تكملة
*********
القصة الأولى قصة الراهب والقس الأسباني برتولومي دي لاس كزاس Bartolome De Las Casas (1474 أو 1484- 1566م) (3)
جاء دي لاس كزاس إلى الأرض الجديدة في أمريكا الوسطى أولا كمستعمر وجندي ، معاصرا لكريستوفر كولومبس ومحررا للرحلة التي أكتشفت الأمريكتين ، ولكنه بعد أن شاهد فظائع الأسبان تجاه السكان المحليين من الهنود ، قرر أن يصبح قسا كاثوليكا دومينيكانيا "Dominican priest" ، بعد أن سمع كلمات يوحنا المعمدان "أنا صوت صارخ في البرية" (4) وقرر بعدها أن تكون خدمته هي إعلان رسالة المسيح أمير السلام ، وأن يكون هو نفسه صوتا صارخا في برية أمريكا الوسطى وفي وسط وحشية الأسبان ، فسجل وقائع هذه الوحشية وهذه الأطماع في كتب عديدة ، وظل في رحلات متعددة عبر الأطلنطي يرفع الأمر إلى الملك مرة وإلى بابا الفاتيكان بولس الثالث مرة في محاولات مستمية ليحول أطماع السلطة إلى إنسانية المسيح ...
نجحت بعض مساعيه في الحصول على تعضيد الملك عام 1530م ، والبابا عام 1537م ، ثم تفرغ في آخر حياته للكتابة ، ومن أهم هذه الكتابات كتابه الذي يوضح الفظائع الأسبانية بين قبائل الأنديز في أمريكا الوسطى والمسمى "رصد مختصر لوقائع تدمير الأنديز" أو " Brief Account of the Devastation of the Indies" عام 1542م ...
ولم يكتفي بكتب التاريخ بل كتب في اللاهوت والإيمانيات التي حركته ليكون ضمير المسيح وأهمها كتابه "عن الطريق الوحيد لجذب كل البشر إلى الدين الحق" أو " Concerning the Only Way of Drawing All Peoples to the True Religion"
وبهذا أصبح بحق أول داعية لحقوق الإنسان في التاريخ الحديث لأوروبا (5) .
وقام في إثره اثنان من كبار اللاهوتيين والقانونيين المسيحيين هما فرنشسكو دي فيتوريا Francisco de Vitoria (1485- 1546م) (6) وفرنشسكو سواريز Francisco Suarez (1548-1617م) (7) ، من الباحثين في حقوق الجماعات وحقوق الإنسان والحرية ، فطوّرا نظرية المساواة الأساسية والكاملة لجميع الناس وجميع الشعوب ... فصارت نواة لأعلان حقوق الإنسان في القرن العشرين.
فهل فعلوا هذا نقمة على المسيح وتعاليمه السلامية ؟ ...
لا بل حبا في المسيح وتعاليمه... ولنشر نور مسيح الحرية للجميع بلا تفرقة
هل فعلوها لأنهم رأوا تعاليم المسيح هي الدافع لوحشية الأسبان ؟ ....
لا بل لأنهم رأوا المسيح هو الخلاص من وحشية قيصر فتحول دي لاس كزاس إلى الكهنوت الكاثوليكي ليرفع صوت المسيح مطالبا بوقف الفظائع وأكمل مسيرته أثنان من اللاهوتيين المسيحيين محققين قول المسيح "أنتم نور العالم" (8)
واستمر صوت ضمير المسيح الصارخ بين وحشية القياصرة : " كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون" (9) ، ومناديا للمتألمين والمنسحقين " سلاما اترك لكم . سلامي اعطيكم . ليس كما يعطي العالم اعطيكم انا . لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب ." (10) ، صوت يتردد صداه في أعماق الهاوية والقمع ويرفع دعوة صريحة إلى المتوحشين الأسبان مؤكدا " لان اسم الله يجدّف عليه بسببكم بين الامم" (11) إذ كيف يعتبرون أنفسهم مسيحيين وهم يصلبون الآخرين بينما المسيح الرب مات مصلوبا لا صالبا ؟
كيف يحملون لقب المسيح وهم يقتلون الشعوب التي أتى ليخلصها؟
يتبع
|