4/ لا يوجد بشر له حقّ إلهيّ في النّطق بالحقّ، وفي الكلام باسم اللّه والوصاية على النّصوص المقدّسة، ولا يوجد أيّ بشر يمكن أن يتّخذ ذاته الفرديّة مصدرا للتّشريع. سقطت أقنعة رجال الكنيسة منذ قرون، وبدت للعيان بشريّة ما أوهموا النّاس بأنّه إلهيّ وتبدّدت أساطيرهم وصكوك غفرانهم، واليوم تسقط أقنعة هؤلاء الشّيوخ الذين ينظّمون الجنون القداسيّ الإسلامويّ في أبشع صوره.
ليوقف شيوخ الإفتاء ألعابهم البهلوانيّة بالآيات يستدلّون بها كما يريدون على ما يريدون وليلزموا بيوتهم للعبادة إن كانت تهمّهم فعلا أمور الدّين والآخرة، أو ليملأوا محاربهم بالحثّ على الرّحمة والمساواة عوض بثّ الأحقاد وتكريس اللاّمساواة.
وليتخفّف المثقّفون إذن من خشوعهم في معاملة هؤلاء الشّيوخ وما اتّخذوه من كنائس ومحاكم تفتيش ومصادرة، وليتحلّلوا من إغداق ألقاب "سماحة الشّيخ" على من ليسوا من السّماحة والتّسامح في شيء و"فضيلة الشّيخ" لمن لا فضيلة لهم سوى التّكفير والتّـأثيم والتّفسيق، وليطالبوا الحكومات والبرلمنات العربيّة بتجريم التّكفير وبمحاكمة المحرّضين على القتل مهما كان مركزهم ومهما كانت وظيفتهم.
5/ لايوجد "إسلاميّون معتدلون"، بل يوجد مسلمون قد تخلّصوا من ربقة الفقهاء ونجوا بأنفسهم خارج دائرة الجنون الدّينيّ المنظّم، وأدركوا ضرورة الوعي بالتّاريخ ولم يروا غضاضة في المطالبة بالمساواة في الإرث والشّهادة بين النّساء والرّجال، ولم يخرجوا لنا بحجّة "النصّ الصّريح" وكأنّهم أوصياء على كلام اللّه، ولم ينسوا الرّحمة والتّرحّم على أرواح ضحايا العادات والمسلّمات الوحشيّة . أمّا الشّيوخ ووعّاظ الفضائيّات العربيّة الذين يوصفون بالاعتدال، فإنّهم ليسوا معتدلين إلاّ في نغمة الصّوت، أو في ارتداء اللّباس الغربيّ، أو في مخاطبتهم الجماهير بألطف العبارات أو في تلطيفهم بعض الأحكام. بين "شيوخ التّكفير" والشّيوخ "الفضائيّين" الموصوفين بالاعتدال لا توجد نقلة نوعيّة. لأنّ النّقلة النّوعيّة هي التي تجعلهم يتخلّون عن زجّ أنفسهم في كلّ صغيرة وكبيرة، وتجعلهم يعتبرون الدّين تجربة شخصيّة تهمّ الإنسان فيما بينه وبين ربّه، وهو ما يلغي دورهم كشيوخ يفتون في العلاقات الزّوجيّة وفي السّياسة الدّاخليّة والخارجيّة وفي الاقتصاد والطّبّ والعلوم...
ليس هؤلاء الإسلاميّون معتدلين إلاّ لمن يرضى بالقليل، ويقنع بالبؤس، لمن له روح متسوّل يطلب فتات خبز ولا يطالب بحقّه وحقّ الجميع في الحياة الكريمة.
5/ في مراسم توزيع الأكفان التي يضطلع بها المفتون، للنّساء أضعاف نصيب الرّجال، خلافا لما يسير عليه الفقه في أمور الأهليّة والميراث...
فالحجاب هو الكفن الذي يريد المفتون أن تلتفّ به النّساء لكي يدفعن ثمن خروجهنّ من خدورهنّ وسجونهنّ.
كلّما رأيت رؤوس المحجّبات التي أصبحت تملأ شوارع مدننا، تذكّرت الأكفان البيضاء. تذكّرت جثث أقاربي الباردة التي انحنيت لتقبيلها لآخر مرّة، بعد أن غسّلت وسترت شعورها ولم يبق منها ظاهرا إلاّ الوجه والكفّان، تماما كما لم يبق ظاهرا من أجساد المحجّبات المكفّنات سوى الوجه والكفّان.
لا يخيفني الموت، فكلّنا مائتون، وكلّنا إلى تراب أو رماد، إنّما تخيفني مشاهد الأحياء الذين يلتفّون بالأكفان ويحاكون الموتى ويطلبون الانتحار، ويخيفني موزّعو الأكفان المتّجرون بفقر الآخرين وبؤسهم وشعورهم بالهوان.
|