وتعجب القرضاوى من موقف سيد قطب من الآيات التى تدعو إلى السلم بقوله إنه توقف العمل بها، بعدما كان معمولا بها فى زمن سابق، فيقول : «ولا أدرى كيف هان على سيد قطب وهو رجل القرآن الذى عاش فى ظلاله سنين عددا يتأمله ويتدبره ويفسره - أن يعطل هذه الآيات الكريمة كلها، وأكثر منها فى القرآن، بآية زعموها آية السيف ؟ وما معنى بقائها فى القرآن إذا بقى لفظها وألغى معناها، وبطل مفعولها وحكمها ؟! يكمل القرضاوى استنكاره على سيد قطب، بقوله : «إنه يتهم معارضيه من علماء العصر بأمرين : الأول : السذاجة والغفلة والبله، ونحو ذلك مما يتصل بالقصور فى الجانب العقلى والمعرفى. والثانى : الوهن والضعف النفسى، والهزيمة النفسية أمام ضغط الواقع الغربى المعاصر، وتأثير الاستشراق الماكر مما يتعلق بالجانب النفسى والخلقى. والذين يتهمهم بذلك هم أعلام الأمة فى العلم والفقه والدعوة والفكر ابتداء من الشيخ محمد عبده، مرورا بالشيخ رشيد رضا، والشيخ جمال الدين القاسمى، والشيخ محمد مصطفى المراغى، والمشايخ محمود شلتوت، محمد عبد الله دراز، أحمد إبراهيم، عبد الوهاب خلاف، على الخفيف، محمد أبو زهرة، محمد يوسف مرسى، محمد المدنى، محمد مصطفى شلبى، محمد البهى، حسن البنا، مصطفى السباعى، مصطفى الرزقا، محمد المبارك، على الطنطاوى، معروف الدواليبى، البهى الخولى، محمد الغزالى، سيد سابق، علال الفاسى، عبد الله بن زيد المحمود، محمد فتحى عثمان، وغيرهم من شيوخ العلم الدينى. فضلا عن الكتاب والمفكرين «المدنيين» الذين لا يحسبون على العلوم الشرعية، من أمثال: د.محمد حسين هيكل، عباس العقاد، محمد فريد وجدى، أحمد أمين، محمود شيت خطاب، عبدالرحمن عزام، جمال الدين محفوظ، محمد فرج، وغيرهم فى بلاد العرب والمسلمين».
ويذكر القرضاوى واقعة، كثيرا ما يستدل بها فى معرفة سيد قطب بحجم التغير الفكرى الذى أصابه من مرحلة إلى مرحلة، حتى استقر على أفكاره الصدامية، الانعزالية، التى تدعو إلى تكفير المجتمعات كافة، والناس جميعا، كما ورد فى باقورة أعماله «معالم فى الطريق» المقتطف من سفر قطب الذائع الشهرة «فى ظلال القرآن»، يقول القرضاوى : «وقد حدثنى الأخ د. محمد المهدى البدرى أن أحد الإخوة المقربين من سيد قطب - وكان معه معتقلا فى محنة 1965م- أخبره أن الأستاذ سيد قطب عليه رحمه الله، قال له : أن الذى يمثل فكرى هو كتبى الأخيرة : المعالم، والأجزاء الأخيرة من الظلال، والطبعة الثانية من الأجزاء الأولى، وخصائص التصور الإسلامى، والإسلام ومشكلات الحضارة، ونحوها مما صدر له وهو فى السجن، أما كتبه القديمة فهو لا يتبناها، فهى تمثل تاريخا لا أكثر. فقال له هذا الأخ من تلاميذه : إذن أنت كالشافعى لك مذهبان : قديم وجديد، والذى تتمسك به هو الجديد لا القديم من مذهبك. قال سيد رحمه الله : نعم، غيرت كما غير الشافعى رضى الله عنه. ولكن الشافعى غير فى الفروع، وأنا غيرت فى الأصول. فالرجل يعرف مدى التغيير الذى حدث فى فكره. فهو تغيير أصولى أو «استراتيجى» كما يقولون اليوم.
بعدما نشر القرضاوى آراءه بصراحة فى سيد قطب، قامت الدنيا ولم تقعد، وأسرع أنصار سيد قطب وتلاميذه لحشد شهود النفى لتبرئته من تهمة تكفير المسلمين، مما ظهر أثره على القرضاوى الذى أراد أن يقول كلمة أخيرة عن سيد قطب.. ويمضى! فنشر ثلاث مقالات على موقعه الإلكترونى، بتاريخ 4/5/2004، ضمنها نصوص أقوال سيد قطب نفسه، حتى تكون شاهدا على سقوطه فى بئر التكفير المظلم. قال القرضاوى فى مقاله الأول بعنوان : «تمييز المؤمنين من المجرمين.. أولى المهام»!» «.. سنكتفى هنا بالاقتباس من تفسير سورة الأنعام من الجزء السابع، ومن سورة الأنفال والتوبة من الجزء العاشر، على اعتبار أن سورة الأنعام من القرآن المكى، وسورتى الأنفال والتوبة من القرآن المدنى. وحسبنا هذا النص الصريح المعّبر عن فكرة الشهيد رحمه الله عند تفسيره لقوله تعالى : «وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين». قال رحمه الله «إن سفور الكفر والشر والإجرام ضرورى لوضوح الإيمان والخير والصلاح. واستبانة سبيل المجرمين هدف من أهداف التفصيل الربانى للآيات. ذلك أن أى غبش أو شبهة فى موقف المجرمين وفى سبيلهم ترتد غبشا وشبهة وفى موقف المؤمنين وفى سبيلهم. فهما صفحتان متقابلتان، وطريقان متفرقتان.. ولابد من وضوح الألوان والخطوط. من هنا يجب أن تبدأ كل حركة إسلامية بتحديد سبيل المؤمنين وسبيل المجرمين، يجب أن تبدأ من تعريف سبيل المؤمنين وتعريف سبيل المجرمين، ووضع العنوان المميز للمجرمين، فى عالم الواقع لا فى عالم النظريات.
|