سيد غنام
سيد التكفير والعنف
سيد غنام
عدّد الدكتور يوسف القرضاوى - أحد رموز جماعة الإخوان المسلمين المحظورة - مراحل تطور سيد قطب الفكرية، التى ابتدأها ناقدا أديبا نابغا وانتهى رافضا، ثائرا على كل شىء، يكفَّر المجتمعات كافة، ويدعو أتباعه «العصبة المؤمنة» إلى الخروج على أنظمة الحكم كافة، فى مرحلة قال عنها القرضاوى فى الحلقة الثانية من مذكراته :
هذه مرحلة جديدة تطور إليها فكر سيد قطب، يمكن أن نسميها «مرحلة الثورة الإسلامية»، الثورة على كل «الحكومات الإسلامية»، أو التى تدعى أنها إسلامية، والثورة على كل «المجتمعات الإسلامية» أو التى تدعى أنها إسلامية، فالحقيقة فى نظر سيد قطب أن كل المجتمعات القائمة فى الأرض أصبحت مجتمعات جاهلة». استطرد القرضاوى :«تكوّن هذا الفكر الثورى الرافض لكل من حوله وما حوله، والذى ينضح بتكفير المجتمع، وتكفير الناس عامة، لأنهم «اسقطوا حاكمية الله تعالى» ورضوا بغيره حكما، واحتكموا إلى أنظمة بشرية، وقوانين وضعية، وقيم أرضية، واستوردوا الفلسفات والمناهج التربوية والثقافية والإعلامية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والإدارية وغيرها من غير المصادر الإسلامية، ومن خارج مجتمعات الإسلام. فبماذا يوصف هؤلاء إلا بالردة عن دين الإسلام؟ بل الواقع عنده أنهم لم يدخلوا الإسلام قط حتى يحكم عليهم بالردة»!
يضيف القرضاوى : «أخطر ما تحتويه التوجهات الجديدة فى هذه المرحلة لسيد قطب هو ركونه إلى فكرة «التكفير» والتوسع فيه، بحيث يفهم قارؤه من ظاهر كلامه فى مواضع كثيرة ومتفرقة فى «الظلال» ومما أفرغه فى كتابه «معالم فى الطريق» أن المجتمعات كلها قد اصبحت «جاهلية» وهو لا يقصد «بالجاهلية» جاهلية العمل والسلوك فقط، بل «جاهلية العقيدة» إنها الشرك والكفر بالله، حيث لم ترض بحاكميته تعالى، وأشركت معه آلهة أخرى، استوردت من عندهم الأنظمة والقوانين، والقيم والموازين، والأفكار والمفاهيم، واستبدلوها بشريعة الله، وأحكام كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم». ويقول القرضاوى : «ناقشت أفكاره عن «الاجتهاد» وعدم حاجتنا إليه قبل أن يقوم المجتمع الإسلامى، فى كتابى «الاجتهاد فى الشريعة الإسلامية» وبينت بالأدلة خطأ فكرته هذه». وكما ناقشت الشهيد سيد قطب فى رأيه حول قضية «الاجتهاد» ناقشته فى رأيه فى «الجهاد» وقد تبنى أضيق الآراء وأشدها فى الفقه الإسلامى، مخالفا اتجاه كبار الفقهاء والدعاة المعاصرين، داعيا أن على المسلمين أن يعدوا أنفسهم لقتال العالم كله، حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون!
وحجته فى ذلك آيات سورة التوبة، وما سماه بعضهم «آية السيف» ولم يبال بمخالفة آيات كثيرة تدعو إلى السلم، وقصر القتال على من يقاتلنا، وكف أيدينا عمن اعتزلنا ولم يقاتلنا، ومد يده لمسالمتنا، ودعوتنا إلى البر والقسط مع المخالفين لنا إذا سالمونا، فلم يقاتلونا فى الدين ولم يخرجونا من ديارنا، ولم يظاهروا على إخراجنا. هذا ما تدل عليه الآيات الكثيرة من كتاب الله مثل قوله تعالى : «وقاتلوا فى سبيل الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين» «البقرة : 191،190» «فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا» «النساء: 90» «فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا» «النساء : 91» «وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله» «الأنفال: 61» «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين» «الممتحنة : 8» والأستاذ سيد رحمه الله يتخلص من هذه الآيات وأمثالها بكلمة فى غاية السهولة أن هذه كان معمولا بها فى مرحلة، ثم توقف العمل بها، والعبرة بالموقف الأخير، وهو ما يعبر عنه الأقدمون بالنسخ، وقولهم فى هذه الآيات : نسختها آية السيف.
|