سلطان القبط
المعلم إبراهيم الجوهري
*بداياته وصعود نجمه:
ولد إبراهيم الجوهري في القرن الثامن عشر الميلادي لأبوين فقيرين ببلدة قليوب,حيث اشتغل أبوه يوسف الجوهري بالحياكة.وتلقي إبراهيم تعليمه بالكتاب وكان من مظاهر عمل النعمة فيه منذ حداثته أنه كان يقضي وقته في نسخ الكتب الدينية التي كان يقوم بعد ذلك بتجليدها علي نفقته الخاصة وإهدائها للكنيسة.وكان إبراهيم الجوهري من المقربين لكل من البابا مرقس السابع وخليفته البابا يوأنس الثامن عشر,ويقال إنه عمل كمساعد أو سكرتير لكل منهما.ثم عمل بعد ذلك كاتبا في دائرة أحد أمراء المماليك,ثم كاتبا خاصا للمعلم رزق الذي كان بمثابة وزير للمالية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر,حيث كان كاتبا لعلي بك الكبير حاكم مصر وكبير مستشاريه.
*دوره في بناء الكنائس:
كانت للمعلم إبراهيم الجوهري إسهامات عديدة في الكنيسة القبطية والشعب القبطي,فقد استخدم نفوذه الحكومي وعلاقاته الطيبة مع الطبقة الحاكمة لمصلحة الكنيسة,فشرع في بناء وترميم الكنائس والأديرة بأنحاء مصر بل والقدس أيضا.والحق أن حياته كانت بمجملها تجسيدا حيا للتوجيه الإلهيلا تكنزوا لكم كنوزا علي الأرض.....بل اكنزوا لكم كنوزا في السماء(متي6:19-20)وعملا بهذا أوقف المعلم إبراهيم الجوهري الكثير من الأراضي والأملاك علي الكنائس والأديرة حتي بلغت حجج تلك الأوقاف238حجة مدونة في كشف قديم محفوظ بالبطريركية وفي هذا الشأن قال الجبرتي:....عمرت في أيامه الكنائس وديور النصاري وأوقف عليها الأوقاف الجليلة والأطيان,ورتب لها المرتبات العظيمة والأرزاق الدارة والغلال....
ومن الكنائس الكثيرة التي للمعلمإبراهيم الجوهريفضل عظم في بنائها الكنيسة المرقسية بحي الأزبكية بالقاهرة,ولما كان بناء أو ترميم كنيسة في هذا الزمان يتم بصعوبة باللغة,فقد استغل مرور أميرة عثمانية بمصر في طريقها لأداء مناسك الحج,فأكرم ضيافتها بصفته رئيس كتاب مصر,وقدم لها الهدايا النفيسة مما كان له أعظم الأثر في نفسها,وعند مرورها بمصر مرة أخري في طريقها إلي الآستانة بعد أن انتهت من مناسك الحج سألته عما تستطيع أن تقدمه له من خدمات لدي السلطان العثماني لترد له كرم ضيافته وعظيم خدماته لها,ولعلها كانت تقصد ترقية أو تزكية لدي السلطان.ولما كانت حياة المعلم إبراهيم الجوهري تطبيقا حرفيا لقول يوحنا الرسول في رسالته الأولي(2:15)لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم,فقد طلب منها فرمانا سلطانيا لبناء كنيسة بحي الأزبكية الذي كان يقطنه,فتعجبت الأميرة جدا ولكنها أجابت طلبه,فما لبثت أن وطأت قدماها أرض بلادها إلا وكان الفرمان السلطاني ببناء الكنيسة المرقسية في طريقه إلي مصر,ففرح المعلمإبراهيمفرحا عظيما.غير أن القدر ضن عليه أن يري الكنيسة وقد تم تشييدها فمات قبل أن يتم هذا فأكمل المهمة أخوه المعلمجرجس الجوهريوصارت الكنيسة المرقسية بالأزبكية مقرا لبطريركية الأقباط بمصر إلي أن تم بناء الكاتدرائية الجديدة بالعباسية في القرن العشرين في عهد البابا كيرلس السادس.ولا تزال القداسات تقام في الكنيسة المرقسية بالأزبكية حتي يومنا هذا,ويشهد كل ركن فيها علي عظمة كل من المعلمينإبراهيموجرجس الجوهريوتفانيهما في خدمة الكنيسة.وقد اهتم المعلمإبراهيم الجوهريبتزويد الكنائس بالأيقونات التي أنفق علي عملها من ماله الخاص ومازالت بعض هذه الأيقونات موجودة بكنيسة مارمينا الأثرية بفم الخليج بالقاهرة.
*كدر الزمان:
وإن كان المعلمإبراهيم الجوهريقد عاش حياة المجد والنفوذ والسلطة,إلا أن حياته لم تخل من غدر الزمان فقد كان له ابن يدعييوسفوابنة تدعيدميانة.وكان المعلم إبراهيم قد أعدليوسفمنزلا فاخرا للزوجية وجهزه بأثمن المفروشات إلا أن يد الموت لم تلبث أن اختطفتيوسفعام1984وهو في ريعان الشباب,فانفطر قلب المعلمإبراهيمحزنا علي فلذة كبده وأغلق منزل ابنه وأمر بكسر السلم المؤدي إليه حتي لا يستعمل هذا المنزل بعد ذلك.أمادميانةفلم تتزوج وتوفيت بعد أن رقد أبوها في الرب بزمن يسير.
أوقات عصيبة وعودة إلي السلطة:
في عام1786,أرسل السلطان العثماني جيشا بقيادةحسن باشا قبطان لاحتلال مصر بعد أن امتنع حاكماهاإبراهيم بكومراد بكعن أداء الجزية للباب العالي العثماني.وما أن قدم قبطان البلاد حتي عينإسماعيل بكحاكما لها,ففرإبراهيم بك ومراد بكوالمعلم إبراهيم الجوهريوعدد من أمراء المماليك من أمام وجهه إلي صعيد مصر.وعاث الجنود العثمانيون في الأرض فسادا,فنهبوا الممتلكات وروعوا السكان.ثم أصدرقبطان باشاأمرا إلي قاضي قضاة مصر بالكشف علي الأراضي والممتلكات التي كانت للمعلم إبراهيم الجوهري بغرض الاستيلاء عليها.ولم يكن هذا التصرف بالمستبعد علي من اضطهد الأقباط وأثقل كواهلهم بالضرائب المجحفة بل ومنعهم من ركوب الدواب وأجبرهم علي شد الزنار علي أوساطهم,حتي أنيعقوب نخلة روفيلةعلق علي ذلك في كتابهتاريخ الأمة القبطيةبقولهوكأنقبطانلم يأت إلي مصر إلا لينتقم من الأقباط.
وبرحيل المعلمإبراهيم الجوهريإلي صعيد مصر ومع تردي الحالة الزمنية في البلاد,لم تجد زوجته مفرا من الاختباء في منزل أحد أصدقائه وهوحسن أغاخوفا علي حياتها.إلا أن بعضهم وشي بمكانها إليحسن باشا قبطان,فأرسل في طلبها وأمرها بأن تدله علي كل ممتلكات زوجها الثمنية ففعلت فاستولي عليها كلها.
.
*المراجع:
*عجائب الآثار في التراجم والأخبار-عبد الرحمن الجبرتي.
*تاريخ الأمة القبطية-يعقوب نخلة روفيلة.
*وطنية الكنيسة القبطية وتاريخها المعاصر-القمص أنطونيوس الأنطوني.
*دائرة المعارف القبطية-د.عزيز سوريال عطية.
http://www.wataninet.com/article_ar.asp?ArticleID=8830