عرض مشاركة مفردة
  #98  
قديم 04-01-2007
honeyweill honeyweill غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2006
الإقامة: EGYPT
المشاركات: 7,419
honeyweill is on a distinguished road
puzzl خريف الإخوان

خريف الإخوان
31/12/2006
بقلم : سعيد الشحات .

أخشي أن يتصور البعض أن خريف جماعة الإخوان المسلمين اقترب، وأن يبني حساباته علي هذا الاعتقاد، وأن يتخذ من الحملات الإعلامية والأمنية ضدها حالياً دليلاً علي ذلك، فالجماعة التي يقترب عمرها الآن من الثمانين عاماً احترفت العمل، بل و«أدمنته» في الأجواء القاسية معها، وشواهد التاريخ تؤكد قدرتها علي التمدد في توقيتات يراهن البعض خلالها علي أنها تتكبد الخسائر، وحيلتها إلي ذلك معروفة أهمها الخلطة السحرية بين الدين والسياسة، والتعامل بخطاب ديني فضفاض يسلب وجدان العامة.

وإذا كان عقد الثمانينيات في القرن الماضي هو الشاهد علي الاستعراض الجماهيري الأكبر للجماعة بعد ثورة يوليو ١٩٥٢، فإن هذا العقد نفسه يخرج منه ما يفيد تأكيداً تحذيرياً بالتعامل مع الجماعة وكأن خريفها يقترب، فهي خاضت الانتخابات البرلمانية مرتين بنظام القائمة النسبية، واحدة بالتحالف مع حزب الوفد عام ١٩٨٤، والثانية بالتحالف مع حزبي العمل والأحرار عام ١٩٨٧، ونجح لها في المرتين عشرات النواب، ليتفجر جدل ساخن قوامه الرئيسي أقرب إلي قوام الجدل الدائر حالياً مع اختلاف في بعض التفاصيل الناتجة عن بعض المستجدات.

شمل الجدل وقتها اتهام الجماعة بالانتهازية السياسية وذلك بالتخفي وراء شعار ديني هو «الإسلام هو الحل» والذي تم رفعه انتخابياً لأول مرة في تحالفها مع العمل والأحرار، كما شمل طرح التساؤلات حول قانونية خوض مرشحين الانتخابات باسم الجماعة في حين أنها محظورة قانوناً، وأذكر وقتها أن اجتهادات ذهبت إلي أن الجماعة وضعت قدمها علي أول طريق خسارتها التاريخية، لأنها ستركز في معاركها البرلمانية علي قضايا عامة مثل تطبيق الشريعة الإسلامية، والحجاب، ومنع الخمور، وإغلاق الملاهي، وقضايا أخري ذات طابع ديني، وذلك علي حساب التصدي لقضايا الفساد وتدهور مستوي المعيشة، وتفاقم البطالة وغيرها من القضايا الجماهيرية اليومية المهمة، وأذكر أيضاً أن هناك من زاد في اجتهاده بالقول إن النظام اقتنع بنظرية «حرق» الجماعة فوضعها في هذا المختبر، وتزامن مع كل ذلك خطاب إعلامي يتهمها بأنها بلا برنامج سياسي، وأنها ضد الديمقراطية والتعددية والأقباط لأن تقييمها يقوم علي أساس ديني وليس علي أساس المواطنة، وذهبت الاتهامات أيضاً إلي أن مواقفها في القضايا الاقتصادية تقوم بجر اجتهادات من القرآن الكريم إلي منحي رأسمالي يحافظ علي مصالح الأغنياء علي حساب الفقراء، واختلطت هذه النقطة بالعداءات التاريخية لها مع ثورة يوليو ١٩٥٢.

مضت المرحلة، وجاء أول اختبار عملي ليكشف حسابات المكسب والخسارة للذين هاجموا والذين هوجموا، فكانت انتخابات عام ٢٠٠٠ أشبه بنداء من الجماعة يقول: «نحن هنا»، وذلك بفوز عدد من كوادرها، ثم جاءت صحوتها الكبري في الانتخابات الأخيرة وفوزها بـ٨٨ مقعداً برلمانياً ولولا التزوير لارتفع العدد أكثر.

أعطت تلك النتائج تأكيداً علي فشل المراهنين علي بدء خسارة الجماعة أو علي الأقل تراجعها، علي الرغم من اتساع الساحة للجميع، والعيوب الجوهرية في الخطاب السياسي لها، وما أشبه اليوم بالبارحة، فالنهج السياسي الذي ساعد علي دخول الجماعة البرلمان في الثمانينيات هو نفسه الذي نعيشه الآن، بل ازداد الوضع سوءاً، فعلي الصعيد الإقليمي تم احتلال العراق، وزادت مسارات «السلام» عقماً، وداخلياً تفاقمت الأوضاع سوءاً بارتفاع معدلات الفساد بشكل غير مسبوق في تاريخ مصر الحديث، بالإضافة إلي تفاقم قضية البطالة، وتدهور التعليم، وارتفاع معدلات الفقر، واحتكار حفنة قليلة الثروة، وإصرار الحزب الوطني علي الانفراد بالسلطة، وعدم السماح بحرية تكوين الأحزاب، وإصدار الصحف، وتهيئة الأجواء للتوريث، ويغذي هذا المناخ الفاسد التطرف قولاً وفعلاً، ويزيد من خصوبة العمل السري الذي يستقطب شباباً في عمر الزهور تأكلهم نار البطالة فيقررون شراء الدنيا بالدين، ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل هناك من يتم حل مشاكله الاقتصادية، وبالتالي يكون ولاؤه لمن أعانه في ضيقته.

إن الاستخلاص الحقيقي مما سبق يؤكد أن هزيمة الإخوان لن تكون بالحملات الإعلامية الضخمة، وبالاعتقالات لكوادرها، وإنما بمشروع وطني حقيقي يعيد لمصر هيبتها وريادتها الإقليمية، ومازلت علي قناعة بأن جماهيرية الإخوان تناقصت بعد قيام ثورة يوليو وحتي نكسة ١٩٦٧ ليس بقسوة الحملات الأمنية وإنما بفعل مشروع وطني حقيقي للبناء، وضمن شواهدي علي ذلك ما رأيته في قريتي -مازلت أعيش فيها- من مد إخواني بين الشباب العاطل في الانتخابات البرلمانية الماضية، وهي نفس القرية التي انتقلت فيها خلية نشطة للجماعة إلي تأييد كامل للثورة حين أعلنت أول قرار للإصلاح الزراعي، فيما يعني أن الشروط الصحية لصرف الجماهير عن الإخوان تكمن في قيام الدولة بتنمية حقيقية وتكف عن الانحياز للأغنياء علي حساب الفقراء.. تنمية توفر فرص عمل حقيقية للعاطلين، وتزدهر في ديمقراطية حقيقية وانتخابات حرة، ووقتها فقط ستجد كوادر شعبية حقيقية لا تتمسح بالدين.. كوادر ليست كتلك التي ذرفت الدموع أثناء مناقشة قضية الحجاب، وتقطع ألسنتها في مواجهة فساد المسئولين.


الرد مع إقتباس