مصريون وعرب
وتشهد الساحة المصرية منذ شهور جدلاً بين أنصار القومية العربية، والداعين إلى إحياء القومية المصرية، إذ وصل السجال إلى حد تجاوز سقف المحاذير المرعية في التلفزيون الحكومي، ففي حلقة حوار قدمتها مؤخراً المذيعة المصرية سلمى الشماع في برنامجها "اسهر معانا"، الذي تبثه "قناة المنوعات" بالتليفزيون المصري، تطرقت فيه إلى سؤال عن "عروبة مصر"، وما إذا كانت "قدراً" لا فكاك منه، كما يروج دعاتها، أم أنها كانت خياراً خاطئاً، عاد للظهور بعد انقضاض العسكر على مقاليد البلاد في العام 1952، واعتمادهم خليطاً من أفكار بشّر بها ساطع الحصري تارة، وميشيل عفلق تارة أخرى، حتى اخترع منظرو العسكر ما يسمى بالاشتراكية العربية"، وكانت آراء معظم ضيوف الحلقة على غير العادة مناوئة تماماً وبوضوح لمسألة عروبة مصر، وهو أمر أثار العشرات من التعليقات جاء معظمها ضد البرنامج ومقدمته والضيوف ومجرد مناقشة الفكرة ذاتها عبر التلفزيون.
ويرى دعاة القومية العربية أن الهدف من إثارة هذه المعركة الآن "هو تقزيم دور مصر العربي"، مقابل صعود من يطلق عليهم القوميون "الفراعنة الجدد"، الذين يرى القوميون أنهم يستهدفون "عزل مصر عن قضايا فلسطين ولبنان والعراق والسودان حتى ينفرد بهم الشريك الكامل صاحب أوراق اللعبة وخارطة الطريق إلي الهاوية"، وذلك في إشارة إلى الولايات المتحدة.
وفي المقابل يرى أنصار الدعوة إلى القومية المصرية، أن "أهم سبب يجعلنا نعيد النظر في هويتنا الحالية هو نظرية المعرفة العربية عن الكون، وكيف نتعامل معه, فالرؤية العلمية الحديثة تصطدم بشدة في الرؤية الشرقية عامة، والعربية خاصة كونها حاملة لمنظور ديني للكون"، لافتين إلى أن ذلك لا يعني "أننا أمام استبدال رؤية عربية دينية بأخرى فرعونية أسطورية، بل الهدف هو الرقي الي مستوى العقل العلمي الحداثي، وليس الارتداد الى أي سلفية أخرى مهما كان نوعها".
ويشدد مؤيدو هذا التوجه على أن "اللحاق بقطار المعرفة الحداثية كان مشروع رفاعة الطهطاوي, ومن هنا نشأ خطاب الحداثة والتنوير وهو بالأساس خطاب نقدي لا وجود له في مراحل التاريخ الثقافي المصري منذ سيادة المسيحية في العام415 م على أنقاض مجد الاسكندرية الغابر"، الأمر الذي "يقتضي السعي لإحداث تحول ثقافي ومعرفي يستند إلى موقف حداثي مثله جميع مفكري القرن الماضي من طه حسين وحسين فوزي ولويس عوض وغيرهم من أقطاب الفكر والسياسة في التاريخ الوطني".
(يتبع)
|