ومنذ مارست مهنة المحاماة عام 1953، باشرت عددا من القضايا أمام المجلس الملي لطائفة الأقباط الأرثوذكس بدرجتيه ابتدائيا واستئنافيا.. وقد أثارني كثيرا تكرار نفس الجريمة في عدد منها.. وكان الشعور بالسخط عاما بين المتقاضين والمحامين علي الأحكام القانونية التي يطبقها المجلس الملي.. ولذلك أعلن الكثيرون فرحتهم بإلغاء الاختصاص القضائي للمجالس الملية الطائفية في مسائل الأحوال الشخصية سنة 1955، ولكن هذه الخطوة كانت تنقصها أخري أكثر أهمية هي إصدار قانون موحد للأحوال الشخصية لجميع المصريين دون النظر لاختلاف الديانة أو المذهب.. فالمجتمع واحد والتقاليد والعادات واحدة.. وقد تأثر الفقه المسيحي ـ في موضوع الأحوال الشخصية ـ بالفقه الإسلامي، وخاصة الفقه الشافعي.
وما زالت الأسرة المصرية محكومة بقواعد قانونية متباينة، تختلف باختلاف الديانة التي ينتمي إليها الشخص.. ولذلك تعاني مصر من مشكلة تعدد قوانين الأحوال الشخصية.. فبينما تطبق قواعد الشريعة الإسلامية علي المسلمين من المصريين، نجد أربعة عشر قانونا يطبق كل منها علي الأشخاص المنتمين لإحدي الطوائف الآتية:
1ـ طائفة الأقباط الأرثوذكس.. وهي أكبر الطوائف المسيحية عددا في مصر.
2ـ طائفة الروم الأرثوذكس.. وينتمي إليها الأرثوذكس الغربيون كاليونانيين والأرثوذكس الشرقيون من غير المصريين.
3ـ طائفة الأرمن الأرثوذكس.. ويرجعون بأصولهم إلي أرمينيا.
4ـ طائفة السريان الأرثوذكس.. وهم من أصل سوري.
5ـ طائفة الأقباط الكاثوليك التي لم يكن لها وجود قبل زيارة الملكة أوجيني لمصر.
6ـ طائفة الروم الكاثوليك.
7ـ الطائفة المارونية، وهم من أصل لبناني.
8ـ طائفة السريان الكاثوليك.
9ـ طائفة الأرمن الكاثوليك.
10ـ طائفة الكلدان الكاثوليك، وهم من أصل عراقي.
11ـ طائفة اللاتين.. وهم أحفاد الافرنج الذين استوطنوا سواحل الشام من عهد الحروب الصليبية.
12ـ طائفة الإنجيليين الوطنيين ولم يكن لها وجود قبل الاحتلال البريطاني لمصر.
13ـ طائفة اليهود الربانيين.. الذين يعتبرون التلمود حجة كالتوراة.
14ـ طائفة اليهود القرائين.. الذين يعتبرون الحجة في التوراة فقط، وهي الأسفار الخمسة الأولي المنسوبة إلي موسي.
وبذلك يتضح أن مصر هي الدولة الوحيدة التي يطبق فيها القضاء خمسة عشر قانونا للأحوال الشخصية.. وبعرض قواعد الخطبة فيها وما تطورت إليه، يتبين أنه ليس هناك خلاف بين التشريعات المسيحية والشريعة الإسلامية بالنسبة لها.. كما تتوافق شروط صحة الزواج في معظمها، بعد أن اعتبرت الشريعة الإسلامية أحد المصادر المهمة لتلك التشريعات: 1ـ عقد الخطبة وعد بالزواج غير ملزم وللطرفين حق العدول عنه.
2ـ بطلان الشرط الجزائي الذي يتفق عليه الطرفان مقابل العدول.
3ـ يفقد الطرف الذي عدل عن الخطبة حقه في استرداد ما قدمه من مهر أو هدايا.
4ـ يكون العدول عن الخطبة بإعلان إلي الطرف الآخر بخطاب موصي عليه بعلم الوصول.
5ـ تطبق في رد الهدايا ـ عند انقضاء الخطبة بالوفاة أو العدول ـ القواعد العامة في الهبات المنصوص عليها بالقانون المدني.
6ـ العدول عن الخطبة لا يستوجب التعويض، إلا إذا اقترن بأفعال أخري مستقلة عنه ألحقت ضررا بأحد الخاطبين.
ونري أن يشترط لصحة الخطبة:
1ـ بلوغ كل من الرجل والمرأة سن 18 سنة.
2ـ أن يكون العاقدان علي علم قاطع ـ أو ظن راجح ـ بحال المتعاقد الآخر وما عليه من أخلاق وعادات.
3ـ ألا تكون المرأة محرمة علي الرجل مؤبدا أو مؤقتا، والمرأة المسلمة محرمة علي غير المسلم. وان تبدأ إجراءات الزواج بتقديم طلب من الخاطبين معا إلي قاضي محكمة الأسرة التي يقع في دائرتها محل إقامة المرأة مرفقا به:
1ـ شهادة ثابت بها كل البيانات الخاصة بطالبي الزواج معتمدة من جهة العمل أو من النقابة المهنية التابعين لها، ملصقا بها صورة لكل منهما.
2ـ شهادة طبية بخلو كل منهما من الأمراض السرية والعضوية من أحد مكاتب الزواج التابعة لوزارة الشئون الاجتماعية.
3ـ شهادة ميلاد كل من طالبي الزواج أو مستخرج رسمي منها.
4ـ شهادة من نيابة الأحوال الشخصية قسم الولاية علي المال بعدم وجود موانع لصحة الزواج.
5ـ رخصة بالزواج بالنسبة للعسكريين ورجال السلك السياسي.
6ـ موافقة إدارة الأمن العام بالنسبة للأجانب.
وبناء علي ذلك يصدر قاضي محكمة الأسرة الإذن بسماح صيغة عقد الزواج، إذا لم يعترض أحد علي ذلك في المدة المحددة.
وتتحدد شروط صحة الزواج بالآتي:
1ـ بلوغ كل من الرجل والمرأة 21 سنة ميلادية كاملة، حتي يكونا أهلا لتحمل المسئوليات الاجتماعية التي يرتبها عقد الزواج قبلهما.
2ـ رضاء كل من طرفي العقد رضاء صحيحه صادرا من الزوجين شخصيا.
3ـ انتفاء موجبات التحريم بين العاقدين.
ولكن تختلف هذه القوانين بعضها عن بعض في أمور ثلاثة:
1ـ وحدانية الزوجين وتعدد الزوجات.
2ـ الطلاق والتطليق والانفصال الجسدي.
3ـ شكل الزواج، الديني والمدني.
|