عرض مشاركة مفردة
  #266  
قديم 18-11-2006
godhelpcopts godhelpcopts غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2006
المشاركات: 1,647
godhelpcopts is on a distinguished road
تابع :صديقي الحاج يوسف

لذلك، فلقد كان للحاج يوسف العديد من المواقف المغايرة عن السواد الاعظم من المسلمين، فهو على سبيل المثال كان يدين العنف والارهاب إدانة صريحة، ويقول:

إن القتل هو القتل، حتى لو كان باسم الدين، وكان يرى أن الإسلام الحقيقي بريئاً تماماً من العنف بكل صوره واشكاله، وأن الغزوات التي قام بها الصحابة في صدر الإسلام كانت خروجاً عن الإسلام الصحيح!!! وأن القتل، والسلب، والسبي، والجزية، وكراهية ال*****، واليهود، كلها جرائم قبيحة دخيلة على الإسلام، وليست من صحيح الدين، إنما هي من دسائس الشيطان!!! ويرى، أن الإسلام الحقيقي، هو فكرة كيانية تنبع من الإيمان بالله المسالم الرحمن الرحيم، وأن أي خروج عن مبادئ السلم والرحمة والمحبة، إنما هو خروجاً عن الإسلام ذاته. وأن المسلم الحقيقي، هو من سلم الناس من يده ولسانه، لذلك فكل الذين قاموا بالغزوات لم يكونوا مسلمين حقيقيين حتى لو كانوا من الصحابة!!! ويرى أن رسول الإسلام كان مسالماً وديعاً، لكن الأعراب هم الذين قاموا بتزوير سيرته من بعده، فجعلوا منها مجرد سيرة دموية لزعيم عصابة من قطاع الطرق الذي يقتل ويسرق ويسبي النساء ويغتصبهن، وأنه لا يوجد إنسان يحترم عقله يمكن أن يتبع صاحب هذه السيرة كما وردت في كتب التراث، ويرى أن كل ما هو منسوب للنبي من أخبار حروب وغزوات وعلاقات نسائية محمومة، إنما هي محض أكاذيب وتلفقيات، لأنه لا يمكن عقلاً لنبي أن يرتكب كل هذه الجرائم التي يتعفف عنها أعتى المجرمين، فكم وكم خاتم النبيين، وسيد المرسلين، وأعظم خلق الله أجمعين(على حد تعبيره).

ويرى أن الإسلام الحقيقي (كما عرفه وآمن به) يركز على التأمل في قدرات الله سبحانه وتعالى من خلال خليقته، والتسبيح، والذكر الدائم لأسمه، عرفاناً وشكراً لأعمال مراحمه، وأن إله الإسلام الحقيقي، يدعو المسلمين الحقيقيين إلى محبة كل الناس، لا سيما المسيحيين، لأنهم الأكثر مودة ورحمة.

ويرى أن المسلم الحقيقي هو من يحب المسيحيين محبة كبيرة، ويرفض التعرض لهم بالإيذاء سواء بالقول، أو بالفعل، ويقول عن القبط:

هم الأصل، ونحن الفروع، هم الأجداد ونحن الأحفاد، هم أصحاب الأرض، ونحن الدخلاء، وهم أصحاب البيت ونحن الضيوف، هم منا،ونحن منهم، ودماؤنا مشتركة، وكثيرون منا أقارب دون أن ندري!!

وأما الأغرب من كل ذلك، فهو رفضه الشديدة لفكرة تعدد الزوجات، ويعتبرها لوناً من الدعارة!!! كما يرفض فكرة الطلاق، وخصوصاً بسبب مرض الشريك، أو لعدم القدرة على الإنجاب، وكان يقول: أن كل من يطلق شريكة حياته من أجل اشتهائه لامرأة أخرى قد تكون أجمل وأصغر، هو حيوان شهواني!!!

وإن كل من يطلق شريكه بسبب العقم، أو المرض، فهو شيطان.
وكان يستشهد بزواج الرسول من السيدة خديجة، ويقول: هذا هو الإسلام النقي قبل تشويهه بالبقع السوداء.

وكان الحاج يوسف في الستين من عمره، ومتزوجاً منذ 35 سنة من امرأة فاضلة، وظل وفياً لها رغم عدم قدرتها على الانجاب، رغم إصابتها ببعض الأمراض النسائية المزمنة، ووبخ إمام الجامع عندما طالبه بالزواج من امرأة أخرى لتنجب له، وتحميه من شر الفتنة، فأجابه:

(كيف تقول إنك رجل دين تدعو الناس إلى البر والتقوى، بينما أنت تحرضني على الإثم والفجور من خلال إتياني بامرأة أخرى فأجرح مشاعر زوجتي التي احتملت معي كل مراحل الحياة بحلوها ومرها، أن سبب تفوق ال***** علينا من الناحية الأخلاقية والتربوية، إنما يرجع إلى قدسية الزواج عندهم، بينما هو عندنا مجرد نكاح)، وبالرغم من مواقفه الجريئة، بل والمصدمة أحياناً، إلا أنه لم يجرؤ أحد على الطعن في إسلامه، فهو إنسان بار ومستقيم وأمين في تجارته وفي تعاملاته مع الناس، فضلاً على أنه يواظب على تأدية الصلوات في أوقاتها، ويصوم، ويزكي، ويتصدق، ويقرأ القرآن، ويحفظ معظمه .

كان رجلاً عجيباً تدفعك اخلاقه على احترامه، فهو مسالم ووديع، بشوش الوجه، وابتسامته لا تفارقه.

وقد تم التعارف بيننا في عام 1989 عندما ذهبت لتقديم الإرشاد الروحي لتلك الفتاة الهاربة من بطش والدها، وحدث أن تجمهر حولي بعض ال****، فتدخل لانقاذي، وأدخلني دكانه، ثم عاد إليهم وصرفهم بسلام، وبعدها عاد إلي ليسألني عن اسمي ووظيفتي وسبب قدومي، وما أن علم بأنني رجل دين مسيحي قادم من البطريركية لتقديم الارشاد الروحي للفتاة، حتى فوجئت به يعاملني على غير المألوف في مثل هذه المواقف، إذ تهلل وجهه بالفرح بطريقة تدعو للعجب، قائلاً:

يااااه! أنا كان نفسي من زمان ألتقي برجل دين مسيحي لأتناقش معه في أمور تتعلق بالله جلا جلاله بعيداً عن الجهل والتعصب والرسميات، فأنا أحب الله سبحانه وتعالى، وأجتهد في حياتي الخاصة لنيل رضائه، وأحب التحدث عنه، وتسبيحه. وأضاف قائلاً:

ولا تتعجب مني لأن كلامي قريباً من كلام المسيحيين، وسر ذلك هو إني نصف مسيحي ونصفي الآخر مسلم ! فوالدي الله يرحمه كان له صديق مسيحي أقرب إليه من نفسه، وقد عاش الاثنان معاً كرجلين في جلباب واحد، فلو سألت أحد عن والدي (الحاج كاشف) يقولون لك تلاقيه مع (المقدس فانوس)!!!

ولو سألت عن المقدس فانوس، يقولون لك: تلاقيه مع الحاج كاشف!!

كانا يجلسان معاً يومياً تحت شجرة كبيرة تقع على مشارف القرية، وكانا يتحادثان معاً طويلاً، ثم يدخلان في صمت عميق، لا يقطعه إلا تمتمات خافضة الصوت، يعقبها النظر إلى السماء. حتى شاع القول عنهما بأنهما من "الدراويش المبروكين"، وكانت كلمتهما مسموعة، بل والفيصل في أي نزاع ينشب من أهل القرية، أو في تقسيم الميراث. وكان الاثنان يسعيان للصلح بين المتخاصمين، وقد ظلا سويةً حتى وافتهما المنية معاً في يوم واحد بل وفي ساعة واحدة!!!

وتحت نفس الشجرة التي طالما جلسا في ظلها منذ طفولتهما، وكل أبناء القرية خرجوا لتشييعهما في توقيت واحد، وكانوا يضربون كف بكف وهم يقولون:

عاشا معاً، وماتا معاً، ودفن معهما سرهما الكبير.


تابع :
الرد مع إقتباس