عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 07-04-2006
الصورة الرمزية لـ makakola
makakola makakola غير متصل
Moderator
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
المشاركات: 6,270
makakola is on a distinguished road

استمر المؤتمر ثلاثة ايام وكان في غاية التنظيم والدقة. تخللته كلمات المجتمعين التي تضمنت اقتراحاتهم وآراءهم وتضامنهم مع تلك القضية.
ظاهرتان اثارتا انتباهي، بل استغرابي واعجابي!
ظاهرة رجل الدين الشيعي السيّد ضياء الدين الموسوي، وظاهرة المرأة القبطية الشابة التي فرضت وجودها في المؤتمر بقوة وحضور لامثيل له.
لا يربطني برجال الدين المسلمين رابط، ولم اعتبر لهم وزنا في حياتي. باختصار، هم يختلفون عن رجال الاديان الاخرى بتعنتهم وغبائهم وجهلهم وجشعهم وتعصبهم الأعمي.
هذا هو رأيي ولا اتوقع يوما ان اغيّر هذا الرأي، ولكن لقائي مع الأخ الموسوي جاء ضدّ قناعاتي!
رجل في مقتبل العمر، لم يتجاوز بعد عامه الخامس والثلاثين، مفعم بالحيوية والنشاط. لم اختلف معه على شيء سوى اصراره على انّه رجل دين.
الغريب انني لم أرَ فيه شيئا مما رأيته في رجال دينه.
شاب منفتح العقل.. بهيّ الطلعة.. دائم الابتسام.. انيق المظهر.. تشعر وانت تتحدّث معه بأنك تتحدث مع فيلسوف اغريقي عمره قرنٌ من الزمن.
في خطبته، التي ابتعد بها عما الفناه من خطباء المساجد من تضليل وتدجيل، أعلن للجميع بأنه سيقاتل كلّ من يختلف معه بالحبّ، فهو لا يملك سلاحا غيره!
كان بودي ان اطرح عليه الكثير من الاسئلة، لكنّ وقتنا لم يسمح. غادرت سويسرا الى المانيا دون ان اودعه وسؤال يحيّرني: من اين تعلم الشيخ الموسوي ان يقاتل الآخر بالحب؟
هل تعلم ذلك من الآية التي تقول:"فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى اذا اثخنتموهم فشدّوا الوثاق فإما منّا بعد وإمّا فداء حتى تضع الحرب اوزارها..".
****************
لو يستطيع الانسان، ايّ انسان، ان يتعلم من تلك الآية كيف يقاتل الآخر بالحبّ لما احتجنا الى هذا المؤتمر ولما عانى الاقباط في مصر من الظلم والاضطهاد اللذين يتعرضون لهما.
كيف يتعلم الانسان الحب من تعاليم تحض على قطع رقبة الآخر وفصلها عن جسده؟
هذا ما لم استطع ان افهمه، وغادر الأخ الموسوي قبل ان يشرح لي مدى امكانية ذلك!
لا يراودني شكّ بأن الشيخ الموسوي قد استقى حبّه من منابع اخرى لم يبح لنا بها، وآمل ان التقي به يوما لأعرف منه عن كثب تلك المنابع الصافية التي تعلم منها كيف يقاتل من يختلف معه بالحبّ!
*************
الظاهرة الأخرى التي سرقت انتباهي ظاهرة الشابتين فيولا وباسنت اللتين لم تتجاوزا بعد ربيعهما العشرين.
طرحت كل منهما قضيتها بتفصيل مذهل وقوة حضور أخاذة.
تعود، وانت تصغي اليهما، لتقتنع بأنّها قوة الايمان.. الايمان بما تناضل من اجله!
والسيّدة هالة المصري المراسلة لموقع "الاقباط متحدون" التي تنقل لك الصورة من ارض الواقع. تدافع عن حقّها في الحياة وهي تعيش في قفص الاسد!
تعرف بأنّها ستعود غدا الى هناك، وتشرح لك مخاطر الامر بحذافيره:
أعرف انهم سينالون مني يوما لكنّ الانسان يعيش حياة واحدة ويموت مرّة واحدة!
هؤلاء نساء قضيّة، وايمانهم سيكون سرّ نجاح تلك القضية!
***************
لم ينجح المسلمون خلال اربعة عشر عاما في حلّ قضيّة واحدة من قضاياهم، لماذا؟
لأنهم لا يؤمنون بقضاياهم، ولأن اعتبارات اخرى تدفعهم للتظاهر بالدفاع عن قضيّة ما.
القضية الفلسطينية، اضرب مثلا، لو كان دفاعهم عن تلك القضية من وحي ايمانهم بحقوق الشعب الفلسطيني لاستطاعوا منذ زمن بعيد ان يصلوا الى حلّ عادل لتلك القضيّة. القضيّة الفلسطينيّة هنا ليست قضيّة ايمان، بل انها لقمة عيش يتصيّدها رجال دينهم وحكامهم، وليس من صالحهم حلّ تلك القضيّة كي لا يخسروا لقمتهم!
نجحوا فقط، بل وكانوا وحدهم في تاريخ العالم الذين نجحوا في هذا المضمار؛ نجحوا في ظاهرة "الانتحاريين"، لماذا؟
انّه الايمان ايضا.. الايمان بانّ الله قد اشترى منهم انفسهم فيقتلون او يقتلون!
القضيّة القبطيّة لا يمكن ان تموت لأنّها قضيّة ايمان، ايمان بحقوق مسلوبة وكرامة مهدورة. وفي تلك الحال لن يموت حق وراءه مطالب!
لا يعرفون العنف ولا توجد تلك الكلمة في قاموسهم. يختصرون لك ذلك القاموس بعبارة واحدة: الله محبة!
****************
تابعت بشغف ردود افعال القراء على فعاليات المؤتمر، تمحور اهتمام الغالبيّة حول سؤال: متى نصل الى مرحلة اخرى في نضالنا.. ومتى نتجاوز الخطابات والقرارات واللقاءات الى مرحلة الفعل؟!!
هذا سؤال جيد وجدير بالاجابة، ولا املك حياله الاّ ان اقول: في البدء كانت الكلمة، ولا يحلّ مشكلة الاقباط إلا الكلمة!
زمن العنف قد ولى، والعالم اليوم معنيّ بقضايا الاقليات والاضطهاد الديني اكثر من اي وقت مضى.
هذه المؤتمرات هي الحل الوحيد والأكثر فعالية ولا بدّ ان تثمر يوما. من خلالها يتعرّف العالم المتمدن على قضايا المظلومين ومن خلالها سيحصل الاقباط على حقوقهم مهما طال الزمن او بدا طويلا.
إنّ قضيّة عمرها مئات السنين لا تحلّ بين ليلة وضحاها.
غدا سيحمل الحل العادل وإنّ غدا لناظره قريب!
*************
في اليوم الأخير، وبعد عودتي من المانيا الى سويسرا، قابلت الاستاذ عدلي على باب القاعة نفسها التي استضافتنا.
عانقني وهو يجهش في البكاء:
أنا تعبان يا بنيتي، الاجل قد اقترب، تذكّري دائما انني سأترك لك قضيّة الاقباط وهي امانة في عنقك ومسؤوليّة القي بها على كتفيك لأنني اؤمن بقوة هاذين الكتفين!
عانقته وانا اقاوم دموعي:
ليست مهمة سهلة، لكنني اعدك بأن افعل كلّ ما باستطاعتي!
غادرت سويسرا وعلى كتفيّ يجلس عشرة مليون قبطيّ والى جانبهم كلّ مظلوم ومضطهد على سطح الارض!
غادرت سويسرا، ولساني حالي يتضرّع الى السماء:
ربي انا اليوم احمل حملا ثقيلا على ظهري فكيف امشي؟!!
ويأتيني صوته:
وأنا اليوم احملك على ظهري فلست بحاجة ان تمشي!
__________________
لم اكتم عدلك في وسط قلبي تكلمت بامانتك وخلاصك لم اخف رحمتك وحقك عن الجماعة العظيمة اما انت يا رب فلا تمنع رأفتك عني تنصرني رحمتك وحقك دائما
الرد مع إقتباس