
22-03-2006
|
 |
Moderator
|
|
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
المشاركات: 6,270
|
|
الملك البابلي(نبونيد) جد القريشيين؟ !
سليم مطر ـ جنيف

ملاحظة: هذا النص التعريفي، لا يدعي بأنه نص علمي تاريخي، بل هو (سيرة ادبية) مزيج من التاريخ والادب، وهو مدخل لمشروع اكبر لكتابة السيرة الروائية لهذا الملك العراقي المنسي :
في القرن السادس قبل الميلاد، عاش (نبونيد) آخر ملوك بابل. كان متعلقا بأمه التقية التي تقدس(سين) اله القمر اكثر من (مردوخ) ملك الآلهة، حتى انها عملت على إنشاء المعابد الخاصة به في كل انحاء مملكة بابل التي كانت تشمل آنذاك العراق والشام. كان هذا الملك منذ فتوته يميل الى الإعتزال بعيدا والتفكير بأسرار الخليقة وطرح الأسئلة المصيرية. وكان يحب التجوال في البوادي والإختلاط بقبائلها.
كانت مملكة بابل ومجتمعات المشرق بالاضافة الى مصر، تعيش آنذك اكثر حقبها انحطاطا، كأي حضارة مريضة هرمة تتهيأ للسقوط امام القبائل الرعوية الآرية الآسيوية الفتية التي اجتاحت غرب آسيا واوربا وبدأت تنشأ الممالك الواعدة في ايران والأناضول واليونان وايطاليا..
كان(نبونيد) حائرا حزينا وهو ينظر الى مملكته قد انهكتها الطوفانات والطواعين. بالاضافة الى هجمات القوى الرعوية الآرية من الشرق والشمال، مع الغزوات البدوية السامية من الغرب والجنوب. بينما استشرى الانحطاط في نفوس الناس وماتت ضمائرهم وتخلفت عقولهم وصاروا حيوانات ضارية تنهشهم الغيرة والتحاسد فيفتكون ببعضهم البعض بلا رحمة: القوي ينهش الضعيف، والضعيف ينهش نفسه والضعيف مثله..
اصيب (نبونيد) بصدمة كبيرة بعد موت امه، جعلته يستعيد الأسئلة العصية الأبدية عن معنى الحياة وسر الموت. تقديرا لأمه القديسة جهد من اجل الإعلاء من شأن(سين ـ القمر) كإله لقوى الإنوثة والمشاعر الروحية الداخلية، بخلاف(مردوخ) اله الفحولة والقوة والجبروت المادي. انكب على دراسة جميع ما كتبه الأسلاف من اجل العثور على اجوبة للأسئلة المحيرة وللخلاص من هذا الإنحطاط المستشري. لهذا يعتبر المؤرخون المعاصرون هذا الملك اول باحث ومنقب آثار في التاريخ، لأنه قام بحملة في انحاء العراق والشام من اجل البحث عن كتابات الأسلاف وترجمتها وإعادة الحياة الى الآثار المندثرة منذ آلاف السنين.
بعد تفكير وحوارات طويلة مع الحكماء إقتنع(نبونيد) ان لا خلاص للناس من هذه الكارثة المستشرية الا بخلاص النفوس وتنقية الضمائر من الآثام التي تفسدها. ادرك ان المشكلة تكمن في إنحطاط ديانة المشرق الى طقوس شكلية يتعيش عليها الكهنة الذين صار همهم الأكبر تبرير ظلم الأقوياء وعبودية الضعفاء وتمجيد الحياة الدنيا والقوة والعنف والحث على الحروب وتشريد المنهزمين من مدنهم وقراهم، من اجل المغانم والعبيد والجواري. لقد فقد الناس كل روحانيتهم وتم إختصار الإيمان بماديات الحياة والحاجيات الدهرية. لقد سيطرت الفردية والأنانية والغيرة والنميمة والتحاسد بعد إن انتفى الإيمان بأي قوى عليا ووازع اخلاقي وتلاشى أي مبرر للدفاع عن الوطن والكفاح من اجل المستقبل والمجتمع الأسمى.
قرر (نبونيد) ان يكون معتقده الجديد جامعاً لأفضل ما في اديان المنطقة من محاسن. بعد بحث ومداولات مع الكثير من الفقهاء والمطلعين قرر تبني فكرة اقترحها عليه بعض حكماء الشام الذين كانوا اكثر من غيرهم على دراية بديانة اهل مصر بالإضافة الى ديانة اهل المشرق ومذاهبهم المتناحرة: ان افضل مافي ديانة العراق والشام هي فكرة (المنقذ) المسمى بـ (تموزـ بعل) اله الخصب والذكورة، الذي يهبط كل ربيع مبعوثا من الإله الأب (ايل) رب السماء لكي يخصب الأم الأرض (عشتار) الهة الأنوثة. اما مشكلة هذه الديانة فأنها دهرية لا تؤمن بالحياة الآخرى بل تعتقد بأن الجنة والنار هنا في الحياة الدنيا. لا يمكن سد هذا الفراغ الا بالإعتماد على ديانة مصر التي كان افضل ما فيها هي فكرة (البعث والحساب) وخلود المؤمن في الجنة الموعودة.

بدأ الحكماء يدمجون بين هذين الدينين، ومع الزمن بدأت تسمية (منداعيةـ العرفانية) تفرض نفسها كتعبير بسيط عن المعرفة الحدسية الطبيعية بالإله (الأب) الذي يرسل (ابنه) المنقذ لينذر الناس بيوم الحساب القريب ويخلص (ارواحهم) من مفاسد الحياة الدنيا الفانية ويسمو بهم الى الحياة العليا الخالدة.
* * * شرع (نبونيد) اولا بتكوين الأنصار والأتباع لهذه المعتقد الجامع في بابل عاصمة مملكته. لكنه فوجئ بردود فعل عنيفة من قبل رجال الكهنوت الذين شعروا بأن هذه المعتقد الجديد يهدد سلطانهم وجبروتهم. راحوا يتهمونه بالمروق والهرطقة وتفضيل الإله (سين) على الأله الأعظم (مردوخ) . بلغ بهم الأمر انهم راحوا يتآمرون مع الدولة الفارسية التي كانت تهدد بإجتياح البلاد. بعد جهود كثيرة غير مثمرة إقتنع(نبونيد) بأنه ليس هنالك أي أمل لنشر معتقده، لا في بابل ولا في اية حاضرة من العراق والشام، لأن الإنحطاط قد بث سمومه في ارواح الناس كالداء القاتل الذي لا رجعة منه.
لكنه لم يفقد الأمل بل راح يبحث مع حكمائه عن افضل البدائل الممكنة. اخيراً قر القرار على اللجوء الى حياة الإعتزال في الأماكن النائية التي لم تفسدها بعد هذه الحضارة المحتضرة. انتشر الأنصار في البوادي والجبال يبتنون الصوامع البسيطة التي تمنحهم بعض الإستقرار والأمان. بنفس الوقت كانوا ينشرون دعوتهم بين الناس المحيطين بهم. لم يكونوا مهتمين بلون الإنسان او لغته لأنهم أعتقدوا ان(ايل ـ الله) هو اله جميع البشر في كل مكان وزمان، بل هو اله الكون بأجمعه.
اما (نبونيد) فأنه فضل الإستقرار في البادية التي كان متولعاً بها منذ طفولته. بعد ان كلف ولده (بيلشاصر) نائبا عنه في إدارة بابل، ابتنى له عاصمة (دينية) في جنوب بادية الشام (التيماء) . جمع حوله الزهاد والمريدين وراح يمضي وقته وهو يصلي لـ (إيل) كي يبعث رسوله (البعل المخلص) ليهدي شعبه ويمنحه الحب والأمل وينقذه من الإنحطاط المستشري والخراب الزاحف. تحولت (التيماء) مع عموم بادية الشام الى مركز نشر الدعوة العرفانية وانتشرت فيها الأديرة والصوامع للنساك والمبشرين.
المشكلة ان موقع هذه المدينة الدينية في اطراف البادية جعلها عرضة لهجمات القبائل البدوية الطامعة او المدفوعة من قبل كهنة واغنياء بابل الناقمين على ملكهم الرافض لمفاسدهم. كانت قبائل البادية، بسبب الجهل المستشري بينها والإحتقار الذي تجابه به من قبل اهل الحواظر، لا تكل عن العبث ونهب الممتلكات وقطع الطرق وسلب القوافل والإشتراك في الحروب والمؤامرات بين الملوك والأمراء.
فكر (نبونيد) ان افضل طريقة لحماية مدينته ان يقوم ببث دعوته العرفانية بين القبائل البدوية من اجل كسبها وابعادها عن خصومه. مع الزمن تحولت (التيماء) الى قبلة للقبائل البدوية التي راحت تنتشر بينها هذه الديانة الجديدة.
__________________
لم اكتم عدلك في وسط قلبي تكلمت بامانتك وخلاصك لم اخف رحمتك وحقك عن الجماعة العظيمة اما انت يا رب فلا تمنع رأفتك عني تنصرني رحمتك وحقك دائما
|