وكان من احتقار العرب للمصريين أن قال معاوية بن أبى سفيان سيّد عمرو وولىّ نعمته: »وجدت أهل مصر ثلاثة أصناف فثلث ناس وثلث يشبه الناس وثلث لا ناس. فأما الثلث الذين هم الناس فالعرب والثلث الذين يشبهون الناس فالموالى (من أسلم من المصريين) والثلث الذين لا ناس المسالمة (القبط
)«.
ومما اتفق عليه المؤرخون أنه عقب الفتح مباشرةً وبانتقال مصر من تبعية لأخرى بدأت مصر ترسل القمح إلى المدينة كما كانت ترسله إلى روما ومن بعدها بيزنطة. ولم يبطُل إرسال الجزية والخراج والقمح والطعام إلى عاصمة الخلافة من دمشق أو بغداد لقرونٍ عديدةٍ تلت
...
كما أنه من المعروف أنه بقى فى مصر »جيش إحتلال عربى« ولم يُشرك العرب المصريين فى هذا الجيش، ولم يرد فى صلح بابليون أية إشارة تدل على السماح للمصريين بالإشتغال بالجُندية. وربما دعا العرب إلى انتهاج تلك السياسة خوفهم من أن يحيى المصريون روح القومية المصرية على حسابهم وأن يقوموا بطردهم من البلاد متى حانت لهم الفرصة. (مصر فى فجر الإسلام - د. سيدة الكاشف
).
ولن نتناول هنا ما اتُهِم به عمرو بن العاص فى حَرقِة لَمكتَبِة الأسكندرية وتَدمير التُراث الفِكرى والثَقافى لمِصر بحِجَّة أن أمير المؤمنين عُمر بن الخطّاب قد قال أنه »إذا كان فيها ما يوافق كتاب الله، ففى كتاب الله عنه غنى، وإن كان فيها ما يخالف كتاب الله، فلا حاجة إليه فتَقَدَّم بإعدامِها«... فَقَد فنَّد البعض هذه الرواية كما أكدها البعض الآخر فلربما بَقَت لُغزاً إلى الأبد
.
ونقرأ فى »فتوح البلدان« للبلاذرى أن عُثمان بن عفّان لاحَظ ضَعف الخراج المصرى فَعَزَل عمرو بن العاص عن مصر وعيَّن بدلاً منه عبد الله بن سعد بن أبى السَرح الذى ضاعَف حَصيلته فى العام التالى. ولم يعود عمرو إلى مصر والياً إلاّ بعد أن باع روحه وضميره للشيطان متجسداً فى معاوية إبن أبى سِفيان فكانت مصر وأهلها منحة من إبن هند آكلة الأكباد إلى إبن العاص مكافئة له على خِطَّتِه الغادِرة يوم التَحكيم كما سنرى
....
هذا عن عمرو وبعض ما فَعَلَه فى مِصر وبأهل مصر... فماذا فعل فى الإسلام؟
عُرف عن عمرو الدهاء والمكر الشديد فى حياته الشخصية فعِندَما راود صاحِبه »عمارة بن الوليد المخزومى« إمرأة عمرو عن نفسها فى رِحلة تجُارية إلى الحَبَشَة، إنتَقَم مِنه إبن العاص بوقيعة لدى النجاشى أدّت إلى إخصاءِه وهُروبه!!! ومن هو من لا يعلم عن دور عمرو واستخدامه لسلاح الدهاء والمكر هذا بل وبالغدر فى ما عُرِفَ بالفِتنَة الكُبرى التى وضَعَت شَرخاً فى الأمّة الإسلامِيَّة قَسمها قِسمين كُل مِنهُما يُكَفِّر الآخر حَتّى يومِنا هذا؟ ولِـمَن لا يَعلَم، أو لِـمَن لا يَذكُر، نقول أن عمرو كان من أشَدّ المُعارِضين لعُثمان (لخلعه عن ولاية مصر) وكان يؤلِّب ويحرِّض الناس عَليه، ومَهَّد للفِتنَة ثُم خَرَج يَنتَظِر فى ضَيعَتِه بفلسطين حتى أن جاءه خَبَر قَتلِ عُثمان قال: »أنا أبو عَبد اللَّه، ما حَكَكت قُرحَة إلاّ أدمَيتَها«. بَعدَها انضَم إلى مُعاوية إبن أبى سفيان مطالباً بدم عثمان
(!!)
وفى التَحكيم الذى انتَهَت إليه مَوقِعَة »صَفّين« بين علىّ إبن أبى طالب ومُعاوية إبن أبى سفيان بعد مَكيدة عمرو برفع المصاحِف على الحِراب إتَّفَق الُمتَفاوِضان أبو موسى الأشعرى (ممثل علىّ) وعمرو بن العاص (ممثل معاوية) على أن يخلعا معاً الطرفين المتحاربين ورد سُلطان الأمّة إليها وبمجرد إعلان الأشعرى عن خلعَه لعلىّ ثبَّتَ إبن العاص مُعاوية فكان أن قال له أبو موسى الأشعرى: »مالَك، لا وَفَّقَك اللَّه، غَدَرت وفَجَرت. إنما مِثلَك كَمَثَل الكَلبِ إن تَحمِل عَليه يَلهَث أو تَترُكُه يَلهَث«... لَم يُكفِّر أحد الأشعرى ولم يطالِبَه أحد باستِعمالِ ألفاظ تليق ب»صحابى«... بل رَدَّ عَليه عَمرو قائِلاً: »إنما مِثلَك كَمِثل الِحمار يَحمِل أسفاراً«... وكان الظافر من كُل هَذا معاوية إبن أبى سُفيان. أما ما تلى ذَلك وبِسَبَب ذَلِك مِن كَوارث حاقَت بالتاريخ الإسلامى فمَعروف
.
وكان عمرو قَد اشترط على معاوية أن يمَنَحه مصر مُقابِل تأييده له فى حَربِه ضِد الإمام على حتى أنه قد رد عليه عندما طالبه معاوية بعد ذلك بالعناية بخراج مصر لحاجته للمال بأنه »لم يورِثه إيّاها لا لأبوه أو لأمّه وإنه ما نالَها عَفواً ولكن شَرَطَها لدفاعه الأشعرى!!« بذلك عاد عمرو غازياً مصر بإسم معاوية ليقتل واليها محمد إبن أبو بكر الصديق ويحرق جسدة داخل جثة حمار... ولتظل مصر غنيمة من نصيب عمرو حتى آخر عمره ...
وقد جاء فى »مروج الذهب« للمسعودى، أن تركة عمرو عند وفاته كانت ثلثمائة وخمسة وعشرين ألف دينار ذهب وألف درهم فضّة، وغلّة مأتىّ ألف دينار بمصر وضيعته المعروفة ب »الوهط« وقيمتها عشرة مليون درهم... مع العلم بإنه توقف عن ممارسة التجارة وتفرغ للقتال وللسياسة منذ إسلامه، فسبحان الوهّاب
....
أخيراً... وقبل أن ينبرى المتَنَطِّعون ويحتجّون ب»فضل« عمرو ابن العاص علينا وعلى أجدادنا لإدخاله الدين الإسلامى لمصر أود أن ألفِت النظر إلى أن انتشار الإسلام فى عشرات البلاد وخاصة فى جنوب شرق آسيا (حيث يوجد ثمانون بالمائة من مسلمى العالم) تم بدون »فتح« أو غزو أو إحتلال أو جزية أو خراج أو نجدة فى عام الرمادة تخرج القافلة بها من الفسطاط فيبلغ أوَّلها المدينة بينما لا يزال آخرها فى قلب عاصمة المحروسة... ومن خير مصر (ومن خير غيرها من المستعمرات) إشترى البدو الرحل فى جزيرة العرب الجوارى بوزنهن ذهباً بعدما كانو يربطون الحجارة على بطونهم لوقف آلام الجوع، ويرقعون أثوابهم زهداً أو فقراً
.
إفصلوا التاريخ عن الدين... ذلك خير لكم إن كنتم تعلمون
__________________
لم اكتم عدلك في وسط قلبي تكلمت بامانتك وخلاصك لم اخف رحمتك وحقك عن الجماعة العظيمة اما انت يا رب فلا تمنع رأفتك عني تنصرني رحمتك وحقك دائما
|