وولدت الحادثة عند الطفل الذي كان في الرابعة عشرة نوعا من الاشمئزاز من كل ما هو روسي. وبعد ان فرا ووالدته وستة اشقاء الى المانيا اختار ان يعطي دروسا لاشخاص اخرين كانوا تعرضوا للقمع الروسي. وجلب عدد من الوثائق والكتب مكانة مرموقة له. ولأنه كان موهوبا من الناحية اللغوية فقد كان يتحدث بطلاقة اللغة الروسية والفرنسية واللاتينية والى حد ما التركية والعربية. وعندما تزوج من نرويجية استطاع ان يتعلم اللغة النرويجية أيضا.وعندما غزا النازيون الاتحاد السوفياتي في عام 1941 وضعوا مكافأة لمن يلقي القبض على اشخاص مثل نون منده الذي استطاع ان يفهم شيئا عن الاراضي التي كان يشملها الهجوم الالماني. وقد احتفظ بوظيفته في جامعة برلين لكنه انتدب للوزارة الامبريالية الجديدة المسؤولة عن المناطق الشرقية المحتلة لرئاسة دائرة تشرف على المؤتمرات - او الاوستمنيستريوم.واسفرت انتصارات المانية الأولية عن اسر اعداد متفاوتة من الاسرى السوفيات - خمسة ملايين في صورة اجمالية. وبفضل جهود بذلها نون منده الاوستمنيستريوم وافق هتلر على اطلاق سراح الاسرى السوفيات شريطة ان يحملوا السلاح ضد السوفيات. وشكل النازيون ما عرف باسم ستيليجينيون - وهي الفرق الشرقية التي كانت تضم اساسا اقليات غير روسية راغبة في الانتقام من موسكو لعقود من القمع الذي تعرضت له وللهروب من معسكرات اسرى الحرب القاسية. وقبل عرض هتلر نحو مليون جندي.وفي الوقت الذي اشتدت فيه الحرب اصبح نون منده واحدا من كبار مهندسي السياسة النازية حيال الاقليات السوفياتية. وكان يطلق عليه لقب "المحامي الرباني" فكون لجانا وطنية من التتريين والاتراك والجورجيين والاذريين والارمن. ولشعورهم بالحاجة الى الجنود فان النازيين اعتبروا هذه اللجان اكثر قليلا من طريقة للحفاظ على حلفاء مرتدين في الحرب. لكن بالنسبة للمعنيين فقد كانوا مثل حكومات في المنفى يتذوقون طعم استقلال كانوا ممتنين بسببه لنون منده.ووصف زملاء من هذه الحقبة نون منده بأنه كان حسن الهندام ذا ابتسامة ذكية وكان يستخدم جاذبيته الشخصية في كسب ود المنفيين وخاصة المسلمين أسلاف الأتراك الذين ينحدرون من اسيا الوسطى.وفتح نون منده منزله في برلين لهم واقام حفلات عشاء على شرفهم. وكانت تجري المباحثات باللغات الروسية والتركية والالمانية. وفي اخر اشهر الحرب عزز ولاءهم من خلال عمل بيروقراطي عبقري. ومع توجيه ضربات ماحقة للبنية التحتية الالمانية حتى النخاع استطاع نقل العديد من أسلاف الأتراك الى الجبهة الغربية - اليونان وايطاليا والدنمارك وبلجيكا - قائلا انه من الافضل لو انتهى بهم المطاف اسرى في معسكرات اميركية خاص من وقوعهم في الاسر السوفياتي. اما اولئك الذين سقطوا اسرى عند السوفيات فقد آل مصيرهم الى الاعدام.ومع اواخر الاربعينات علق مئات الجنود السابقين المسلمين في المنطقة الاميركية في ميونيخ. وكرس نون منده الذي تركه ماضيه النازي امام فرص عملل ضئيلة نفسه للعناية بهؤلاء الجنود.وثبت ان ذلك القرار كان يعود بالنفع على المسلمين وعلى نون منده نفسه. فقد كانت بداية الحرب الباردة وكانت الاستخبارات الغربية تتطلع بشوق الى اي شخص قد يوفر لهم معلومات عن الستار الحديدي. لقد كانوا بحاجة الى اناس يحللون وثائق ويبثون دعاية معادية للسوفيات ويوظفون جواسيس.وفي اكتوبر 1945 كتب نون منده رسالة الى "الميجر مورليسون" في الجيش البريطاني طبقا لرسالة في اوراقه الخاصة التي وزعتها عائلته. وأوضح له ماهية السياسة الشرقية ومصدر معلوماتها الوحيد حول الاتحاد السوفياتي، كما شرح لهم عن اسرى الحرب او الاشخاص الذين كانوا في معسكرات الاعتقال التي كانوا موزعين عليها. لقد كانت تلك بداية عمله الاستخباري.واستقر نون منده في القطاع المحتل من بريطانيا في المانيا اي في المركز التجاري من ديسلدروف. وبالرغم من انه لم يعد اكاديميا فانه سمى المكتب "مكتب الابحاث الاوروبية الشرقية". وكان الموظفون من الاشخاص الذين امضوا وقتا في الاوستمنيسيتيريوم - اساسا جهازا نازيا للاشراف على المسلمين خلال الحرب. وجاء التمويل من قوات الاحتلال البريطاني ثم من وكالات المانية غربية بما في ذلك وكالة الاستخبارات المحلية الوطنية ووزارة الخارجية الالمانية وفقا لوثائق وزارة الخارجية ومراسلات نون منده الخاصة.وامضى نون منده اوقاتا طويلة في مساعدة المسلمين الذين كانوا يعملون معه في الاوسمينيستريوم. واستطاع جلب نقود من الطبقة البيروقراطية الالمانية الغربية لاطعامهم وكسوتهم واسكانهم وكانت الظروف مرعبة، وحتى بعد عقد من انتهاء الحرب فان كثيرين كانوا يعيشون في ثكنات.لكن في الجوهر كانت مهمته بسيطة, فهو حافظ على تدفق المهاجرين ومنعهم من ان يبقوا تحت سيطرة بلد اخر. وكان التهديد الرئيسي هو الاتحاد السوفياتي الذي كان يريد وقف المهاجرين من ترويج دعاية معادية للشيوعية. وقد قتل بعض زعماء المهاجرين في المانيا الغربية. فيما حمل العديد السلاح دفاعا عن القتلة من جهاز الكلية جي.بي.ومع حلول عام 1956 برز منافس لمنده في قيادة الجنود المسلمين السابقين في ميونيخ تمثل في اللجنة الاميركية للتحرر من البلشيفة هي المنظمة المعروفة على نطاق واسع باسم امكومليب التي شكلت اساسا كمنظمة اميركية غير حكومية لادارة راديو اوروبا الحرة وراديو الحرية. الا ان امكومليب كانت في الحقيقة جبهة خفية للاستخبارات المركزية الاميركية. واستمر تمويل وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية حتى عام 1971 عندما اوقف الكونغرس صلات امكومليب مع وكالة الاستخبارات الاميركية.وأقامت امكومليب صلات مع ابراهيم غاكاو اوغلو وهو جندي نازي سابق. وكانت مثل نون منده يبحث عن الجنود المسلمين الذين علقوا في المانيا. وسيطر السيد غاكاو اوغلو على صفقات الاغذية من الولايات المتحدة واعطاها لاتباعه طبقا لوثائق منظمته. وقدم اعمالا دعائية لراديو اوروبا الحرة. وفي عام 1957 على سبيل المثال عقد مؤتمرا صحفيا مع سياسي الماني سابق واسمه غريب سلطان كان يرأس البرنامج التتري في راديو اوروبا الحرة. وهاجم الاثنان ممارسات ستالين في الشيشان. وقال سلطان الذي يبلغ من العمر الان واحدا وثمانين سنة انه كتب كلمات غاكاو اوغلو ووضع كراسا له عن وضع المسلمين.وبالنسبة لنون منده وزملائه فان صلات غاكاو اوغلو مع الاستخبارات المركزية الاميركية كانت تشكل مشكلة. وكانت المانيا الغربية والولايات المتحدة في نفس الجانب في الحرب الباردة لكن نون منده لم يقيم تدخل الوكالات الاجنبية التي كانت تحاول التأثير على المواطنين الالمان. وكما كتب احد المخبرين في تقرير الى المسؤول عنه فان "المانيا هي بوابة لا احد يسيطر عليها لانه كما يبدو لا يوجد حارس لها. فكل واحد يأتي ويفعل ما يريد. وقرر نون منده ان مسلمي المانيا كانوا بحاجة الى زعيم يثق به هو. لذا فانه استدار الى صديق له من ايام الحرب هو نورالدين نقيب هدشا نامانغاني
..... نهاية الجزء االثاني.... البقية غدا...
__________________
لن اسمح لإخوان الخراب دخول كنيستنا او السيطرة على مواقعنا
|