عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 30-06-2006
الصورة الرمزية لـ رسول الله
رسول الله رسول الله غير متصل
Gold User
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2004
المشاركات: 1,700
رسول الله is on a distinguished road
كانت جداتنا تخيفنا بقصص الغيلان والوحوش التي تأكل الصغار حتى لا نخرج ليلا من الدار وجاءت قصص الأمهات أقل رعبا فروت لنا قصة ليلى والذئب كي نخاف من الغرباء ونمتنع عن اللعب بالطريق, تشابهت غاية الجدة وغاية الأم لكن كل بطريقتها.ثم جاءت نظريات التربية الحديثة لتقول لنا بألا نخيف أطفالنا وأن نربيهم على الشجاعة والمواجهة ولكني أؤكد لعلماء التربية أن نظرياتهم قد لا تنفع في هذا الحي فكيف ستفهم روان بأن عليها أن تبقى بعيدة عن البناء وبأن عليها ألا تفكر بالدخول إليه لا وحدها ولا مع احد, روان ابنة الثمانية أعوام قالت : ) ماما حلفت بالله أن الغول بالبناء( وعادت تستحلفني بالا أنسى أن أنبه أطفالي بألا يقتربوا من البناء ولا حتى بالنهار وأردفت الطفلة :( لهذا السبب نحن لا نفتح نوافذنا أبدا,ولا حتى في الحر).‏
أصبحت البيوت الآهلة سجنا لأصحابها بسبب بيوت مهجورة تجاورهم.‏
الطفل أحمد عريضة وصديقه عبد الرحمن اللذين كانا ورائي منذ وصولي إلى الحي قالا بأنهما يرغبون بالدخول إلى البناية ليروا اللصوص اللذين بداخلها لكنهم يخافون لأن اللصوص قد يسرقونهم أيضا فقد نبهت عليهم أمهاتهم ألا يقتربوا من البناء وألا يلعبوا في محيطه لأن اللصوص والنور اللذين يسرقون الأطفال هناك.‏
في الداخل‏
عندما قررت ان ادخل الى البناء لم ينصحني احد من اهل الحي لكن الحج حمد عبد الرحيم المستفيد من احدى شقق المشروع شجعني ودخل معي وقد دخلنا طبعا من الفتحة الخلفية في الجدار لأن باب البناء الحديدي مقفل, لا أدري ماذا أقول , لقد أوجعتني المشاهد .‏
في الطابق الارضي لم يكن سوى آثار حرق لاطارات كاوتشوكية وعظام حيوانات (رأس خروف واقدامه وعظام دجاج) وعلى ما يبدو ان احداً ما قام بشي هذه اللحوم هنا .‏
في الطابق الاول الفني في الفسحة بين ابواب الشقق كانت جثة الكللب الذي فقده اهل الحي متآكلة وما يدعوني للقول بأن الكللب قتل هو وضعه في الرواق الممتد بين مطلع الدرج ومداخل الشقق في الوسط تماما والحبل الذي حول عنقه ممدود بشكل مستقيم باتجاه مدخل الشقة الثالثة التي تتوسط الرواق وتقع في عمقه ( طريقة مسرحية تماما في وضع جثة الكللب المسكين).‏

ومن الطابق الاول وحتى الرابع وفي كل شقة دون استثناء وفي كل غرفة ودون استثناء قطعة نسائية داخلية وأحيانا طقم داخلي من قطعتين ناهيك عن الاحذية النسائية ( فردة واحدة غالبا) والثياب الخارجية الممزقة وفي مطابخ احدى الشقق الشبه منتهية اعمال الاكساء فيها كان الوضع افضل قليلا فسجادة قديمة بالارض وزجاجة مشروب كحولي مكسورة الى جانبها ( عرفتها من لصاقة الزجاجة الورقية وقد كتب عليها - جن.....الممتاز-) وفي الجهة الأخرى من السجادة سترة رجالية ممزقة من الجلد الصناعي, أما على الرف الرخامي للمطبخ فكانت قطعة نسائية داخلية من النوع الذي يقال عنه ( عراسية) .‏
وعلى الجدران عبارات الحب والوداع والفراق والعذاب والذكريات الجميلة احيانا‏
وطبعا تستطيع ان تتخيل اخي القارئ ما الذي يحدث في هذا البناء.‏
لكن المفاجأة الاكثر ادهاشا كان وجود لعبة طفل في المكان وكنزة صوفية ممزقة وقطعة داخلية لطفلة ما يجعلني اتساءل هل استخدمت اللعبة لاستدراج احد الاطفال الى هنا ? وهل ابلغ احد عن حادثة خطف أو اغتصاب أم أن الخوف أيضا منع هؤلاء من الشكوى?‏
ولم تعد القصة,قصة جمعية سكنية تأخر إنجازها, أو شكوى لم يستمع لها احد , بقدر ما باتت انتهاكا صارخا للإنسانية , واغتيالا للطفولة.‏
قصة الجمعية‏

محمد خير موسى, مواطن مثلنا جميعا, أقصى أحلامه أن يملك منزلا يسكنه في وطنه, وكيف السبيل إلى المنزل الذي أصبح حلما مع وضع اقتصادي متواضع إلا بالسفر, جمع أحلامه في حقيبة ورحل, وتمنى ألا يطول الغياب.

بعد عدة سنوات استطاع أن يجمع مبلغا ليضعه في جمعية سكنية فالحال لا يسمح بشراء منزل مباشرة ودفع ثمنه كاملا, وفعلا كانت جمعية الحجر الأسود للسكن والاصطياف أفضل من غيرها فقد استبشر كل من سجل فيها خيرا خصوصا بعد أن انتهت من أعمال البناء بعد عامين فقط من إنشائها, وبدأ بعض المسجلين باستلام مساكنهم والبدء بإكسائها, ولكن العوائق بدأت, فالمياه والصرف الصحي والكهرباء لم تصل أبدا إلى البناء حتى هذا اليوم وبذلك بقيت الشقق الشبه منتهية على حالها وأصحاب الشقق الأخرى لم يتجرؤوا على البدء باكساء شققهم والجواب واحد عند المسؤولين عن الجمعية :( لا مال لدينا( حتى بلغ عمر البناء عشرة أعوام.‏

عقوبات جماعية‏

يقول محمد خير موسى الذي يزور الوطن بإجازته السنوية :( في كل عام آتي فيه لزيارة الأهل أقول في نفسي هذه آخر إجازة في بيت الوالد وإنشاء الله العام القادم نهائي وعلى بيتي! لكنني أعود في العام التالي لأجد الحال على ما هو عليه لا جديد,‏

عندما ذهبت إلى ليبيا في عام 1974 قلت في نفسي كلها كم سنة وبرجع, مر ثلاثون عام ولا زلت احلم بالعودة,وأحلم بالمنزل الذي سألونه بيدي وأربي فيه أطفالي ولكن أطفالي أصبحوا رجال ولم يعد في العمر أكثر مما مضى فإن عدت أين سأسكن? في بيوت الإيجار? وبعد كل هذه الغربة.على ما يبدو لا أمل لنا في بيت نملكه قبل أن نموت والباقي على أولادنا فليتابعوا هم الجمعية وأتمنى أن يستطيعوا ان يحققوا هم حلمي بأن يكون لهم منازلهم الخاصة.أما هذه الجمعية فانا سلمت امري لله لأن القائمين علينا يطبقون علينا عقوبات جماعية فتوقف العمل وبقاء الوضع على حاله يبررونه بعدم تسديد المستحقات المالية لبعض المكتتبين, اذا فليوقفوا العمل لهؤلاء اما انا ومن مثلي ممكن دفعوا كامل مستحقاتهم المالية. السؤال الذي يلح علي دائما : هل سأسكن هذا البيت قبل ان اموت?!)‏

السيد حمد عبد الرحيم مشترك آخر في نفس الجمعية, دفع كامل مستحقاته المالية المترتبة عليه,وما يزال يسكن في منزل مستأجر وهو ينتظر ان يستلم منزله ليسكن فيه وينتهي من معاناة التنقل من منزل الى اخر ويقول : منذ البداية اخترت ان اخصص في الحجر الاسود لأنني ظننتها ستكون الاسرع في الانجاز وهاأنذا لا زلت على حالي منذ عشرة اعوام, راجعت مجلس الادارة الجديد الذي عين منذ عام تقريبا ويرأسه المهندس علي خلف وسألناه عن وضع الصرف الصحي والكهرباء والماء الذي يجب ان يصل الى البناء كي نستطيع البدء بتجهيز منازلنا فقال لي لا نستطيع أن نمدد لكم المرافق العامة والكسوة الخارجية إلا عندما يدفع المقصرون ما عليهم من ذمم.وقد علمنا ان لديهم في الجمعية مبلغ خمسين الف ليرة سورية في صندوق الجمعية وعندما قلت له بأن ينهي هذه العمليات كلها بهذا المبلغ قال لي بأن المبلغ صغير ولا يكفي, وانا اعلم جيدا ان هذا المبلغ يكفي وزيادة لكنهم لا يريدون العمل ولا ندري لماذا من جهة اخرى انا معكم بد ان يسدد المستفيدين ما عليهم, ولكن ما ذنبي أنا وقد سددت كل ما علي, لماذا يؤخذ الصالح بجرة الطالح ,ومن المسؤول عن ملاحقة المقصرين وإجبارهم على الدفع بالطرق القانونية , وتطبيق القانون بحقهم وهو بيع مساكنهم لآخرين لننتهي من هذه المسألة ? من المسؤول ? قولوا لي متى سأسكن في منزلي ? بعد موتي ?!‏

- لا أدري لماذا يكثر الحديث عن الموت عندما يتعلق الأمر بالجمعيات السكنية ?‏

ربما لأن جمعياتنا السكنية عودتنا وبحسن نية أن نشتري منها بيتا يستلمه أحفادنا يتذكرونا فيه بالخير ويترحمون على أرواحنا لأننا اتحنا الفرصة لهم كي يعتبروا أنفسهم من أصحاب الأملاك.‏

من المسؤول?!‏

توجهنا إلى السيد معمر المنيزل وهو احد أعضاء مجلس إدارة الجمعية ويقوم بمهمة المحاسب في مجلس الإدارة الذي قال بأن السبب الوحيد للتأخير هو نقص المال,وقد دعونا إلى اجتماع الهيئة العامة وطالبنا بالمستحقات ولا حياة لمن تنادي.وفي مثل هذه الحالة يوجه إنذار للمقصر بالدفع فاذا لم يستجب نوجه له انذار ثاني يقضي بالغاء تخصيصه,وان لم يستجب يتم الغاء التخصيص وعرض البيوت على مشتركين اخرين ليأخذوا مكانه فيدفعوا كامل المستحقات ويصبح المنزل من حقهم, لكن المشكلة ان هذه البيوت غير مغرية حسب الاسعار والمنطقة لذلك هم مطمئنين لأن أحدا من المشتركين الاخرين لن يرضى بأن يأخذ اماكنهم.‏

__________________
جاوب الجاهل حسب حماقته لئلا يكون حكيما في عيني نفسه ( أم 26 : 4 )

آخر تعديل بواسطة رسول الله ، 30-06-2006 الساعة 08:00 AM
الرد مع إقتباس