اعتراف بالآخر أم إلغاءه؟
ويبقى السؤال الذي يشغل الذهن: كيف يتباهى المسلمون بتواجد الإسلام جوار المسيحية واليهودية في بيت المقدس، مهد تلك الديانات، ويقصدونه للحج، ويتظاهرون بالاعتراف بالديانات السماوية الأخرى، فيما هم يصرّون ويرفضون وجودها وكل ما يشير إليها في سائر جزيرة العرب.. بل يكّفرون أتباعها ويحرّمون عليهم وطئ مكة والمدينة، مهد الإسلام، باعتبارهم نجس؟؟ في نهاية ثمانينيات القرن الماضي قامت إحدى البعثات الأرشيولوجية الغربية باكتشاف كنيسة أثرية في منطقة نجران، وعندما وصل الخبر إلى السلطات السعودية قامت على الفور بإخلاء المنطقة، ونزع الصليب ليلاً من جدار مبنى الكنيسة. ولحسن حظ الصليب أنه ترك أثراً بجدار المبنى الحجري القديم لتصبح علامته أكثر وضوحاً من ذي قبل. وفي ثمانينيات القرن الماضي أهدى رئيس وزراء إيطاليا، آنذاك، الجالية الإسلامية منتزهاً واسعاً في العاصمة روما، يقع على مقربة من الفاتيكان، أقيم عليه أكبر مركز إسلامي في أوروبا، موّلته دولارات النفط كالعادة. وخلال حفل الافتتاح، عندما سأل أحد الصحفيين وزير خارجية مملكة آل سعود عما إذا ستسمح بلاده في المقابل ببناء كنيسة صغيرة، يؤدي فيها المسيحيون العاملون بالمملكة شعائرهم الدينية، أجاب الوزير بكل مكابرة: "هذا موضوع ليس وارد على الإطلاق". وخلال حرب الخليج الثانية في مطلع تسعينيات القرن الماضي، أُجبرت هيئة الصليب الأحمر، التي تولت نقل المصابين بين قوات التحالف إلي القواعد الأمريكية المتواجدة بالسعودية، على إعادة طلاء طائراتها المروحية كي تختفي علامة الصليب من سماء المملكة. وفي إحدى المرات، منذ بضع سنوات، رفُع العلم السويسري أمام فندق شيراتون بالرياض، حيث أقامت السفارة السويسرية احتفالاً بالفندق، وإذا بقوة من الأمن السعودي تهرع إلى الفندق لإنزال العلم لأن به علامة الصليب.. هكذا، بينما أحد لم يعترض مثلاً على وجود علامة السيف وسط العلم السعودي، ويطالب بإنزاله حينما يرفرف في سماء بلاد الكفر.
خطاب رئيس قمة منظمة المؤتمر الإسلامي مهاتير محمد نكأ جراحاً غائرة في الذاكرة الإنسانية. وإنه لمن الأجدر بالعرب والمسلمين الاعتراف بما اقترفوه في حقوق غيرهم، والعمل على نفض أياديهم مما عُلق بها، فالاعتراف بالحق فضيلة!
Almashreq21@yahoo.com
ايلاف - خاص بأصداء