عقلية جنرالات المقاهي
عزيزي الإصلاح
بالرغم من أنني أختلف معك في كثير من الأمور ، وبخاصة كراهيتك المُطلقة لمُبارك و نظامه السياسي المُتهالك الآيل للسقوط ، فإنني اتفق معك في أن مُبارك لم يعد يصلح رئيسا لمصر.
لقد صدمتني ، بل أفزعتني تصريحات مُبارك على قناة (العربية) الإخبارية في لقائه مع المُتمكنة البارعة جيزيل خوري ، و قد تابعت هذا اللقاء (للأسف ليس منذ بدايته) ، و خرجت بالعديد من الملاحظات :
1. تكرار طرح المذيعة أغلب أسئلتها على مُبارك لأكثر من مرة ، وهذا إن دلَ فهو يدل على أحد الإحتمالات التالية:
* فقدان التركيز الشديد الذي يعاني منه الرئيس بسبب عامل السن (الرئيس يبلغ الآن 78 عاما).
* تأثر القُدرة السمعية لدى الرئيس ، وإن كنت أستبعد هذا الإحتمال ، لأن الرعاية الصحية الفوق مُمتازة التي يتمتع بها الرئيس تستطيع - و بسهولة تامة - تلافي المشاكل السمعية (التي من المُمكن أن يُعاني منها الرئيس بسبب عامل السن أيضا) بالعديد من الوسائل الطبية المُتاحة و الغير مُتاحة.
2. إعتماد مُبارك على إستخدام الهزل و التهريج في الإجابة على بعض الأسئلة أقل ما يُمكن أن توصف به إنها أسئلة مُحرجة ، إن لم تكن أسئلة إستراتيجية مصيرية (مثل سؤال برود العلاقات المصرية - الأمريكية و التي رد عليها مُبارك بأنه سيُسخَنها).
3. وضوح إعتماد الرئيس في كثير من ردوده على التقارير و المقالات الصحفية ، والتي ليست بالضرورة مكتوبة من قبل سياسيين مُحنَكين. (والدليل على ذلك قصة شيعة العراق الذين يُمثَلون 65 % من مُجمل سكان العراق ، ووصفهم بالولاء - أو بتعبير أدق بالعمالة - لإيران) ، وهو بذلك يتبع نفس نهج من يُسمَون ب (جنرالات المقاهي) الذين يقرأون الصُحف صباحا ، ثم يجلسون في آخر النهار على المقاهي ، يرتشفون أكواب الشاي ، و يتكلمون في الأمور السياسية كأعظم قادة سياسيين ، مُبهرين مستمعيهم بمعلوماتهم الغزيرة و آرائهم السياسية السديدة ، علما بأنهم لا يعدون إلا مُتلقين ببغائيين لما تبثه الصُحف في عقولهم!!!
و نستطيع أن نستنتج من من تلك الملاحظات التالي :
1. وضوح تضاؤل إعتماد مُبارك على رأي و إستشارة مُستشاريه السياسيين (أمثال المُتمكن أسامة الباز) ، و بالتالي ، فقدانه للبوصلة السياسية الرشيدة التي يُمكنها أن تكون مُلهمة و مُرشدة له في تصريحاته السياسية.
2. إستقرار روح الأنا العظمى في نفسية مُبارك (وهي حالة تُصيب عامة كل من تقادم في السلطة لسنوات طويلة كمُبارك ، الأمر الذي يُعطي صاحبه الشعور بالإكتفاء الذاتي بالنفس ، مهما كانت العواقب) وأنه أصبح الآن العالم الخبير بكافة الأمور بشكل مُطلق ، و بالتالي فلا جدوى من إستشارة كائنا من كان ، وتلك النقطة تحديدا مكمن الخطورة ، لأنها تنُم على وشوك السقوط و الإنهيار بسبب عزل الذات عن المُحيط العام ، وعدم الإحساس بالأحداث مهما كانت حساسيتها و خطورتها.
3. فُقدان مُبارك القدرة على الإستيعاب و التعَلم و بشكل تام (أين مُبارك الذي نراه الآن من مُبارك النصف الأول من الثمانينيات الذي كان يدأب على زيارة كل موقع لكي يُنصت و بإهتمام بالغ لشرح كيفية إدارة المشاريع و المواقع و المصانع ، وما تم إنجازه ، وما لم يتم ، إلخ....) ، الأمر الذي سوف يؤدي حتما إلى المزيد من عُزلة مُبارك عن الآم الشعب المطحون ، و بالتالي سوف يستغلَ إخوان الخراب ومن يدور في فلكهم هذا العيب الخطير في شخصية مُبارك أسوأ إستغلال ، وسيوَظفون تلك النقطة السلبية التي تنامت في شخصيته لمصالحهم الإنتهازية الوصولية.
4. تغلغل الأفكار الأصولية الوهابية السُنية في نفسية مُبارك بالرغم من مُحاولته المُستميتة إخفاء ذلك النهج الفكري بالغ الخطورة:
فالشخص الذي يتهم فئة كاملة من الناس بسبب مُعتقدهم بدون تمييز ، وعلى الهوية و بشكل مُعمم (مثلما إتهم مُبارك مُعظم شيعة العرب بالولاء التقليدي لإيران) ، من السهل أن تتغلغل إلى أفكاره نفس المنهج الإستعلائي الإنتقائي لمن يُخالفه في مُعتقداته الدينية ، وبالتالي فنحن الأقباط لسنا بمنأى عن ذلك النهج الخطير من التفكير المُعمم (بكسر الميم) ، ولن نندهش إذا تم إطلاق حملة قومجية (همجية بربرية) على صفحات الصحف و في وسائل الإعلام ، ومن أروقة جهاز إنعدام أمن الدولة تتهمنا بالعمالة للصليبية و الأصولية المسيحية المُتشددة الجديدة ، أو ما يُسمونه الآن باليمين المسيحي المُتصهيَن المُتطرف (و التي يولوكها الآن مُعظم العرب و المصريين المُتأسلمين فكرا و نهجا من مُفكرين و سياسيين و جنرالات مقاهي في أفواههم كالمُضغة بغباء و جهل سياسي و ديني مُنقطع النظير) ، وبالتالي ، سيتم إفتعال المزيد من المشاكل ضدنا ، والمزيد من الإضطهاد و سوء المُعاملة بناء على تلك التعميمات العمياء الخالية من رائحة المنطق و العقل التي تنطلق من مواقع صُنع القرار لتنفيذ مآرب خبيثة لا يُريد أصحابها إلا مصلحتهم الشخصية ، حتى ولو كانت تلك المصالح ستؤدي إلى دمار سياسي و إقتصادي وإجتماعي شامل للدولة.
أخيرا ، فإن مصر لم تعد الآن بحاجة إلى كفاءات سياسية فذة تنتشلها من حالة الفقر السياسي و الإقتصادي و الإجتماعي و الفكري و التربوي التي تعيشه الآن بقدر حاجتها لقائد علماني قوي و شُجاع ، لكي ينتشلها من هاوية الوهابية السُنية المُتعصبة التي توغلت حتى داخل رأس الدولة ذاته ، والتي ستجر البلاد حتما إلى الإنهيار الشامل.
|