو سياسيٌ مراوغٌ، ليته فقط يكثر من الكلام والخروج في الإعلام، ولا يترك هذا الأمر لأتباعه الذين تعلّموا فنون الخداع والمراوغة، دعوه يعرّي تنظيم "الإخوان" وعلاقاته الوطيدة بالمحور الإيراني، ليلجم الأفواه التي تتشدق بوطنية "الإخوان" واستقلالهم وحرصهم على أمن أوطانهم.
عندما تحدث كاتب هذه السطور إبّان الأزمة بين مصر و"حزب الله" مستنكراً لموقف "الإخوان المسلمين"، زعم البعض أنه يتصيّد في الماء العكر، وأنّه يصفّي حسابات، وأنّه يتقوّل على "الإخوان"، وهم قد صرّحوا في البرلمان بأنّ "مصر أولا" وبأن أمنها خطٌ أحمر، وها هو المرشد بنفسه يخرج ليؤيد ما كتبت من قبل، ويردّ بنفسه على كل المنتقدين، ويجعل أمن مصر خطاً أخضر فاقع الخضرة!
لازالت الذاكرة تحتفظ بأبيات من أرجوزة للعالم الإحسائي ابن المقرّب يقول فيها: لا تصحبنّ الأحمقا.. المائن الشمقمقا، وربما إذا نظر.. أراد نفعاً فأضرّ، وربما تمطّى... فكشف المغطّى!
وهذا تحديداً ما فعله المرشد العام، فقد تمطّى وكشف المغطّى، وقال صراحةً عكس ما كان يردّده نوّابه في البرلمان في بداية الأزمة الأخيرة بين مصر و"حزب الله" جرّاء اختراق الحزب لأمن مصر القومي ودعسه لسيادتها بحجة دعم المقاومة التي يحتفي بها هذا المرشد، لا بل إن المرشد يزيد بأنّ هذا الدور في اختراق سيادة مصر كان يجب أن يقوم به تنظيمه هو، لا أن يقوم به "حزب الله".
لقد نسف المرشد بهذا التصريح كل الغبار الذي أثاره نوّابه في البرلمان هاتفين بأن "مصر أولا"، وأن "أمن مصر خطٌ أحمر"، لله درّه من مرشد، فهو يكفينا دائما بتصريحاته عن جهد البحث والإثبات بأن تنظيم "الإخوان المسلمين" تنظيم لا يقيم اعتباراً للأوطان، ألم يقل بلسانه يوماً "طزّ في مصر"، إنه يوضح أنّ أولى الأولويات لديه ولدى تنظيمه هي التنظيم نفسه وتأمين وصوله للسلطة والكرسي بأي سبيل وأية طريقة، تقوده مقولة ميكيافيللي "الغاية تبرّر الوسيلة"، رغم الزعم الذي دأب "الإخوان" على نشره بأنهم جماعة دينية تلتزم بأصول الدين وتنتمي لنقائه وصفائه.
إنّه دون شك واحدٌ من "صقور" الإخوان وموقف "الإخوان" من الوطنية سبق لكاتب هذه السطور مناقشته من كلام حسن البنّا وغيره، وأقرب النصوص التي ينتمي إليها هذا المرشد هي قول سيّد قطب في مقدمة كتابه الذي يمثّل أحد أعمدة نشر التطرف في العالم "معالم في الطريق" ما نصّه : "كذلك أدّت (الوطنية) والقومية في تلك الفترة، والتجمعات الإقليمية عامةً دورها.. ولم تعد تملك هي الأخرى رصيداً جديداً"ص7.
لم يأت قطب بهذا الكلام من عندياته فحسب، بل إن له إرثاً في تاريخ "الإخوان" في بعض تصريحات حسن البنّا، والتي منها تصريح له بأنّ أركان الإسلام الخمسة التي يقرّ بها المسلمون غير كافية، ولهذا يقول في مجموعة رسائله ما نصّه: "هذا الإسلام الذي يؤمن به الإخوان المسلمون يجعل الحكومة ركناً من أركانه"، والتأثير الأكبر على سيّد قطب جاء من الضفة الأخرى للعالم من الهند وباكستان ومن أبي الأعلى المودودي تحديداً، والمودودي يقول في كتابه "الحكومة الإسلامية" -لاحظوا الاسم وقارنوا بالخميني- : "تأمّلوا القرآن .. لن تجدوا لفظاً واحداً يؤيّد الجنسية أو الوطنية فدعوته موجّهة إلى الإنسانية جمعاء .. وبهذا التصريح تستأصل الوطنية من الإسلام استئصالا تاماً"ص273.
لدى "الإخوان المسلمين" وجماعات الإسلام السياسي تعدّ مسألة إقامة "الحكومة الإسلامية" أو"الدولة الإسلامية" أو "دولة الخلافة" مسألة أساسية تحظى بالأولوية في التفكير والتخطيط والعمل، و"البنّا" يجعلها -بخلاف المسلمين- من أركان الإسلام، هذا على مستوى اللهاث خلف السلطة بمعناها السياسي، وتنظيراتهم ومؤلفاتهم في هذا الجانب أكثر من أن تحصى، ومن جهة ثانية، فإنهم وسعياً لفرض وتوسيع سلطتهم على المجتمع، قد سعوا لتوسيع مفهوم الأحكام الشرعية لتشمل كل تصرّفات البشر ومستجدات الحياة، وذلك حتى يستطيعوا اعتقال المجتمع وتكريس تبعيّته الدائمة لهم في كل تصرّفاته وكل حراك أفراده، وهم يغلون بهذا مساحة المباح التي كانت هي الأصل في الأشياء لدى الفقهاء القدامى، وجاءت فيها نصوص دينية، بل لقد جاء النهي النبوي صريحاً عن الإكثار من السؤال عن الأشياء المسكوت عنها خشية من تحريمها، ونحن نرى كيف أنّ ممارسات وفكر هذه الجماعات يسعى إلى العكس تماماً، مع زعمها بأنّها حركات "إسلامية" ترفع شعار الدين وتطمح للحصول من ورائه على الدنيا.
عوداً على بدء، فقد كان التكفير بالجملة لا بالمفرق في عبارات المرشد التي تصدّرت هذا المقال، تهجّم على الرئيس المصري حسني مبارك، وكفّر الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس بقوله أنّه ونتانياهو "كلهم ملةٌ واحدةٌ"، ثم كفّر الأنظمة العربية جميعاً وبدون استثناء، حين وصفها بأنها "كلّها" صهيونية أكثر من الصهاينة!
بعيداً عن المكياج والديكورات الزائفة التي يتّبعها بعض المنتسبين لتنظيم "الإخوان المسلمين"، فقد جاءت عبارات المرشد قاطعة وواضحةً أشد ما يكون الوضوح، ويبدو أن علاقات المرشد الاستراتيجية بالمحور الإيراني جعلته يبوح بما في نفسه وما يوجّه به تنظيمه دون حساباتٍ لما قد يترتّب على هكذا تصريحاتٍ. وثبت أنّ تصريحات "الإخوان" السابقة إنّما كانت ذراً للرماد في العيون، ومجرد انحناءةٍ سريعةٍ أمام الغضبة القويّة للشعب المصري ضد انتهاك سيادة بلده، وقد بادر المرشد حتى قبل انتهاء الأزمة كلياً وأعاد حليمة إلى عادتها القديمة.
*نقلا عن جريدة "الاتحاد" الإماراتية
http://www.alarabiya.net/views/2009/05/11/72572.html