عرض مشاركة مفردة
  #8  
قديم 27-02-2006
الصورة الرمزية لـ makakola
makakola makakola غير متصل
Moderator
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
المشاركات: 6,270
makakola is on a distinguished road
و كما انشقت الكنيسة بدخولهاالسياسة ، كذا بدأت الامبراطورية الرومانية في الضعف ، فبعد أن كانت وظيفة الامبراطور الاهتمام بالدولة ، بدأ يتدخل في عقد المجامع الكنسية ، و تشاغل بوحدة الكنيسة ، وتأزمت الأوضاع بعد محاولة فرض ايمان الكنائس الغربية (4) على الايمان القبطي ، و أثبت التداخل بين الدين و الدولة من جديد أنه صفقة خاسرة للطرفين.

و في بدايات القرن السابع الميلادي ، وفي ظل الصراع الطائفي الداخلي في الامبراطوربية الرومانية بشقيها الغربي و الشرقي ، و كذا الحرب بين الرومان و الامبرطورية الفارسية و التي استمرت من 602-628 م ، نتج عنها خواء روحي و خلل سياسي في المنطقة مما سهل على برابرة المسلمين من الاعراب أن ينطلقوا في غزوات مثيلة بالتتار بدأت عام 632 م ، لينهوا على امبراطورية فارس و يستولوا على كل دول شمال أفريقيا الرومانية .

****
الكنيسة القبطية والظلام الروحي الاسلامي:

بدخول الاسلام إلى مصر و توطده فيها عام 642م ، دخلت الكنيسة عصر من الظلام الروحي و ظهرت اعراضه:

* بدأ بأن ازداد العبء على البطريرك القبطي ، فصار ملزما بتمثيل الاقباط سياسيا (راجع المقال الأول) ، و عندما بكى قداسة البابا شنودة الثالث و بكينا معه بعد أحداث الاسكندرية الأخيرة ، أدركت مدى العبء الثقيل الذي يحمله ، فهو يحمل هموم الاٌقباط السياسة قبل الروحية.

* و بعدها تم القضاء على اللغة القبطية ، و معها أنقطعت الصلة بين القبطي و تراثه من كتابات الآباء ، وفي محاولات معدودة لترجمة التراث القبطي إلى العربية ، بدأ ظهور بعض الموسوعيين من الأقباط (5) ، والذين تولوا ترجمة القوانين الكنسية و تجميعها ، و معها أضافوا الكثير من القوانين الكاثوليكية (الملكانية) إلى التراث القبطي (6) ، و التي تحمل في روحها أفكارا حولت قيادة الكنيسة من خدمة إلى سلطان متجاهلة قول المسيح "اذا اراد احد ان يكون اولا فيكون آخر الكل وخادما للكل" (مرقس 9 :35).

* وبدأت الثقافة الاسلامية أيضا تنتشر بين الاقباط: فبدأ الاقباط يهتمون بالمظهر لا الجوهر ، فتضخمت الصلوات الكنسية دون ابداع طقسي أو لاهوتي (7).

* و أصبح "الكم" أهم من "الكيف" ، فازدادت عدد الاصوام الكنسية لتصل إلى ما يقرب من 260 يوما في العام (8) ، و معها ازدادت اصناف الطعام الصيامي ، في محاولة شعبية للتحايل على كثرة عدد أيام الصوم ، و بعد أن كان الصوم بهدف نوال قوة روحية للتبشير و النمو الروحي صار مجرد فرض ديني ، يكتفي معظم الأقباط بصومه دون انقطاع عن الطعام ، و دون هدف روحي معين.

* و من الثقافة الاسلامية دخل أيضا مفهوم التعالي الإلهي "الله تعالى" و بدأت صورة الإله الاسلامي تغزو العقول القبطية في العصر القبطي المتأخر ليبتعد المسيح إلى السماء السابعة ، على الرغم أن إله المسيحية ليس متعالي بل "وديع و متواضع القلب" (متى 11: 29) .

* ومع تعالي الإله احتاج الأقباط لبديل أكثر قربا من القلوب ، فتشوهت علاقة الاقباط بقديسي الكنيسة:
- و بدلا من أن نتمثل بإيمانهم و نعلن ايماننا ، صارت قصص استشهادهم تُذكر لمزيد من التعجيز و ترسيخ الشعور بالدونية لدى القبطي المعاصر مقارنة بقديسي العصور الأولى.
- وبدلا من علاقة حية مبتادلة مع القديسين (هم يصلون لنا و نحن نطلب عن نياحهم كما في القداس الالهي) ، يلتجئ القبطي إلى القديسين لحل مشاكله اليومية و التوسط له عند الإله المتعالي (علاقة احتياج إلى معجزة) ،
- و انتشرت فكرة تصور أن الله كالملك لا يمكن الوصول إليه إلا بوساطة الوزراء من القديسين ، مع أن الملك قد تجسد و صار بيننا ، و أن وساطة العهد القديم بين الله و الناس قد تلاشت عندما انشق حجاب الهيكل في قدس الاقداس (مرقس 15: 38) ، و بعدها صار الطريق إلى قدس الاقداس مفتوحا .
- و بعد أن نزل الرب ليتعامل معنا مباشرة ، نأبى إلا أن يكون التعامل على الطريقة الاسلامية من وراء حجاب و وساطة (كما كان الوحي الاسلامي بوساطة محمد و جبريل) .
- و بدلا من أن يقف القديس وراءنا ليدفعنا نحو المسيح ، صار يقف بيننا و بينه ليحجب المسيح عنا ، وننكرالحقيقة التي نكررها في القداس الإلهي أن إلهنا لم يأتمن ملاك ولا رئيس ملائكة و لا نبيا على خلاصنا و أنه نقض"الحاجز المتوسط " بين السماء و الأرض لكي يرفعنا إليه . كلام نردده يوميا دون أن نعنيه.

* وصار الخوف هو الحاكم ، و صارت كلمة الانجيل تقال همسا ، و تحول الاقباط إلى مسيحيين بالوراثة. و أصبح من الحكمة أن تكتم إيمانك ، ولا تعلن مسيحيك ، و على الرغم من أن القبطي يصلي في القداس الإلهي "بموتك يا رب نبشر و بقيامتك المقدسة نعترف" ، إلا أننا لم نعد نبشر به و لا نعترف بقيامته ، وصار مجرد كلاما محفوظا لا يمس أرض الواقع الملئ بالخوف.
__________________
لم اكتم عدلك في وسط قلبي تكلمت بامانتك وخلاصك لم اخف رحمتك وحقك عن الجماعة العظيمة اما انت يا رب فلا تمنع رأفتك عني تنصرني رحمتك وحقك دائما
الرد مع إقتباس