[knowjesus_knowlove]

هل قتلت النبوءات صدام حسين ؟
بقلم/ ممدوح الشيخ


في أحيان كثيرة يجبرنا مشهد نعيشه في الواقع على استرجاع صفحة من صفحات التاريخ الذي لا نكاد نحسم حتى الآن إن كان يكرر نفسه أم لا، ومشهد نهاية صدام حسين من المشاهد التي تستدعي صفحات مشابهة من التاريخ. وبعيدا عن تحليلات الخبراء الاستراتيجيين للنزال العسكري في مساره ومآله تكاد تطل ملامح وجوه كثيرة من التاريخ لتحتل خلفية هذا المشهد الذي جمع بين المأساة والملهاة. فقبل الحرب طفح الإعلام العرقي الرسمي بدعايات فجة جمعت بين ترويج الخرافات ودغدغة المشاعر الدينية للناس من خلال الربط بين الحرب وبين نبوءات دينية وغير دينية تم تفسيرها ليكون صدام بطلها. فمثلا في 26 - 9 - 2002 نشرت صحيفة "الجمهورية" العراقية أن نبوخذ نصر تنبأ بظهور صدام حسين!! فهذا الملك الذي أسس مدينة بابل التاريخية توقع ظهور صدام حسين ليعيد بناء ما كان قد بناه الملك البابلي الأول . وتحدثت الصحيفة عن لوح كتب قبل سنة 570 ق.م، قالت إنه يؤكد ذلك، ووجد في مكان آخر أن الذي يعيد بناء بابل يهزم عدوه دائما، وبذلك تنطبق نبوءة نبوخذ نصر الملك البابلي على صدام لأنه أمر ببناء بابل وإعمارها وتجديدها ، وهو أول من عمر فيها منذ أن بناها نبوخذ نصر وحتى الآن!!.


ولم يقتصر الأمر على ذلك فظهرت كتب كثيرة أكد مؤلفوها أن حربه الأخيرة تصديق لنبوءات دينية وردت في أحاديث نبوية ولم يخضع تفسيرها للتمحيص الكافي. وقصة صدام مع النبوءات لم تبدأ مع هذه الحرب بل بدأت في النصف الثاني في الثمانينات عندما بدأت تروج كتابات تصفه بأنه "السفياني" الذي بشر الرسول بظهوره ليهزم الروم والترك، وأخرى تقول إنه الآشوري الذي سيحدث فتنة عظيمة يهتز لها العالم كما أنه حاول التلاعب بالمشاعر الوطنية للعراقيين عندما استدعى ملحمة "جلجامش" وحاول التلاعب بالوجدان الديني للمسلمين عندما شبه نفسه تارة بخالد بن الوليد ولنتذكر أكذوبة "قادسية صدام" وتارة بصلاح الدين الأيوبي الذي أصبح بقدرة قادر عربيا لا كرديا .. ..


ورؤية العالم من خلال نبوءة وإهمال كل الحسابات المنطقية والعقلية والكسل حتى عن تمحيص مدى انطباق النبوءة إن كانت صحيحة على الواقع سمة تظهر دائما في لحظات الأزمات عندما تشعر الأمم بالعجز فتعزي نفسها بهذه النبوءات. ومن المشاهد التاريخية التي تحضر للذهن عند تأمل مصير صدام حسين مشهد مغامر يهودي يحيط بحياته الغموض اسمه "ديفيد رءوبيني" (؟ - 1535)، والمصدر الأساسي لمعرفة هويته الحقيقية مذكراته وبعض خطاباته فقد كان يدعي أنه ابن لملك اسمه سـليمان، وأخ لملك يُدعى يوسـف يحكم قبائل رءوبين وجاد ونصف قبائل منَسَّى في خيبر بالقرب من المدينة المنورة وجميعها من القبائل التي ورد ذكرها في التوراة ولم يكن أي منها في الجزيرة العربية آنذاك!!. كانت رواياته عن أهله متضاربة ففي مناسبة أخرى ذكر أنه من نسل قبيلة يهودا وأنه رسول من ملك يدعى يوسف. كان داود على قناعة بأنه الماشيح الذي ينتظره اليهود وكانت الجماعات اليهودية في الغرب تعيش حالة من الإحباط والعجز تدفعها للتعلق بمثل هذه الادعاءات الفارغة. انتقل داود من بلد إلى آخر، حتى وصل إلى روما راكباً فرسه الأبيض وهي إحدى علامات الماشيَّح في التراث اليهودي. وذهب إلى البابا كليمنت السابع عام 1524، وأخبره بأن أخاه لديه ثلاثمائة ألف جندي مدربين على الحرب، ولكنهم لسوء الحظ ينقصهم السلاح - قارن هذا بالوعود الوردية التي بذلها صدام قبل الحرب عن الحشود المليونية - وطلب إلى البابا تزويدهم بما ينقصهم حتى يمكنهم طرد المسلمين من فلسطين . واستقبله البابا استقبالاً حسناً والتف يهود روما حوله ، واكتتبوا ببعض الأموال له ، حتى يعيش على مستوى يليق بمقام سفير ملك اليهود.


وسعى داود لمقابلة ملك البرتغال وحدث ذلك بالفعل عام 1525، ونجح في التأثير فيه، حتى إنه أوقف محاكمات يهود المارانو (يهود الأندلس الذين تنصروا بعد زوال الحكم الإسلامي في الأندلس وبقوا يهودا في السر) وأحرز داود شعبية واسعة بينهم، وكان من بينهم من يشبه في حماسهم بعض قادة البعث وغيره من التنظيمات ذات المسميات الثورية التي انفجرت كالطاعون على امتداد الخارطة العربية وهو ديوجو بيريس الذي أخذه الحماس فتهود وتختن والختان أحد شعائر الدين اليهودي وغير اسمه إلى سولومون ملكو وتبعه. وجاء مشهد النهاية الفاجع عندما ذهب الاثنان إلى إمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدَّسة تشارلز الخامس وطلبا منه تسليح المارانو ليحاربوا ضد المسلمين. ولكن نظراً لانشغال الإمبراطور بأمور عظمى (تهديد البروتستانتية لحكمه من الداخل والعثمانيين من الخارج) لم يكن عنده متسع من الوقت فقبض عليهما وأحرق أحدهما لخروجه على المسيحية وأودع الآخر السجن في إسبانيا حيث مات مسموماً!!.


فهل صدق صدام النبوءات التي أشاعها إعلامه وجره ذلك إلى مصيره المأسوي؟