عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 30-11-2003
Mirage Guardian Mirage Guardian غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2003
المشاركات: 899
Mirage Guardian is on a distinguished road
احتقار الآخر الديني

النظرة الدونية واحتقار وإذلال الآخر هي سنة إسلامية. وتاريخ منطقة المشرق الرديء تحت سيطرة الحكم الإسلامي يغص بكافة أشكال الاضطهاد لغير المسلمين والحط من قدرهم، إرضاءً لهوى في النفوس. عندما غزا العرب منطقة المشرق خيّروا شعوبها بين ثلاث خصال: إما الإسلام أو دفع الجزية عن يدٍ وهم صاغرون وإما السيف، والمراد بكلمة صاغرون أي خاضعون أذلاء.. وهنا يكمن سر الداء العضال. فقد اجتهد الحكام المسلمون في كيفية تصغير وإذلال من بقوا على دينهم، ممن أطلق عليهم لاحقاً "أهل الذمة"، وأصدروا القواعد للتضييق عليهم كي يستطيع الإسلام التغلب على سائر الديانات الأخرى، سيما المسيحية، ومن ثم يمحوها. لكن رغبة العرب المسلمون في امتصاص البقرة الحلوب وحشد عوائد الجزية ونهب ثروات الأمصار إلى الخارج كان يعوق تحقيق ذلك، ولعل هذا ما يفسر سر بقاء أقليات دينية غير إسلامية في منطقة المشرق إلى اليوم. ومن أخطر تلك القواعد، التي يحلم منظرو الفاشستية الدينية باستعادتها، "العهدة العمرية" التي استشرعها الخليفة عمر بن الخطاب لإذلال شعوب المنطقة التي وقعت أسيرة سطوة إمارته، انطلاقاً من مقولة: "أذلّوهم ولا تظلموهم"، وفي حديث آخر: "الإسلام يذل ولا يظلم". وظل معمولاً بتلك العهدة إلى أن تصدعت في العام 1855م، ولا تزال شعوب المشرق تعاني من مخلفاتها وانعكاساتها المدمرة وإلى اليوم. وإمعاناً في إذلالهم اشترط عمر على "أهل الذمة" بعدم ركوب الخيل، وأن لا يعلوا على المسلمين في الأبنية، وان تختم في رقابهم بالرصاص، وأن يلبسوا زياً مميزاً، وأن يوقروا المسلمين. وقد وصلت السادية ببعضهم أن أمروا ال***** بتعليق الأجراس في الرقاب وحمل الصلبان الثقيلة على الأعناق في الطرقات علانية. وإلى الماضي القريب كان إذا مرّ مسلم في طريق وشاهد ذمياً فعلى الأخير إن كان جالساً أن يقف وقوراً، وإن كان ماراً أن يفسح للمسلم الطريق، وعبارة "شمّل يا نصراني" لا تزال ماثلة في الذاكرة.. ثم يتحدثون بعد ذلك كله عن السماحة وكيف عاش المسلمون والمسيحيون في حب ووآم.. فنعم المقام!! (للمزيد عن "العهدة العمرية" راجع مقال: عن ذهنية الشعارات.. وتبني رؤية الغزاة.. وخرافات أخرى ـ للكاتب نبيل شرف الدين "ايلاف" 22/9/2203).

في هذا السياق أجدني مضطراً للتوقف أمام رواية طالما رددتها ببغاوات العربان للاستدلال على عدل عمر وإنصافه للقبطي المسيحي الذي اشتكى إليه حين ضربه ابن عمرو بن العاص فاستدعاهم عمر جميعاً إلي المدينة وطلب من القبطي أن يضرب صلعة ابن عمرو في حضور أبيه. إذ كيف تستقيم تلك الرواية وعمر نفسه هو الذي أمر بإذلال أهل الذمة، وكافأ ***** جزيرة العرب بأن اشترط عليهم بعدم تنصير أولادهم، وهم الذين قد ساندوا المسلمين في العراق، ثم طردهم لاحقاً من أرض الجزيرة وشرّدهم خارج ديارهم، وهم ممنوعون من وطئ مكة والمدينة إلى حين قيام الساعة. فهل تراجع أمير المؤمنين عما أصدره من أحكام ليستدعي ذمياً قبطيا إلى المدينة كي يرد له اعتباره بعد أن ضربه أحد المسلمين؟؟!! تلك الرواية، إن صحت فتنسحب على أحد المصريين الذين اعتنقوا الإسلام، حيث كان العرب يطلقون في البداية على أهل مصر كافة بالقبط، بغض النظر عن انتمائهم الديني.
وقد تم ترسيخ ثقافة بدوية في القاع الاجتماعي العام لشعوب أضحت رهن الخرافات العربية ولم تكن تعرف التناحر والتمزق طوال عصورها. أصبح العداء للديانات الغير إسلامية نصاً مقدساً وإرثاً مسموماً، يقاسى أتباعها باسمه ألوان الاضطهاد الرسمي والشعبي وإلى اليوم. وتم استحلال ونهب الثروات، وقيل أن عمر قد شرع في حفر قناة توصل مصر بجزيرة العرب لتسهيل عمليات ضخ الغنائم إلى الجزيرة. وفي خطط المقريزي فصل في ذلك تحت عنوان "ذكر الخليج". ويعلق الباحث خليل عبد الكريم في كتابه "شدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة": "هل خرج الصحابة من جزيرتهم ليخرجوا العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد كما كانوا يعلنون أم خرجوا لكسح خيرات البلاد المفتوحة والاقتتال عليها؟".. ويضيف:"وذلك ليحوزوا الضيعات الوسيعة في أخصب البقاع وليعيشوا في بلهنية تعوضهم أيام الحرمان، أيام كانوا يربطون الأحجار على بطونهم من الجوع والمسغبة، ولكن عمر كان أوسع أفقاً وأدهى، فقد رأى عدم تقسيمها عيناً وأن تظل في أيدي العلوج ليصب خراجها في أيدي المهاجرين والأنصار وذراريهم وتابعيهم ليعيشوا منعمين مرفهين من عرق المصريين والشوام والعراقيين حتى تقوم الساعة". ولقطع الصلة الحضارية بين تلك الشعوب وتراثها تم تكفير أعرق حضارات التاريخ وتجريم ثقافتها لصالح ثقافة البداوة. وفي "المقدمة" من كتابه الشهير "العبر وديوان المبتدأ والخبر" يتساءل ابن خلدون: "أين علوم الفرس التي أمر عمر رضي الله عنه بمحوها عند الفتح؟".


ضيق الأفق الوهابي

أما الوهابية فتلك ثالثة الأثافي.. فبعد أن خرجت شعوب المشرق من أزمة التخلف بفضل مجيء عصر الإنسان وتصدع عهد الذمة وتبني مشروع النهضة في نهاية القرن التاسع عشر، شهد المشرق ردة حضارية، وغزواً فكرياً أصولياً، منذ نشوء مملكة آل سعود وزحف ضيق الأفق والتخلف الوهابي إلى المنطقة، بعد أن طفح النفط، للإجهاز على دورها الحضاري. وتم اختراق أجهزة دولها الإعلامية والتعليمية وزرع مراكز ومدارس دينية، تعتمد الوهابية محوراً للتطرف، لإقحام الكراهية لدى النشء والتحريض على نبذ الآخر الديني ولتفريخ الإرهاب والعنف، بدعم من الراعي الأول لجماعات الإسلام السياسي.. وهكذا عاد القهقري لتصبح المنطقة بأسرها أسيرة الخرافات الدينية، ومسرحاً لاضطهاد غير المسلمين والمفكرين والمبدعين، وللإرهاب الفكري والنفسي والمعنوي ولغة الاغتيالات، على النحو الذي شهدته، وتشهده، المنطقة منذ المد الأصولي على مدى العقود الثلاث الأخيرة.
وتورط نظام أل سعود في دعم الإرهاب الدولي واضح للعيان. وفي كتابه "من أفغانستان إلى نيويورك" ذكر الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل أنه خلال الاحتلال السوفيتي لأفغانستان تم إنشاء ما يسمى "بصندوق الجهاد" بميزانيه 15 مليار دولار، ساهمت المملكة السعودية فيه بمبلغ 10 مليار دولار، لتمويل الحرب ضد السوفيت (الملاحدة) ودعم المجاهدين الذين أتوا إلى أفغانستان من كل حدب وصوب، مدفوعين بهاجس إقامة دولتهم المزعومة، ليخلقلوا في نهاية المطاف حالة إرهابية تهدد أمن وسلام العالم. وها هو السحر قد أنقلب على الساحر وأصبحت مملكة آل سعود نفسها هدفاً لمن زرعتهم ورعتهم ونشرتهم في مختلف بلدان العالم لتحقيق أهدافاً شريرة. بالأمس القريب تناولت وكالات الأنباء العالمية قضية السفارات السعودية في الخارج وتورطها في دعم الإرهاب. وهو ما صرح به المستشار الألماني نفسه مؤخراً في زيارته للرياض، مؤكداً أن السفارة السعودية في برلين تخضع لمراقبة جهاز حماية الدستور. كما تناولت وكالات الأنباء العالمية قضية أكاديمية الملك فهد في بون ومناهجها وأنشطتها الدعوية، وفق قاعدة الولاء والبراء، وتورط القائمون عليها في خطب للحض على الجهاد ومحاربة اليهود والغرب الكافر.. ثم يخرج علينا المسؤولون كالعادة بإجابات جاهزة معلبة مفادها أن هناك حملة تقف ورائها جهات صهيونية بعينها لتشويه صورة الإسلام والمسلمين..!! وفي نهاية المطاف تم ابتزاز الحكومة الألمانية للإبقاء علي الأكاديمية تحت ذريعة الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية بين البلدين..؟؟

(يتبع)
الرد مع إقتباس