احد اسباب الهجرة ..........تسيس الدين لقد قرات هذا المقال واعجبنى لان يرد على كثير من الاسئلة
تديين السياسة= تسييس الدين!
بقلم: أحمد عبدالمعطي حجازي
يوم السبت الماضي, دعاني برنامج البيت بيتك مع من دعاهم ليجيبوا عن السؤال الذي يؤرق الجميع في هذه الأيام, وهو سؤال الإرهاب.
لقد خيل لنا, أو لكثيرين منا أن هذا الخطر قد تراجع بعض الشئ وخفتت حدته,غير أن الهدوء الذي حسبناه تراجعا أو انقطاعا لم يكن إلا وقفة لالتقاط الأنفاس واستئناف الضرب من جديد. والذين يفصلون بين ما نتلقاه الآن علي أيدي الارهابيين وما كنا نتلقاه علي أيديهم من قبل يقعون في خطأ كبير ويجهلون حقيقة الخطر الذي نواجهه.
قد تكون هناك تنظيمات جديدة بدأت نشاطها. وقد تتعدد الأسماء وتتغير الخطط, لكن الظاهرة واحدة مستمرة. والأسباب التي فتحت الطريق أمام جماعات الإسلام السياسي في الأعوام الثلاثين الأخيرة, والبيئة السياسية والفكرية والاجتماعية التي ساعدتها علي فرض وجودها, وشجعت المنظمات الارهابية التي انبثقت منها هي ذاتها الأسباب التي تفتح الطريق أمام هذه الجماعات الآن, وهي البيئة التي تحتضن الارهابيين الجدد. وربما كنا في مواجهة طور من أطوار الارهاب أقسي من كل ما سبق وأعنف.
ما هي هذه الأسباب التي تؤدي إلي ظهور جماعات الإسلام السياسي وتشجع المنظمات الإرهابية وتوفر لها في الأجيال الجديدة من تستطيع تجنيدهم والزج بهم في هذا المضمار الرهيب ؟
هي أكثر من أن تحصي, لأن بعضها قديم موروث وبعضها جديد منقول. بعضها في الداخل وبعضها في الخارج, لكنها تبدأ كلها من سبب لا أذهب إليه تهربا من التصريح بغيره, وإنما أبدأ من أصل لن نستطيع بدونه أن نتطرق لبقية الأسباب أو نضعها في مكانها الصحيح.
السبب الأصلي الذي فتح الطريق أمام جماعات الاسلام السياسي ودفع بها في طريق العنف والارهاب هو وجود اسرائيل التي حولت اليهودية إلي مشروع استعماري, وفرضت نفسها بالحديد والنار, وطردت شعبا كاملا من وطنه, فبررت بوجودها وجود الاسلام السياسي وشجعت جماعاته علي أن ترد بالمثل, وتلجأ للعنف والارهاب.
لكن هذا السبب المفروض علينا من الخارج ما لبث أن تحول إلي سبب داخلي. فالإسلام السياسي لم يكن مجرد رد علي اليهودية السياسية التي نعرفها باسم الصهيونية, وإنما كان تيارا موجودا يناهض حركة النهضة والتحديث علي النحو الذي تمثل في الدعوة لاقتباس علوم الغرب ونظمه السياسية والاجتماعية, ويدعو لاستعادة الخلافة التي سقطت في تركيا, وتطبيق الشريعة الاسلامية.
غير أن حركة النهضة هي التي انتصرت في النصف الأول من القرن العشرين, لأنها نجحت في انتزاع الاستقلال الوطني من قبضة المحتلين البريطانيين, وانتزاع الدستور من قبضة الملك فؤاد والقوي الرجعية المحيطة به فمن الطبيعي أن يجد دعاة الاسلام السياسي أنفسهم معزولين عن الجماهير في سنوات المد الوطني الديمقراطي الذي قامت اسرائيل لتقف سدا في وجهه, وتشكك المصريين والعرب عامة في جدوي التحديث والديمقراطية, وتدفعهم للترحم علي أيام العثمانيين والانغلاق علي ذواتهم خوفا علي وجودهم المهدد بهذه المستوطنة اليهودية التي أصبحت قلعة حصينة مسموحا لها بأن تعربد كما تشاء في طول البلاد العربية وعرضها. والنتيجة هي محاصرة القوي العاقلة, وفتح الطريق أمام جماعة الاخوان المسلمين وحزب مصر الفتاة وسواهما من الجماعات الرجعية والأحزاب الفاشية التي لجأت الي الارهاب, وفجرت دور السينما, واغتالت خصومها السياسيين, وأشعلت النار في القاهرة, ففتحت الباب أمام الضباط المغامرين الذين استغلوا غضب المصريين علي ما وقع لهم في حرب فلسطين الأولي وحاجتهم للرد علي الهزيمة التي تعرضوا لها, فاستولوا علي السلطة ووصلوا بنا إلي ما نحن فيه اليوم.
ومن المعروف أن عددا من ضباط يوليو كانوا أعضاء في جماعة الاخوان المسلمين الذين تحالفوا في البداية مع الحكم العسكري ضد الأحزاب التي طالبت بتسليم السلطة للمدنيين. وإذا كان حرص العسكر علي الانفراد بالسلطة قد أدي بهم الي نقض الحلف وضرب الاخوان المسلمين بقسوة وحشية, فقد حرصوا في المقابل علي أن يقولوا للناس إنهم ليسوا أقل من الاخوان المسلمين غيرة علي الدين وتمسكا بالتقاليد الموروثة عن الآباء والأجداد, أو بما سماه بعضهم أخلاق القرية التي استندوا اليها في قهرهم للمواطنين وانفرادهم بالسلطة لأن أخلاق القرية تجعل الحاكم رب أسرة وتجعل المواطنين أطفالا له لا يمكنهم أن يستغنوا عنه. ولايحق لهم ان يراقبوه أو يحاسبوه أو يسألوه أو يعزلوه! هكذا وجد الحكم العسكري نفسه مضطرا لتبني ثقافة الاخوان المسلمين واعتناق أفكارهم التي بررت له أن يغتصب السلطة, ويصادر الرأي, ويعتقل المعارضين, ويبدد ثروات الوطن المادية والبشرية في مغامراته التي أنهكت البلاد وجردتها من كل سلاح ومكنت إسرائيل من أن تسدد لنا ضربتها القاضية عام1967, فلم تكن هي المنتصرة وحدها في هذه الحرب, وإنما انتصر معها الإخوان المسلمون!
نعم, فالهزيمة الساحقة التي مني بها النظام لم تكن إدانة له فحسب, وإنما كانت في الوقت ذاته تبرئة لخصومه المعتقلين الذين أطلقهم الرئيس السابق ليحارب بهم الجماعات اليسارية التي كانت تعارضه. وقد خاض الاخوان هذه الحرب تحت راية السادات وانتزعوا له النصر وطالبوا بالثمن الذي حصلوا عليه بالفعل.
لقد خرجوا من المعتقل ليجدوا شعاراتهم مرفوعة وأفكارهم منتشرة, وليكتشفوا أن الحياة السياسية أطلال دارسة تصفر فيها الرياح وأنهم القوة الوحيدة المنظمة, وإذن فهم القوة الوحيدة المرشحة للاستيلاء علي السلطة التي لم يطالبوا صراحة بها, وإنما طالبوا بتعديل الدستور, وقد كان لهم ما أرادوا فلم تعد الشريعة مصدرا من مصادر القوانين وإنما أصبحت المصدر الرئيسي للقوانين, وهكذا نجح الاخوان في تديين السياسة بعد أن نجحوا في تسييس الدين. وهكذا انتقلت جماعات الاسلام السياسي من طور الدعوة للفكرة إلي طور العمل علي تطبيقها. وفي هذا الطور الجديد ظهرت المنظمات الارهابية.
لقد تنكرت الدولة الوطنية لوظيفتها الحقيقية, وهي أن تحمي أمن المواطنين جميعا, وتسوي بينهم, وتدافع عن حريتهم, وتضمن لكل منهم أن يعتنق ما يشاء من أفكار وعقائد, لاتنحاز لطائفة ولا تتعصب لدين. تنكرت الدولة الوطنية لهذه الوظيفة وأقحمت نفسها في وظيفة لاتؤديها إلا الدولة الدينية, وذلك حين التزمت بنص دستوري لاتستطيع الوفاء به علي النحو الذي يرضي جماعات الاسلام السياسي, فهي مضطرة لأن تتجاهله ومضطرة في الوقت نفسه لأن تؤكد احترامها له والتزامها به. وتلك هي البيئة التي يشعر فيها المتطرف أنه صاحب حق يبرر له أن يعلن الحرب علي الدولة والمجتمع!
|