عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 10-10-2006
boulos boulos غير متصل
Gold User
 
تاريخ التّسجيل: May 2006
المشاركات: 1,586
boulos is on a distinguished road
تابع..
-3
ويبدو أن من هجّروا نصر أبو زيد من مصر وزوجته بعد أن حاولوا تطليق زوجته منه ومحاكمته وسجنه بتهمة الردة والخروج من الملة، ولكه فرَّ بريشه إلى هولندا ، حيث يُدرّس هناك في جامعة ليدن العريقة، ويكتب كما يشاء، ويقول كما يشاء، طيراً حراً محلقاً في آفاق الفكر الواسعة والرحبة.

فتحرك الشيخ عبد الصبور شاهين في مصر، وتحرك معه شيوخ آخرون، لرفع دعوى حسبة ضد حسن حنفي، لكي يقتصوا منه، كما سبق واقتصوا من نصر حامد أبو زيد، ولتفرغ مصر من المفكرين المجددين، ولا يبقى فيها غير شيوخ الأزهر الذين يتبعون خطاً واحداً في التفكير، ونمطاً واحداً في التدبير، ولا يجددون ولا يبدعون، كما يحاول البعض أن يفعل في جامعة القاهرة ودار العلوم وغيرها من المعاهد العلمية الأخرى.

هل يستحق حسن حنفي الجزاء الأكبر لكونه قال بأن "القرآن حمّال أوجه" أي أنه جامع لكل شيء، ويحتمل كل تفسير ممكن، كما سبق وقال علي بن أبي طالب. ولكن حسن حنفي (طويل اللسان وسيء البيان) قالها بعبارة أخرى حديثة لكي يفهمها الغشماء الكثيرون من أهل هذا العصر الجاهل. فقال حسن حنفي - وربما خانه التعبير- بأن القرآن الكريم "سوبر ماركت"، تجد فيه كل شيء، ويصلح لكل شيء. فكانت هذه العبارة هي التي أشعلت الحرائق في مصر، وفي أروقة الأزهر. وبدل أن نجد لحسن حنفي العذر فيما قال، قوّلناه بما لم يقل، وألبسناه ثياباً لم يرضاها. وحكمنا عليه باحكام جائرة. وكان لنا أن نفرّق بين من قال هذا القول وقلبه مؤمن وعقله هو عقل الإسلام، وبين من يقول مثل هذا وهو غير مؤمن وعقله لا يعرف الإسلام.

وأنا أرى – بتواضع شديد - أن حسن حنفي يجب أن لا يُعاقب ولا يحاسب ، ولا يجب أن يعاقب أن يحاسب أو يعاقب على مثل هذا الكلام، ولا على أي كلام آخر يُعتقد بأنه ضد الإسلام، وذلك لسبب بسيط جداً ، وهو أن حسن حنفي في دفاعه عن الإسلام في كتبه السابقة، وفي مقالاته، وفي محاضراته، وفي أحاديثه قد خدم الإسلام كما لم يخدمه أي شيخ من شيوخ الأزهر. فصوت حسن حنفي الإسلامي والعقلاني المسموع في أوروبا وأمريكا وجنوب شرق آسيا، أكبر أثراً بكثير من أصوات شيوخ الأزهر، وهو الذي لم يترك جانباً من جوانب عقلانية الإسلام، أو عقلانية الفكر العربي الليبرالي، إلا وسلّط عليها الضوء في المحافل الغربية التي أعشت أعينها موجات الارهاب الدموي والفكري، الذي مورس على المفكرين العرب والمسلمين.

فضل حسن حنفي على الإسلام وعلى الفكر الإسلامي والعربي الليبرالي فضل كبير. فضل العالم الكبير، والأستاذ الجليل، والباحث الجاد المجتهد، الذي يخطيء ويصيب. وهذا الفضل يتجلّى في المحاور الفكرية المختلفة التي أثارها حسن حنفي في مسيرته الفكرية خلال سنوات طويلة، وهي التي تشفع له في "محاكم التفتيش" التي تنصب له منذ الآن المشنقة، قبل أن يفكر في الهروب بريشه من مصر، كما هرب نصر أبو زيد، وإلا لقي حتفه المشهود.

فماذا كان يقول حسن حنفي عن الإسلام كمفكر، وباحث، وأستاذ جيل؟

-4-

في مقال له بعنوان (الأقوال والأفعال) منتقداً معشر المسلمين الذين يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون عكس ما يقولون، ويحاولون الضحك على ذقون العالم بلسان من عسل، وسيف من خشب الارهاب العتيق، كاشفاً عورتهم، فاضحاً نواياهم، مقابل المستشرقين الذين يحللون الواقع، ولا يأبهون بالنص، بقوله:

"الغرب لا يعرف حجة القول بل حجة العمل. ولا يُصدِّق المثال بل يرى الواقع. فمهما قيل عن عظمة الإسلام وعالميته وإنسانيته وحريته وعدالته والغرب يرى واقع المسلمين في الاتجاه المعاكس فإنه لا يصدق الدعاة. فالواقع أبلغ من التمنيات. والرؤية أقوى من السماع طبقا للمثل الشهير (أسمع كلامك يعجبني، أشوف أعمالك أستعجب) ويعرف الغرب أيضا حدود منهج الدفاع. فهو منهج انتقائي يقوم على اختيار النصوص التي في صالحه دون نصوص أخرى مناقضة. فإذا تحدث الداعية عن )لا إكراه في الدين( قدم له المستشرق الغربي "آية السيف". وهو منهج نصي، يعتمد على حجة السلطة وليس على حجة العقل. ويغفل تحليل العلل وهي أساس الأحكام الشرعية. والمستشرق يحلل الواقع، ولا يأبه بالنص، ويرصد العلل ويحيلها إلى جوهر الإسلام الثابت وليس إلي عوامل التاريخ المتغيرة. وهو منهج تاريخي، يستدعي من الذاكرة اللحظات المضيئة في التاريخ ويترك غيرها. فيأتي المستشرق الغربي وينتقي لحظات أخرى في صفه ليثبت هجومه. والتاريخ مملوء بالشيء ونقيضه، دون تمييز بين القاعدة والاستثناء. وهو منهج أخلاقي يضع ما ينبغي أن يكون، وليس منهجاً اجتماعياً يصف ما هو كائن. والمستشرق يصف الظواهر كما هي عليه ويحللها ولا شأن له بما ينبغي أن يكون. فهو لا ينتسب إلي الحضارة الإسلامية كمثال، ولكنه يدرسها كواقع. وبقدر ما يستعمل الداعية خطاب الوعظ الديني يستعمل المستشرق التحليل الاجتماعي. وفي النهاية تكون حجة الواقع أبلغ من حجة النص. ويكون التحليل العلمي أقوى من الوعظ الأخلاقي. ويضيع كل الوعظ الأخلاقي في القنوات الفضائية إلى الهواء كما بدأ منه. ولا يبقي إلا العلم".

آخر تعديل بواسطة Servant5 ، 10-10-2006 الساعة 11:36 PM
الرد مع إقتباس