صديقي الحاج يوسف
اسم الكاتب : صموئيل بولس
يقع دكان صديقي الحاج يوسف في أول مدينة النور بالزاوية الحمراء من ناحية كوبري عبود، وهي منطقة شعبية فقيرة محرومة من أبسط الخدمات، وفيما يبدو أن أغلب سكانها لم يسمعوا بشيء اسمه تنظيم النسل! بل ويتنافسون فيما بينهم في زيادة الإنجاب، بالرغم من شدة فقرهم، وضيق وحداتهم السكنية التي يتكدسون بداخلها فتبدوا وكأنها مثل علب السردين، مما أدى إلى ظهور العديد من المشاكل التربوية المتعلقة بالكبت والحرمان والشعور بالضيق والعجز وتوتر الأعصاب، الأمر الذي يؤدي إلى كثرة حدوث الاحتكاكات والمشاجرات العائلية، مع الجيران، بل ومع طوب الأرض!!!
والمحصلة النهائية هي حالة من "التوهان" والضياع والتشويش، وهي السمة الغالبة لسكان المنطقة بأسرها من الشرابية، حتى الشادر، والقصيرين، وشرق السكة الحديد، والزاوية، والوايلي، وهي من أكثر المناطق التي سجلت فيها أعلى معدلات حالات الأحوال الشخصية، وحالات الارتداد.
وغالبية سكان الشارع الطويل الذي يوجد به دكانه هم من المسلمين، وإن كان لا يقل عن ربع السكان هم من المسيحيين، وكلا الفريقين من ذوي التعليم المتواضع، والدخل المتدني.
بينما يقع محل سكنى الحاج يوسف داخل حي شبرا، الأكثر ثراء وتنظيماً والذي أصبح مفرخ لسكان مصر الجديدة، وجل جيرانه في السكن هم من المسيحيين، ومعظمهم من المتعلمين أبناء الطبقة الوسطى.
عاش الحاج يوسف حياته كلها قريباً من المسيحيين، سواء قبل نزوح عائلته من قريته بالصعيد إلى القاهرة عندما كان في السادسة عشرة من عمره، أو سواء بعد أن استقر في منزل يملكه مسيحي اسمه المقدس "نخلة"، في حي شبرا منذ الستينيات، لذلك فالحاج يوسف عاش العالمين، عالم مدينة النور، وعالم شبرا، ويعرف الكثير عن قضايا الأقباط ومشاكلهم، بل ودخل طرفاً في العديد منها، باعتباره إنسان وديع ومسالم ويحب أن يصنع الصلح والسلام بين أي اثنين متخاصمين.
وعلى المستوى الأدبي، فلقد عاش الحاج يوسف حياة نقية، مما انعكس بوضوح تام على ملامح وجهه البشوش الخالي من أية تعقيدات.
ظل الحاج يوسف وفياً ومخلصاً لزوجته قرابة 35 سنة، رغم إصابتها بالعقم، والعديد من الأمراض، الأمر الذي كان يزيد من بريق شخصيته ويجعله محل احترام وتقدير الجميع، يقوم الحاج يوسف بالترحيب الحار بأي زبون يعرف أنه مسيحي، ويصر على أن يقدم له مشروب تحية.
انضم الحاج يوسف إلى حزب الوفد منذ صباه الباكر، وظل مخلصاً له حتى مماته منذ ثلاثة سنوات.
يرفض الحاج يوسف مبدأ أن الإسلام دين ودولة.
وينادي بعدم الزج باسم الله في ألاعيب السياسة.
كما ينادي بحيادية الدولة، والمشايخ، والأهالي، من موضوع دخول المسيحيين في الإسلام. كما ينادي بتفعيل حرية العقيدة في الإسلام تأسيساً على قول القرآن (لا إكراه في الدين)، وذلك من خلال السماح للمسلمين في الدخول في المسيحية، لو رغبوا في ذلك، وينادي بضرورة التمسك بالروابط الوطنية والإنسانية بين المصريين جميعاً، مسلمين ومسيحيين، ويعلن عن ضيقه لنزوح اليهود المصريين من مصر، ويقول: من حق كل مصري أن يتمتع بالعيش في وطنه وأن يمارس طقوس عبادته بحرية يحميها القانون، وأن الدين لله والوطن للجميع، وظل لآخر حياته يتمسك بشعار الوفد (تعانق الهلال مع الصليب)، ورغم أنه ليس متعلماً تعليماً عالياً (حاصل على التوجيهية القديمة) إلا أنه ذو ثقافة أدبية عالية، وملم إلمام شبه كامل بالمجريات السياسية العالمية، وعلى المستوى الديني، فهو مسلم معتدل اعتدال حقيقي وليس مثل المعتدلين الإرهابيين "إياهم". يقرأ القرآن، ويؤدي الصلوات في أوقاتها، ويخرج زكاته، ويقدم صدقاته (بالتساوي بين فقراء المسلمين وفقراء المسيحيين) ،ويصوم شهر رمضان، ويومي الاثنين والخميس من كل أسبوع. وأما بالنسبة إلى فكره الديني، فهو يتوافق مع ابن رشد، وابن خلدون، ومحمد عبده، ويرفض تماماً فكر ابن تيمية، وابن القيم الجوزي، وأبو الأعلى المودودي، وسيد قطب، ويعتقد أن تنظيم الإخوان، وبقية الجماعات الإسلامية المتطرفة، هي مجرد تنظيمات إرهابية إجرامية متمسحة بالدين، ويميل الحاج يوسف إلى حياة التأمل، والدعاء والتسبيح لله، وينتمي إلى مدرسة إسلامية ليبرالية شديدة الاعتدال، تعود بجذورها إلى الثلاثينات والاربعينات من القرن الماضي، وأتباعها (غالبيتهم من الأدباء والمفكرين والفنانين ورجال الأعمال) يعتنقون لوناً خاصاً من الإسلام قريب الشبه من المسيحية، إذ يطبقون تعاليم السيد المسيح المتعلقة بالمحبة والغفران والتسامح، ونبذ السيف والعنف، وفصل الدين عن الدولة، وهو ما اصطلح على تسميته الآن بمدرسة "الإسلام الجديد".
وهو عبارة عن محاولات يقوم بها نخبة من المسلمين المعتدلين "الحقيقيين" لإعادة تشكيل المفاهيم الإسلامية بما يتوافق مع الضمير الإنساني، ولا يتعارض مع قوانين حقوق الإنسان. ويتبارى أتباع هذا التيار في تبرئة الإسلام من العنف المنسوب إليه، سواء كان في شكل نصوص قرآنية، أو أحاديث، أو وقائع التاريخ الإسلامي نفسه.
لذلك، فلقد كان للحاج يوسف العديد من المواقف المغايرة عن السواد الاعظم من المسلمين، فهو على سبيل المثال كان يدين العنف والارهاب إدانة صريحة، ويقول:
تابع :
|