ثانيا- يرتبط بالصفتين السابقين وينشأ عنهما أن أصبح للإسلام طبيعة موضوعية وليست ذاتية..
بحيث تكون" الحكمة ضالة المؤمن ينشدها أنَّا وجدها"، وبحيث لا يجد الرسول حرجا من أن يقول بالنسبة لموسي وبنى إسرائيل "نحن أحق به منهم". وانظر إلى موضوعية ونزاهة القرآن عندما يتحدث عن الخمر والميسر ]يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا[. {219 البقرة}.. وكذلك ]وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى[. {8 المائدة}.. ]وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ[. {85 الأعراف}.. والإسلام هو دين الحق وهي الكلمة التي يعبر بها القرآن عن الموضوعية. إن القضية هي أن الإسلام في حد ذاته يدعو إلى الحق وحيثما يكون الحق يكون الإسلام بل أن الله تعالى سمي نفسه "الحق" ومن هنا كان الحاكم الكافر العادل أفضل وأقرب إلى الإسلام من الحاكم المسلم الظالم لأن الظلم انتهاك للحق وأي انتهاك للحق هو انتهاك للإسلام وأي قيام بالعدل هو تطبيق للحق أي للإسلام.
ثالثاً: إن الإسلام ليس عبادات فحسب...
إن العبادة ليست إلا مكونا واحدا من مكونات الإسلام.. ومن المكونات الأخرى العمل وما يرتبط بالعمل من صلة بالمجتمع أو علاقات بين الناس من وفاء بالالتزامات وصدق في المعاملات وإحسان في الأداء، ومن مكونات الإسلام الشريعة وكل ما يدخل في عالم السياسة والاقتصاد والقانون وإتاحة الحرية والطمأنينة للناس وتحقيق العدالة الخ... فالإسلام لا يقتصر على العبادة، ولا هو يتمحور حولها..
والإسلام ينفى الحرج عن المسلمين ما أمكن ذلك ويعتبر التيسير أصلاً من أصوله وهو يعترف بالضعف البشري ولا يفترض في المؤمنين العصمة ويقنع منهم أن لا يرتكبوا "كبائر الآثم والفواحش" وتوقع استسلامهم للضعف البشرى في صغار الذنوب التي أطلق عليها القرآن "اللمم" ووضع طريقة معينة للتعامل معها هي أن الحسنة تجب السيئة "إن الحسنات يذهبن السيئات" و "اتبع السيئة الحسنة تمحها" ورحب بالمذنب المستغفر.
إن استيعاب هذه الأصول والإيمان بها يعين الطالب المغترب والعامل المهاجر على تكييف موقفه في المجتمعات الأوروبية فلا يستشعر الدونية التي تجعله يذوب ويتلاشى في هذا المجتمع، ولا يحس بالاستعلاء الذي يدفع به إلى الرفض والترفع والاعتزال، ويرى أنه فرد من أسرة البشر ومن المجتمع الإنساني وأنه بقدر ما توجد من عوامل للفرقة فهناك أيضاً عوامل للوحدة فنحن وهم من أم واحدة وأب واحد ونحن وهم ندين بأديان سماوية حتى وإن حافت الكنائس ورجال الدين والمصالح المكتسبة على روح المسيحية السمحة، وحقيقة أنهم ليسوا مسلمين أمر لا يزعجه البتة لأن هذا هو ما أراده الله وما أوضحه فى القرآن مراراً وتكراراً.. وقد وجهنا الله تعالى للتعارف وأمر أن لا يحملنا شنأن العدوان على الظلم أو على أن نبخس الناس أشياءهم ووجهنا لأن نلتمس الحكمة في مظانها وأن نطلب العلم ولو في الصين. فمكاننا وسط هؤلاء الناس الذين تختلف ألسنتهم وبشراتهم وعاداتهم وطرائقهم ليس أمرا مستغربا ولكنه التطبيق لدعوة القرآن في السير في الآفاق والتعارف بين البشر وطلب الحكمة والعلم من مظانها. فلا يجوز أن نسمح للكره أو الهوى أن يتحكم فينا فلا نستشعر ضعفا أو ذلة نحوهم ولا نظلمهم حقهم أو نبخسهم أشياءهم.
|