تابع..
مثل هذا الكلام، جارح ومؤذٍ لرجال المؤسسة الدينية، واتهام صريح واضح لهؤلاء الرجال. وهو ما أوغر صدر هؤلاء الأشياخ الذين يتحمسون الآن لمحاكمة حسن حنفي، ليفعلوا به ما فعلوا بنصر أبو زيد. بل إن حسن حنفي قال في هؤلاء الأشياخ كلاماً أكثر إيلاماً وأشد وقعاً، وهو الكلام الذي جاء بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، ووضعت حسن حنفي في قفص الحساب والعقاب.
يقول حسن حنفي في مقاله (مشايخ السلطان)، منتقداً مشايخ السلطان الذين يفتحون القرآن الكريم وكتب الحديث النبوي، فينتقون منها ما يشاءون، وما يلائم طبق طبيخ ذلك اليوم، ومذاق ذلك السلطان:
"بعد قرارات مؤتمر الخرطوم بعد هزيمة يونيو (حزيران) 1967، واللاءات الثلاث: لا صلح، ولا مفاوضة، ولا اعتراف بإسرائيل، انبرى مشايخ السلطان بتبرير هذا بالفتاوى والنصوص الدينية: )وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل(، )وجاهدوا في الله حق جهاده(، )أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله علي نصرهم لقدير(، )وقاتلوا الذين يقاتلوكم(، وما أكثر الآيات والأحاديث في هذا السياق. وبعد أن انقلبت الجمهورية الثانية على الجمهورية الأولى، وعُقدت اتفاقيات كامب ديفيد في 1978، ومعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في 1979 انبرى مشايخ السلطان، هم أنفسهم، بتبرير قرارات السلطان الجديد بآيات وأحاديث أخرى: )وإن جنحوا للسلم فاجنح لها(، )أدخلوا في السلم كافة(. وأن سلام وشالوم من نفس الاشتقاق، وأن كلانا أولاد عم من نسل إبراهيم. وحدث نفس التحول علي الصعيد الداخلي من الاشتراكية والقومية وعدم الانحياز، وهو اختيار الجمهورية الأولى، إلى الرأسمالية والقطرية والانحياز إلى أمريكا وإسرائيل، وهو انقلاب الجمهورية الثانية، والذي مازال مستمراً في الجمهورية الثالثة والأخيرة في حقبة من تاريخ مصر المعاصر في النصف الثاني من القرن العشرين، نهاية لمرحلة، وبداية لمرحلة أخرى. فأفتى مشايخ السلطان في الجمهورية الأولى، بأن الإسلام دين الاشتراكية، وجاءوا بالحديث النبوي: (الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار)، والقطاع العام من الإسلام كما مثله "الإقطاع"، وهو ما يقطعه الخلفاء للصالح العام كالمراعي للإبل، و (ليس منا من بات جوعان وجاره طاوٍ) ، )والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم(.
ولما حدث الانقلاب في الجمهورية الثانية، انبرى مشايخ السلطان لتبرير سياسة الانفتاح ونقد الشيوعية الملحدة، (من لا إيمان له لا أمان له). والكسب الحر مشروع، والتجارة حلال في الأسواق، ومع الله تجارة لن تبور. وكل ما أتى الإنسان هو رزق، حلالا ً أم حراماً، اعتماداً علي رأي بعض القدماء، والرفاهية حق المؤمنين )قل من حرم زينة الله والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا(. والغرب مؤمن، والشرق كافر. والانحياز إلي الغرب المؤمن ضد الشرق الكافر خير وبركة، ونصرة للإسلام والمسلمين. وقد انبري شيخ مشايخ السلطان أخيراً بفتوى من نفس النوع لحث الناس علي الاشتراك في التصويت علي تغيير المادة 76 من الدستور، وعدم مقاطعته، كما تريد المعارضة )ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه(. وهي نصف شهادة. فأين الشهادة علي الباقي: إلغاء قوانين الطوارئ، والأحكام العرفية، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، ورفض التمديد والتوريث لأن الحكم في الإسلام عقد وبيعة واختيار حر من الناس، لا انقلاباً ولا وراثة؟"
ومن أجل هذا الهجوم العنيف على أشياخ السلطان وخطابهم، وتملقهم، وتزويرهم للحقيقة، وكذبهم، يريد عبد الصبور شاهين وغيره من الأشياخ، قطع لسان حسن حنفي، وليس – في ظننا - من أجل ما قاله في مكتبة الإسكندرية.
فالحكاية ليست حكاية رمانه، ولكنها حكاية قلوب مليانه، كما يقولون.
أليس كذلك؟
وللبحث صلة. السلام عليكم]
|