وتتألق السماء أكثر.. ينطلق حمام ضياؤه فوق الطاقة.. ينبثق فجأة من وسط السحاب والسماء الشديدة الصفاء.. يدور حول المنارات.. أحيانا يستقر فوق صلبان القباب.. ثم يعود يختفي وهو يسبح في اتجاه كنيسة الشهداء في الشرق.. يظهر ويدور ويختفي بسرعة الصاروخ.. بعضه كامل الهيئة بجناحين حولهما ضياء عجيب.. وبعضه بدون أجنحة.. ضوؤه مختلف تماما عن ضوء القمر والنجوم الساطعة الآن..
تتصايح الجموع.. وتتداخل التعليقات وتتنوع ردود الفعل.. ما بين التصفيق.. والزغاريد والتكبير المتتالي.. الله أكبر عليكي يا عدرا.. الله أكبر عليكي يا عدرا.. فالجموع هم حشد متنوع الفئات والطبقات والثقافات والجنسيات والأديان والطوائف.. مراسلون وكالات أنباء أجانب.. صعايده بالجلاليب.. شباب جامعات.. تلاميذ مدارس.. وزوار من الأرياف والمدن.. أطباء ولواءات وموظفون من كل مهنة.. بسطاء وأثرياء.. باختصار شعب الله كله..
مضت بنا الساعات سريعة كالحلم.. لا أحد يترك مكانه مهما طال التعب.. لا ملل ولا كلل ولا اعتراض علي زحام.. أنظر إلي أسفل المدينة مبدورة بشر كبذور الحقل.. الجماهير أفسحت الأرصفة لينام الأطفال ويستريح الشيوخ..حالة إنسانية نادرة..
ويأتي الفجر مسرعا.. يلتهب وجه السماء بوهج الشروق.. وأرتجف من روعة ما أشاهد وأسمع في لحظة وجود نادرة.. طلقات الرعد في السماء يجاوبها صوت استعداد ميكروفون الجامع للنداء.. لحظة.. وينبثق الضوء المبهر من منارة الكنيسة متزامنا مع انطلاق صوت المؤذن 'الله أكبر.. حي علي الفلاح' ويختم ديك الصباح المعزوفة بصياحه السعيد معلنا استقبال الفجر!!..
ماذا يحدث.. هل مازلنا علي الأرض!!..
أحاول استيعاب اللحظة.. والمكان.. واختزان المشاهد والأصوات والملامح من حولي.. الفضاء.. السماء.. منارات الكنائس والجوامع.. الأسطح المرصوصة بشر.. كل شئ بنفس النشاط والحيوية.. عروض السماء مستمرة مع تهليل الجماهير.. والساعة تخطت السادسة صباحا..!!
ومتي تنام المدينة؟!
ننادي علي صاحب المنزل الذي أغلق علينا باب هذا الجزء من السطوح بقفل عريض.. لاكتمال العدد.. يأتي حاملا المفاتيح والنظارة المكبرة التي يستعين بها عدد كبير هنا للفحص والتأكد والتركيز.. يتقدمنا ليفتح باب العمارة الذي أغلقه خلفنا بقفلين وجنزير لاكتمال عدد المشاهدين علي السلالم.. وداخل بلكونات شقق العمارة المفتوحة طوال الليل لاستقبال الضيوف والأغراب!!..
الشارع مزدحم ومضئ كما تركناه في المساء.. أضواء المحلات مازالت ساطعة.. البقال والفكهاني وحتي محلات الملابس والخردوات.. كل السوق شغال طوال الليل.. وكأننا في مدينة سياحية في حالة احتفال.. والعرض السماوي مازال مستمرا.. والنساء والأطفال والشباب يملأون الشوارع بكل أمان!!..
هل هذه هي أسيوط ؟!
سألت بإلحاح لأصدق أنني في أسيوط.. لكن لم تسجل ولا حادثة سرقة.. أو تحرش.. ولا تدور همسات عن خوف أو تعصب أو تهديد.. الهمس الدائر فقط هو جدل حول ظاهرة النور التي بدأت يوم 17/..8 ومازالت..
والحكاية الوحيدة التي يستقبلون بها كل زائر جديد مثلي.. هي أن أول من رأي العذراء فوق قبة الكنيسة.. هي سيدة مسلمة محجبة كانت تسير فرأت العذراء تقف فوق سطح الكنيسة.. تتمشي بين المنارتين.. تصورت أنها سيدة عادية تحاول الانتحار.. أو خلع الصليب المثبت فوق المنارة.. فأسرعت لإبلاغ المسئولين فورا.. وكانت البداية لأفراح أسيوط ثم مصر كلها بهذا الظهور العجيب الذي لم يحدث في أي بلد في العالم بهذا الشكل والاستمرار.. وبهذه النتائج النفسية والاجتماعية لمدينة أسيوط.. وبالتالي لمصر كلها..
بعد هذا الوصف التفصيلي لواقع يتكرر منذ خمسين يوما.. أحاول الإجابة علي الأسئلة وتقديم الحقائق.. لنشترك في الجدل المثار وصولا لليقين إن استطعنا أو علي الأقل الانتفاع بنتائج وثمار الإيمان الشعبي الجماعي بظهور العذراء..
|