وعندما وجدت له في البداية شقة في إحدي العمارات بجوار الميدان فرح بها وأعطاني السمسرة, وبعد ساعات جاءني مرة أخري طالبا سكنا آخر ووجدته غاضبا فخشيت أن أسأله وأخذته إلي شقة بشارع النيل في الدور الثالث, وكنت أعلم أنها شقة لا يحبها معظم الزبائن, لكنني فوجئت به يشكرني وأعطاني حقي, وهمس في أذني بألا أخطر أحدا بمكان سكنه الجديد.
وظل يقطن في هذه الشقة ما لا يقل عن سبعة أشهر ثم انتقل للمعيشة مع حيدر السامرائي في شارع سليمان جوهر في الدقي, وجاءني مرة أخري لأجد له سكنا جديدا ووجدت له فيلا في المهندسين خلف نادي الصيد أعجبته جدا وكان إيجارها22 جنيها, عاش بها لمدة عام ثم انتقل إلي الإسكندرية ليعيش هناك في شقة مع بعض زملائه إلي أن حدثت مشكلة كبيرة ومشادة مع زملائه انتهت بانتحار الخادمة, وبعدها قال الرئيس جمال عبدالناصر: إن مشكلاته كثيرة, وقام بترحيله, وهذا ما أكده أصدقاؤه العراقيون علي المقهي.
ويضيف عم شرقاوي أن العيب الوحيد في شخصية صدام هو اندفاعه القوي وشغبه الدائم, فعندما تحول مقهي إنديانا إلي مطعم انتقلت جلساتهم إلي مقهي البداري في ميدان الدقي نفسه, فكانوا يبدأون جلساتهم بالضحك وتحية القهوجي والموجودين ثم بعد ذلك وخلال دقائق من وصول صدام وجلوسه يتعاركون ويضربون بعضهم بالكراسي, وعندما يسأل أحد عن السبب كان يتعرض للإهانات, إلا أنه في ذات مرة حاولت التدخل فصدني طارق عزيز ونهرني فوجدت صدام يمنعه ويقول له بأنني رجل طيب لا أستحق ذلك, وفوجئت به في اليوم التالي يصطحب صديقه طارق عزيز ليقدم لي الاعتذار. ويؤكد عم شرقاوي أن بواب العمارة كان من المقربين جدا لصدام حسين, لأن البواب كان لا يخبر أحدا بوجوده, ما عدا أشخاصا معينين, وبعدما رحل صدام حسين عن مصر كان يرسل أموالا إلي البواب, كما أرسل له مبلغا من المال عندما أتي إلي القاهرة عام1989 لحضور القمة العربية, وقد رحل البواب منذ عدة سنوات.
ويجمع السكان القدامي علي أن صدام حسين لم يكن له أصدقاء في الحي سوي اثنين, الأول هو الصيدلي لويس وليم صاحب إحدي الصيدليات الشهيرة بالدقي, فقد كان صدام دائم الجلوس في الصيدلية مع رفاقه, وكان يذهب معه إلي البيت ويجلسان أوقاتا طويلة من الليل, وظلت علاقته قائمة به حتي وقت قريب وسافر الصيدلي كثيرا إلي العراق لزيارة صدام, وحينما وجدنا الدكتور لويس رفض التحدث عن ذكرياته مع صدام.
أما صديقه الثاني ويدعي محمد المصري فلم نعثر له علي أثر في حي الدقي.
ومن الأشخاص الذين تمتعوا بصداقة صدام حسين الحاج سيد الحلاق, الذي يتميز زبائنه بأن معظمهم من العرب الدارسين في مصر, وهو يقول عن صدام: لم يظهر يوما أنه سيكون له شأن كبير, لكنني كنت أشعر دائما أنه رجل عسكري, فقد كان أنيقا يرتدي الزي العسكري دون نياشين وكان متواضعا يحلق عندي مقابل25 قرشا, وحينما يكون مريضا يرسل لي وأذهب لأحلق له في منزله هو وأصدقائه ويدفع لي أجري وأكثر, وكان صدام يحب الجلوس عندي خاصة في الأوقات التي لا يكون صديقه لويس موجودا, وكان يطلب مني الجلوس أمام المحل ومعه أحمد حسن البكر الذي شاركه في الانقلاب البعثي ضد نظام الرئيس عبدالرحمن عارف, وسبقه في رئاسة العراق, وكان دائم الجلوس مع طارق عزيز ويطلب مني أن أذهب إلي منزل طارق عزيز لأحلق له لأنه لم يكن يعرفني, وعرفني علي العديد من أصدقائه العراقيين الذين كنت أحلق لهم في بيوتهم.