فسخ الزواج العرفى بين الحكومة والإخوان
طارق مصطفي
ماذا ستفعل جماعة الإخوان المحظورة بعد التعديلات الدستورية، التى لن تسمح بحزب دينى كما يريدون، كما أنها - أى التعديلات فى حالة إقرارها - ستمنعهم أيضا من ترويج بضاعتهم من الشعارات الدينية الجوفاء والمزيفة؟! هل سيغيرون خطابهم السياسى ويصبحون حزبا مدنيا خالصا؟! هل سيتحولون إلى تنظيم سرى؟! هل يسيطرون على أحزاب صغيرة ويتحالفون مع الكبيرة؟! هل وهل وهل؟! أى وبجملة واحدة ما مستقبل هذا الكيان المحظور؟ هذا ما يجيب عنه سبعة من ألمع وأهم المفكرين المصريين.
لتكن البداية مع المفكر الكبير د.مراد وهبة الذى يؤكد أن التعديلات الدستورية المزمع إقرارها والتى ستنص على حظر تكوين أحزاب دينية أو أحزاب بمرجعية دينية، لا تعنى إلغاء حركة «الإخوان» أو تراجعها خلال المرحلة المقبلة، لأن الحركة لم تتحول أبدا إلى حزب سياسى منذ نشأتها سنة 1928 حتى الآن، ومع ذلك فهذه الحركة تزداد قوة وانتشارا إلى الحد الذى أصبحت تشكل فيه تنظيما دوليا متغلغلا فى جميع بلدان كوكب الأرض، بل تنظيما مهددا بتغيير أنظمة سياسية لدول بأكملها، أليست حماس فى فلسطين امتدادا لـ«الإخوان المسلمون» أليس الاتحاد العالمى للمسلمين برئاسة الشيخ القرضاوى مرادفا لحركة الإخوان؟! أليس حزب الوسط تحت التأسيس محافظا على هوية هذه الحركة؟! أليس الحزب الوطنى الديمقراطى موضع تساؤل عن مدى تعاطفه مع هذه الحركة؟!
قاطعت د. مراد متسائلا: إذن أنت لا ترى أن هذه التعديلات قد تؤدى إلى تحجيم دور الإخوان السياسى فى المستقبل؟!
فأجاب قائلا: نعم، لأن هناك حالة تناقض بين نص دستورى سيمنع تكوين أى حزب دينى، وبين حركة قائمة لها تاريخ ممتد إلى أكثر من سبعين عاما ولاترغب فى التحول إلى حزب سياسى، ومع ذلك تمارس الحياة السياسية كما لو كانت حزبا، بحكم تغلغلها فى الأحزاب وفى مؤسسات الدولة، وهكذا سيظل التناقض قائما وستظل الحركة قائمة، كما أن أزمة «جامعة الأزهر» التى تعود إلى وهم وقعت فيه هذه الجامعة عندما تصورت أن تعاليمها لا تسهم على الإطلاق فى إفراز مناخ دينى يسمح بتوليد حركة «إخوانية» بين الطلاب، واكتشفت أن هناك مناخا دينيا ملغما بمفهوم التكفير الذى يمتنع معه إعمال العقل فى النص الدينى.
هل أفهم من حديثك أنك تتوقع مزيدا من العنف من قبل الإخوان خلال المرحلة المقبلة؟
- أظن أن قيادة حركة الإخوان قد فطنت إلى أنها ليست فى حاجة إلى الكشف عن عنفها وإرهابها مادامت متغلغلة بدون أدنى مقاومة ومادامت ساعة الصفر لم تأت بعد، ولهذا فأنا أظن أن البديل عن اللجوء إلى العنف والإرهاب هو مواصلة الحركة لغزوها مؤسسات الدولة والأحزاب والحركات السياسية الناشئة، فضلا عن محاولة إحراج الدولة والادعاء بأن الدولة فى مقاومتها لحركتهم تحاول تنشيط الأقباط وإغراءهم بالتفاعل مع الحياة السياسية. الأمر الذى سيدفع هذه الحركة إلى الادعاء بأنها موضع اضطهاد من الدولة التى أصبحت منحازة للأقباط، وبالتالى ستثير النزاعات الطائفية، التى بدأت تهيمن على منطقة الشرق الأوسط.
- سألت د. مراد وهبة: ما سبق كان أبرز ملامح سيناريو الإخوان للمرحلة المقبلة من وجهة نظرك، ولكن السؤال هو كيف يمكن إحباط هذا السيناريو؟
- فأجاب: هذا هو سيناريو المستقبل، وهو سيناريو ليس من الممكن إحباطه إلا بتأسيس حركة علمانية، تحاول إحداث تغيير فى البنية الذهنية المصرية، وحيث إن العلمانية فى تعريفى هى التفكير فى النسبى بما هو نسبى، وليس بما هو مطلق، فيلزم ذلك أن تمتنع الدولة كى يمتنع الشعب عن طلب الفتاوى المطلقة لكل ما يتصل بالحياة العامة والخاصة لأن هذه الحياة تتميز بأنها نسبية ومتغيرة وخاصة بظروف العصر المتطورة. أما المنافسة الدينية مع حركة الإخوان الحاصلة الآن من قبل بعض مؤسسات الدولة وفى مقدمتها المؤسسة الثقافية والمؤسسة الإعلامية، خاصة أنها منافسة محكوم عليها بالفشل لأن أية منافسة من أية مؤسسة ليس لها أى وزن لأنه ليس لها تاريخ فى هذا البلد، وأعطونى حالة واحدة فى تاريخ مصر نالتها وصمة التكفير واستطعنا إزالتها، بل أعطونى حالة واحدة فى تاريخ مصر هددت بالتكفير واستمرت على حالها من غير تراجع. نقطة أخيرة أريد الإشارة إليها - الكلام للدكتور مراد - وهى أنه مادمنا نتحدث عن تعديلات دستورية، فلابد من إعادة النظر فى المادة الثانية من الدستور وبلا حساسية لأنها تعنى حتمية ومشروعية أن يؤسس الإخوران حزبا دينيا، فضلا عن أنها تعطى مشروعية دستورية لحركة الإخوان الأصولية.
«د. عبدالمنعم سعيد» - الخبير السياسى ورئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية - أراد التأكيد أيضا أنه على الرغم من المأزق السياسى الذى يعيشه الإخوان الآن فى ظل التعديلات الدستورية التى سيتم إقرارها والتى تحظر إقامة أى حزب دينى، أو ممارسة أى نشاط سياسى باسم الدين، إلا أن كل هذا لن يؤثر على نموهم وعلى قوتهم، فخطة التمدد الاجتماعى التى بدأوها تثبت نجاحهم وتفوقهم. لقد نجحوا بالفعل فى تغيير العادات الاجتماعية داخل المؤسسات الاجتماعية والحكومية وداخل الأحياء الشعبية لدى الرجال والنساء على السواء، فضلا عن نجاحهم فى زرع أنماط معينة من التفكير فى عقول الناس من خلال احتكاكهم بهم داخل الزوايا والمساجد، وكل هذا لن يتأثر بالتعديلات الدستورية.
عفوا للمقاطعة، ولكن ماذا عن الجانب السياسى، هل سيستسلمون لهذه التعديلات ولهذه المتغيرات الجديدة؟
- على الصعيد السياسى هم سيقاومون - بالطبع - التعديلات التى تحاول إقصاءهم، وسيحاولون صنع جبهات مع الأحزاب الكبرى، وإن كان الاحتمال الأرجح فى حالة إقرار التعديلات هو أن يحاولوا التسلل إلى الأحزاب الصغيرة التى لا يعرف عنها أحد شيئا وتتشوق لوجود سياسى فى البرلمان، يستطيع الإخوان توفيره لها، فضلا عن قدرة الإخوان على الاستعانة بوجوه إخوانية غير معروفة لكى تظهر على الساحة.
قاطعت د. عبدالمنعم متسائلا: هل تتوقع أن يحاول الإخوان خلال المرحلة المقبلة التشكيك فى النوايا الإصلاحية للنظام ومحاولة تسخين الشارع ضد هذه النقلة السياسية التى تمر بها البلاد؟!
- فكان رده: بالطبع سيحاولون إحراج الحكومة والحزب الوطنى، والتشكيك فى نوايا الدولة للإصلاح، وإن كان هذا يتوقف على ما سيفعله الحزب الوطنى، حيال قضية الإصلاح. أيضا أتوقع أن يحاولوا استغلال بعض القضايا التى تثيرها قضية التعديلات الدستورية، مثل الإشراف القضائى على الانتخابات، من أجل إثارة الشارع ضد الحكومة، ولكن هنا تجدر الإشارة إلى أنهم لن يسعوا للظهور وحدهم فى الصورة، بل سيحاولون خلق جبهات مع الأحزاب الكبرى فى حربهم ضد هذه التعديلات، ولكن لن يتحركوا مع «كفاية» لأنهم يتحفظون عليها. وأؤكد مرة أخرى أن هذا يتوقف على كيف سيتعامل الحزب الوطنى حيال قضية الإصلاح خاصة أنه لم يقنع الناس بعد - على الأقل - بأنه سيضمن الحريات الشخصية، ولو لم ينجح الحزب الوطنى فى إقناع الناس بهذا فسيسعى الإخوان إلى ملء المساحات الفارغة التى لم يملؤها الحزب الوطنى من أجل التواجد السياسى عن طريق التشكيك فى مدى شرعية هذه التعديلات وجدواها.
د. عبدالمنعم، هل تعتقد بعد قضية ميليشيات الأزهر أن يلجأ الإخوان إلى مراجعة خطابهم السياسى؟
|