kotomoto
10-07-2005, 10:33 AM
http://wataninet.com/article_ar.asp?ArticleID=2361
صباح الأحد من بريطانيا
من جبل آثوس في اليونان إلى الواحات الخارجة في مصر مرثية انحسار المسيحية في موطنها الأصلي (1)
ليلي فريد : بريطانيا
من خلال دوامة الحرب العراقية وتوابعها تتسرب إلى بؤرة الضوء الإعلامي لمحات عن وضع المسيحيين هناك . فعلى عهد صدام لم يصبهم أكثر مما أصاب العراقيين عامة ولم يستهدفوا كالشيعة والأكراد مثلا وذلك لانعدام أطماعهم السياسية. أما عن طارق عزيز فقد استخدم كواجهة ملطفة للنظام الصدامي وكحلقة اتصال مع كنيسة روما عندما كانت الحاجة تدعو لذلك.
ولكن عندما انهار النظام وجد مسيحو العراق أنفسهم بلا قوة سياسية أو عشائرية تسندهم. واتخذ من اشتراكهم في العقيدة مع القوات المحتلة ذريعة لترويعهم وابتزازهم وتفجير الكنائس وخطف رجال الدين. وجرى تهميشهم بحيث لم تصل صناديق الاقتراع في أول انتخابات ديموقراطية إلى الأسيريين في شمال العراق. مما أسفر عن هرب ما يقرب من ربع مسيحي العراق إلى سوريا والأردن أو لأوربا وأمريكا واستراليا.
وفي سياق سعي تركيا إلى الانضمام للاتحاد الأوروبي تظهر تلميحات عن ضرورة اعتراف الأتراك أولا بالمجازر والتطهير العرقي والإبادة الجماعية التي ارتكبوها في حق الأقليات المسيحية وخاصة الأرمن والأشوريين خلال الحرب العالمية الأولى.
أما في السودان فقد استطاع مسيحو الجنوب ــ بعد أن دفعوا ثمنا غاليا واستخدموا السلاح والتفاوض - إرغام السلطة السودانية على توقيع اتفاقية السلام.
ومن الغريب أن من يربطون المسيحية بالغرب يتناسون سهوا أو عمدا أن هذه العقيدة انبعثت من الشرق وامتدت جذورها فيه. وخلال الفترة ما بين القرن الرابع إلى السابع كانت منطقة شرق البحر المتوسط هي قلب المسيحية ومركز حضارتها.
ومن المؤسف أن تقبل المسلمين )بصفة عامة( للأقليات المسيحية - والذي حافظ على وجودها على مدى القرون الماضية بل وتمتعها بحقوق المواطنة الكاملة في العصر الليبرالي في بدايات القرن العشرين - لم يدم. ونجحت رياح التغيير التي اجتاحت المنطقة وحملت معها اتجاهات الإسلام الأصولي المتشدد في أن تعصف بمسيحية الشرق وتطمس معالمها.
ولسوء حظ المسيحيين كانوا دائما يقعون بين فكي الرحي في الصراعات الدائرة في منطقة الشرق الأوسط ويحاصرون بين مطرقة وسندان الأطراف المتناحرة.
وفي النهاية دفعتهم موجات الاضطهاد والتفرقة ونظرات الشك والتكفير إلى ترك موطنهم والهجرة بأعداد متزايدة. ويعيش حاليا في الشرق الأوسط ما لا يزيد عن 12 مليون مسيحي يجاهدون في سبيل البقاء وسط أغلبية كاسحة من المسلمين. واضطر الكثير منهم إلى الانزواء في غيتوهات منغلقة مهمشة أو الرضاء بأوضاع تقترب من الذمية.
وباستثناء الأديرة العامرة والكنائس المحفوظة في اليونان ومصر وسوريا - بصفة خاصة - فإن نظائرها في تركيا ولبنان وفلسطين على وشك أن تخلو من آخر قاطنيها وتغدو أطلالا مهجورة أو مزارات آثرية.
وفي مواجهة هذا الخطر الداهم قد يتضمن الإعلام الغربي بين حين وآخر برنامجا او مقالا عن محنة مسيحي الشرق وقد تدرج هذه القضية على جداول البحث في مركز الدراسات. ونادرا ما قد يطلق أحد المستنيرين العرب صيحة تحذير من عواقب هجرتهم المتنامية . فعلى سبيل المثال نوه الأمير طلال بن عبد العزيز في مقاله الشهير عام 2002 بالدور الحضاري والتاريخي والاقتصادي والروحي والثقافي للمسيحيين العرب وأوضح أن رحيلهم عن أرض آبائهم سيوجه ضربة قوية إلى مستقبل المجتمعات العربية وسيعني اختفاء حلقة الاتصال بين الإسلام في الشرق والمسيحية في الغرب.
ولكن من المؤكد أن الاهتمام الذي قد يوليه العالم إلى خطر انقراض فصيلة من الحشرات أو الزواحف السامة أكبر بكثير من اكتراثه بخلو أوطان الشرق من سكانها الأصليين.
ومن المؤلم أن العالم الحر يميل إلى تجاهل محنة الأقليات الدينية في خضم تعقد الصراعات الدائرة في منطقة الشرق الأوسط . وأقرب مثل على ذلك هو الحال في فلسطين والعراق.
ففي فلسطين يستغرب المسيحيون من انحياز الغرب إلى إسرائيل على طول الخط رغم المعاناة التي يلاقونها مضاعفة: من الإسرائيليين من جهة ومن العرب المسلمين من جهة أخرى. حيث اعتصروا ما بين مطرقة الاحتلال والتشريد والطرد من أراضيهم وسندان صبغة القضية الفلسطينية بصبغة إسلامية على يد حماس والجهاد وأمثالهما من المنظمات.
وفي العراق تجد الأقليات التي قمعت تحت حكم صدام من يسمع لها - فالأكراد يحتضنهم المجتمع الدولي والتركمان تساندهم تركيا أما الأقليات المسيحية فإن القوات الغربية نفسها لا تعمل الكثير من أجل حمايتهم حتى لا يزيد ذلك من حدة العداء لها ويؤدي إلى تصاعد الهجوم على قواتها.
في هذه الأجواء يعتبر الحديث عن كتاب »من الجبل المقدس .. رحلة في ظلال بيزنطة« أنسب ما يكون.
هذا الكتاب لا يجب أن تقربه ما لم تكن تملك الوقت الكافي لإكماله فهو من نوعية الكتب التي تستغرقك تماما فلا تستطيع تركها قبل الفراغ منها. هو مزيج من أدب الرحلات والسياسة والتاريخ المرصع بقدر كبير من الفكاهة والسخرية.
المؤلف هو ويليام دالريمبل الذي ولد في اسكتلندا وبدأت كتبه تحصد الجوائز وتتصدر قائمة المبيعات وهو لم يتعد عامه الثاني والعشرين. وهو يمتلك كل المقومات التي تؤهله ليكون من أبرز كتاب أدب الرحلات: خليط من عشق التاريخ والرغبة في فهم كل ما يدور في الحاضر ومحاولة استشراف المستقبل. الشجاعة.. حب الاستطلاع والمغامرة. الروح الفكهة... القدرة على التواصل مع رجل الشارع البسيط أو مع السياسي المحنك وعلى انتزاع الحقيقة من كليهما. الصبر على الاعتكاف في دير بحثا عن معلومة مختبئة في تلافيف مخطوطة قديمة أو الانزواء في كهف لاكتشاف نقش على جدار مظلم.
FOLLOWED
صباح الأحد من بريطانيا
من جبل آثوس في اليونان إلى الواحات الخارجة في مصر مرثية انحسار المسيحية في موطنها الأصلي (1)
ليلي فريد : بريطانيا
من خلال دوامة الحرب العراقية وتوابعها تتسرب إلى بؤرة الضوء الإعلامي لمحات عن وضع المسيحيين هناك . فعلى عهد صدام لم يصبهم أكثر مما أصاب العراقيين عامة ولم يستهدفوا كالشيعة والأكراد مثلا وذلك لانعدام أطماعهم السياسية. أما عن طارق عزيز فقد استخدم كواجهة ملطفة للنظام الصدامي وكحلقة اتصال مع كنيسة روما عندما كانت الحاجة تدعو لذلك.
ولكن عندما انهار النظام وجد مسيحو العراق أنفسهم بلا قوة سياسية أو عشائرية تسندهم. واتخذ من اشتراكهم في العقيدة مع القوات المحتلة ذريعة لترويعهم وابتزازهم وتفجير الكنائس وخطف رجال الدين. وجرى تهميشهم بحيث لم تصل صناديق الاقتراع في أول انتخابات ديموقراطية إلى الأسيريين في شمال العراق. مما أسفر عن هرب ما يقرب من ربع مسيحي العراق إلى سوريا والأردن أو لأوربا وأمريكا واستراليا.
وفي سياق سعي تركيا إلى الانضمام للاتحاد الأوروبي تظهر تلميحات عن ضرورة اعتراف الأتراك أولا بالمجازر والتطهير العرقي والإبادة الجماعية التي ارتكبوها في حق الأقليات المسيحية وخاصة الأرمن والأشوريين خلال الحرب العالمية الأولى.
أما في السودان فقد استطاع مسيحو الجنوب ــ بعد أن دفعوا ثمنا غاليا واستخدموا السلاح والتفاوض - إرغام السلطة السودانية على توقيع اتفاقية السلام.
ومن الغريب أن من يربطون المسيحية بالغرب يتناسون سهوا أو عمدا أن هذه العقيدة انبعثت من الشرق وامتدت جذورها فيه. وخلال الفترة ما بين القرن الرابع إلى السابع كانت منطقة شرق البحر المتوسط هي قلب المسيحية ومركز حضارتها.
ومن المؤسف أن تقبل المسلمين )بصفة عامة( للأقليات المسيحية - والذي حافظ على وجودها على مدى القرون الماضية بل وتمتعها بحقوق المواطنة الكاملة في العصر الليبرالي في بدايات القرن العشرين - لم يدم. ونجحت رياح التغيير التي اجتاحت المنطقة وحملت معها اتجاهات الإسلام الأصولي المتشدد في أن تعصف بمسيحية الشرق وتطمس معالمها.
ولسوء حظ المسيحيين كانوا دائما يقعون بين فكي الرحي في الصراعات الدائرة في منطقة الشرق الأوسط ويحاصرون بين مطرقة وسندان الأطراف المتناحرة.
وفي النهاية دفعتهم موجات الاضطهاد والتفرقة ونظرات الشك والتكفير إلى ترك موطنهم والهجرة بأعداد متزايدة. ويعيش حاليا في الشرق الأوسط ما لا يزيد عن 12 مليون مسيحي يجاهدون في سبيل البقاء وسط أغلبية كاسحة من المسلمين. واضطر الكثير منهم إلى الانزواء في غيتوهات منغلقة مهمشة أو الرضاء بأوضاع تقترب من الذمية.
وباستثناء الأديرة العامرة والكنائس المحفوظة في اليونان ومصر وسوريا - بصفة خاصة - فإن نظائرها في تركيا ولبنان وفلسطين على وشك أن تخلو من آخر قاطنيها وتغدو أطلالا مهجورة أو مزارات آثرية.
وفي مواجهة هذا الخطر الداهم قد يتضمن الإعلام الغربي بين حين وآخر برنامجا او مقالا عن محنة مسيحي الشرق وقد تدرج هذه القضية على جداول البحث في مركز الدراسات. ونادرا ما قد يطلق أحد المستنيرين العرب صيحة تحذير من عواقب هجرتهم المتنامية . فعلى سبيل المثال نوه الأمير طلال بن عبد العزيز في مقاله الشهير عام 2002 بالدور الحضاري والتاريخي والاقتصادي والروحي والثقافي للمسيحيين العرب وأوضح أن رحيلهم عن أرض آبائهم سيوجه ضربة قوية إلى مستقبل المجتمعات العربية وسيعني اختفاء حلقة الاتصال بين الإسلام في الشرق والمسيحية في الغرب.
ولكن من المؤكد أن الاهتمام الذي قد يوليه العالم إلى خطر انقراض فصيلة من الحشرات أو الزواحف السامة أكبر بكثير من اكتراثه بخلو أوطان الشرق من سكانها الأصليين.
ومن المؤلم أن العالم الحر يميل إلى تجاهل محنة الأقليات الدينية في خضم تعقد الصراعات الدائرة في منطقة الشرق الأوسط . وأقرب مثل على ذلك هو الحال في فلسطين والعراق.
ففي فلسطين يستغرب المسيحيون من انحياز الغرب إلى إسرائيل على طول الخط رغم المعاناة التي يلاقونها مضاعفة: من الإسرائيليين من جهة ومن العرب المسلمين من جهة أخرى. حيث اعتصروا ما بين مطرقة الاحتلال والتشريد والطرد من أراضيهم وسندان صبغة القضية الفلسطينية بصبغة إسلامية على يد حماس والجهاد وأمثالهما من المنظمات.
وفي العراق تجد الأقليات التي قمعت تحت حكم صدام من يسمع لها - فالأكراد يحتضنهم المجتمع الدولي والتركمان تساندهم تركيا أما الأقليات المسيحية فإن القوات الغربية نفسها لا تعمل الكثير من أجل حمايتهم حتى لا يزيد ذلك من حدة العداء لها ويؤدي إلى تصاعد الهجوم على قواتها.
في هذه الأجواء يعتبر الحديث عن كتاب »من الجبل المقدس .. رحلة في ظلال بيزنطة« أنسب ما يكون.
هذا الكتاب لا يجب أن تقربه ما لم تكن تملك الوقت الكافي لإكماله فهو من نوعية الكتب التي تستغرقك تماما فلا تستطيع تركها قبل الفراغ منها. هو مزيج من أدب الرحلات والسياسة والتاريخ المرصع بقدر كبير من الفكاهة والسخرية.
المؤلف هو ويليام دالريمبل الذي ولد في اسكتلندا وبدأت كتبه تحصد الجوائز وتتصدر قائمة المبيعات وهو لم يتعد عامه الثاني والعشرين. وهو يمتلك كل المقومات التي تؤهله ليكون من أبرز كتاب أدب الرحلات: خليط من عشق التاريخ والرغبة في فهم كل ما يدور في الحاضر ومحاولة استشراف المستقبل. الشجاعة.. حب الاستطلاع والمغامرة. الروح الفكهة... القدرة على التواصل مع رجل الشارع البسيط أو مع السياسي المحنك وعلى انتزاع الحقيقة من كليهما. الصبر على الاعتكاف في دير بحثا عن معلومة مختبئة في تلافيف مخطوطة قديمة أو الانزواء في كهف لاكتشاف نقش على جدار مظلم.
FOLLOWED