عرض مشاركة مفردة
  #25  
قديم 22-06-2006
الصورة الرمزية لـ Ibrahim Al Copti
Ibrahim Al Copti Ibrahim Al Copti غير متصل
Moderator
 
تاريخ التّسجيل: May 2005
المشاركات: 2,143
Ibrahim Al Copti is on a distinguished road
هدم الكنائس عام 721 هـ

السلوك لمعرفة دول الملوك–المقريزي-ص 426-428

وفي يوم الجمعة تاسع ربيع الآخر: ثارت العامة يداً واحدة، وهدموا كنيستين متقابلتين بالزهري، وكنيسة بستان السكري وتعرف بالكنيسة الحمراء، وبعض كنيستين بمصر وكان ذلك من غرائب الاتفاق ونوادر الحوادث: والخبر عنه أن السلطان لما عزم على إنشاء الزريبة بجوار جامع الطيبرسي على النيل احتاج إلى طين كثير، فنزل بنفسه وعين مكاناً من أرض بستان الزهري قريباً من ميدان المهارة ليأخذ منه الطين، ولينشئ في هذا المكان بركة وعوض مستحقي وقفه بدله، وكتب أوراقاً بأسماء الأمراء، وأفزر لكل منهم قياساً معلوماً، فتولى قياس ذلك عدة من المهندسين مع الأمير بيبرس الحاحب. وابتدأ الأمراء في الحفر يوم الثلاثاء تاسع عشري ربيع الأول، ورفعوا الطين على بغالهم ودوابهم إلى شاطئ النيل حيث عمل الزريبة. فلم يزل الحفر مستمراً إلى أن قرب من كنيسة الزهري، وأحاط بها الحفر من دايرها وصارت في الوسط، بحيث تمنع من اتساع البركة. فعرف الأمير أقسنقر شاد العمائر السلطان بذلك، فأمره أن يبالغ في الحفر حولها حتى تتعلق، وإذا دخل الليل فيدع الأمراء تهدمها، ويشيع أنها سقطت على غفلة منهم، فاعتمد الحفر فيما حولها، وكتم ما يريده، وصارت ***** الأمراء تصرخ وتريد هدم الكنيسة، وآقسنقر يمنعهم من ذلك.


فلما كان يوم الجمعة تاسع ربيع الآخر: بطل العمل وقت الصلاة لاشتغال الأمراء بالصلاة، فاجتمع من ال***** والعامة طائفة كبيرة، وصرخوا صوتاً واحداً ا لله أكبر، ووقعوا في أركان الكنيسة بالمساحي والفوس حتى صارت كوماً، ووقع من فيها من ال*****، وانتهب العامة ما كان بها. والتفتوا إلى كنيسة الحمراء المجاوره لها، وكانت من أعظم كنائس ال*****، وفيها مال كبير، وعدة من ال***** ما بين رجال ونساء مترهبات فصعدت العامة فوقها، وفتحوا أبوابها ونهبوا أموالها وخمورها. وانتقلوا إلى كنيسة بومنا بجوار السبع سقايات، وكانت معبداً جليلاً من معابد ال*****، فكسروا بابها ونهبوا ما فيها، وقتلوا منها جماعة، وسبوا بنات كانوا بها تزيد عدتهن على ستين بكراً فما انقضت الصلاة حتى ماجت الأرض، فلما خرج الناس من الجامع رأوا غباراً ودخان الحريق قد ارتفعا إلى السماء، وما في العامة إلا من بيده بنت قد سباها أو جرة خمر أو ثوب أو شيء من النهب، فدهشوا وظنوا أنها الساعة قد قامت.
وانتشر الخبر من السبع سقايات إلى تحت القلعة، فأنكر السلطان ارتفاع الأصوات بالضجيج، وأمر الأمير أيدغمش بكشف لخبر. فلما بلغه ما وقع انزعج لذلك انزعاجاً زائداً، وتقدم إلى أيدغمش أمير أخور، فركب بالوشاقية ليقبض على العامة ويشهرهم. فما هو إلا أن ركب أيدغمش إذا بملوك الأمير علم الدين سنجر الخازن متولي القاهرة حضر وأخبر بأن العامة ثارت بالقاهرة، وأخربوا كنيسة بحارة الروم وكنيسة بحارة زويلة، وأنه ركب خوفاً على القاهرة من النهب. وقدم مملوك والي مصر وأخبر بأن عامتها قد تجمعت لهدم كنيسة المعلقة حيث مسكن البترك وأموال ال*****، ويطلب نجدة. فلشدة ما نزل بالسلطان من الغضب هم أن يركب بنفسه، ثم أردف أيدغمش بأربعة أمراء ساروا إلى مصر، وبعث بيبرس الحاجب، وألماس الحاجب إلى موضع الحفر، وبعث طينال إلى القاهرة، ليضعوا السيف فيمن وجدوه. فقامت القاهرة ومصر على ساق، وفرت النهابة، فلم تدرك الأمراء منهم إلا من غلب على نفسه بالسكر من الخمر. وأدرك الأمير أيدغمش والي مصر وقد هزمته العامة من زقاق المعلقة، وأنكوا مماليكه بالرمي عليهم، ولم يبق إلا أن يحرقوا أبواب الكنيسة، فجرد هو ومن معه السيوف ليفتك بهم، فرأى عالماً عظيماً لا يحصيهم إلا خالقهم، فكف عنهم خوف اتساع الخرق، ونادى من وقف فدمه حلال، فخافت العامة أيضاً وتفرقوا. ووقف أيدغمش يحرس المعلقة إلى أن أذن العصر، فصلي بجامع عمرو، وعين خمسين أوشاقيا للمبيت مع الوالي على باب الكنيسة، وعاد.

وكان كأنما نودي في إقليم مصر بهدم الكنائس، وأول ما وقع الصوت بجامع قلعة الجبل: وذلك أنه لما انقضت صلاة الجمعة صرخ رجل موله في وسط الجامع: "اهدموا الكنيسة التي في القلعة"، وخرج في صراخه عن الحد واضطرب. فتعجب السلطان والأمراء منه، وندب نقيب الجيش والحاجب لتفتيش سائر بيوت القلعة، فوجدوا كنيسة في خرائب التتر قد أخفيت، فهدموها. وما هو إلا أن فرغوا من هدمها والسلطان يتعجب إذ وقع الصراخ تحت القلعة، وبلغه هدم العامة للكنائس كما تقدم، وطلب الرجل الموله فلم يوجد.

وعندما خرج الناس من صلاة الجمعة بالجامع الأزهر من القاهرة رأوا العامة في هرج عظيم، ومعهم الأخشاب والصلبان والثياب وغيرها، وهم يقولون: "السلطان نادى بخراب الكنائس"، فظنوا الأمر كذلك. وكان قد خرب من كنائس القاهرة سوى كنيستي حارة الروم وحاره زويلة وكنيسة بالبندقانيين كنائس كثيرة، ثم تبين أن ذلك كان من العامة بغير أمر السلطان.

فلما كان يوم الأحد حادي عشره: سقط الطائر من الإسكندرية بأنه لما كان الناس في صلاة الجمعة تجمع العامة وصاحوا هدمت الكنائس، فركب الأمير بدر الدين المحسني متولي الثغر بعد الصلاة ليدرك الكنائس، فإذا بها قد صارت كوماً، وكانت عدتها أربع كنائس. ووقعت بطاقة من والي البحيرة بأن العامة هدمت كنيستين في مدينة دمنهور، والناس في صلاة الجمعة. ثم ورد مملوك والي قوص في يوم الجمعة سابع عشره، وأخبر بأنه لما كان يوم الجمعة هدم العامة ست كنائس بقوص في نحو نصف ساعة. وتواترت الأخبار من الوجه القبلي والوجه البحري بهدم الكنائس وقت صلاة الجمعة، فكثر التعجب من وقوع هذا الاتفاق في ساعة واحدة بسائر الأقاليم.

وصار السلطان يشتد غضبه من العامة، والأمراء تسكن غضبه وتقول. "يا مولانا هذا إنما هو من فعل الله. وإلا فمن يقدر من الناس على هدم كنائس الإسكندرية ودمياط والقاهرة ومصر وبلاد الصعيد في ساعة واحدة"، وهو يشتد على العامة ويزيد البطش بهم، فهرب كثير منهم.

وكان الذي هدم في هذه الساعة من الكنائس ستون كنيسة: وهي كنيسة بقلعة الجبل، وكنيسة بأرض الزهري موضع البركة الناصرية، وكنيسة بالحمراء، وكنيسة بجوار السبع سقايات، وكنيسة أبي المنا بجوارها، وكنيسة الفهادين بحارة الحكر، وكنيسة بحارة الروم من القاهرة، وكنيسة البندقانيين منها، وكنيسة بحارة زويلة، وكنيسة بخزانة البنود، وكنيسة بالخندق خارج القاهرة، وأربع كنائس بالإسكندرية، وكنيستان بدمنهور الوحش، وأربع كنائس بالغربية، وثلاث كنائس بالشرقية، وست كنائس بالبهنساوية، وبسيوط ومنفلوط ومنية بن خصيب ثماني كنائس، وقوص وأسوان إحدى عشرة كنيسة، والإطفيحية كنيستان، وبمدينة مصر بخط المصاصة وسوق وردان وقصر الشمع ثماني كنائس، ومن الأديرة شيء كثير.
__________________
اَلَّذِي لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ابْنِهِ بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ كَيْفَ لاَ يَهَبُنَا أَيْضاً مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ؟ (رومية 8: 32)

مسيحيو الشرق لأجل المسيح
مسيحيو الشرق لأجل المسيح (2)
الرد مع إقتباس