عرض مشاركة مفردة
  #5  
قديم 15-01-2007
boulos boulos غير متصل
Gold User
 
تاريخ التّسجيل: May 2006
المشاركات: 1,586
boulos is on a distinguished road
إعدام صدام

جمال البنا
قرأت معظم ما جاء في الصحف عن إعدام صدام حسين، ورأيت في التليفزيون، وعلي شاشة الكمبيوتر كلام المؤيدين والمخالفين، ولمسنا ردود النظم العربية التي كان أشدها طغياناً وخداعاً .. أكثرها حزناً وحداداً.
ورأيي الخاص أن صدام ما كان يستحق محاكمة اصلاً، فهو قاتل محترف بدأ حياته "السياسية" بمحاولة اغتيال عبد الكريم قاسم، وما أن تمكن من الحزب حتى أقصي كل الذين أحسنوا إليه، أما معارضوه فإنه ما كان يقيم محاكمات لهم، ولكن يقتلهم فوراً، وفي بعض الحالات تولي هو بنفسه، وبمسدسه هذه المهمة، فضلاً عن الاغتيالات والاعتقالات والتعذيب واستخدام اسلحة الدمار الشامل في ضرب الأكراد وضرب الشيعة، وقتله الإمام الصادر واخته، وتهجير عشرات الألوف من أرضهم ثم الزج بالعراق في حرب عبثية مع ايران قتل فيها مليون عراقي وإيراني واستنفدت مالية العراق واجهضت ثورة إيران، وانبعث كما انبعث أشقاؤه فغزا الكويت رغم التحذيرات المتكررة فحقق الأمريكيون حلم العمر، بأن تكون لهم داخل السعودية والكويت قواعد وجنود بدعوة من الدولتين، وبالتالي تنفق الدولتان عليهما، لأن أمريكا تحميهما من "البعبع".
ما من طاغية وصل من الفجر والعتو والاستعلاء والقتل وإشاعة الرعب والقهر والخوف مثل صدام، وكان هذا لم يكن كافياً، فقد أطلق ولديه الشقيقين عدي وقصي يعيشان فساداً وغطرسة وتكبراً.
فلو أن هذا الطاغية قطع إرباً إرباً لما كان هذا يكفر عن جرائمه في حق شعبه.
وقالوا إن المحاكمة باطلة، لأنها عقدت في ظل الاحتلال الأمريكي، كأن الشرق كله لم يمض سحابة العصر الحديث في ظل الاستعمار الإنجليزي والفرنسي، ولو جاز هذا المنطق لو جب أن يكون كل محاكمات الدول العربية وسياساتها وتصرفاتها باطلة، وقد أمضت مصر حقبتها الليبرالية (من ثورة 1919 حتي انقلاب 1952 في الوقت الذي كان فيه قرابة 80 ألف عسكري بريطاني في قاعدة قبال السويس ومدينة القاهرة، وقد تابعنا علي التليفزيون قواعد وسير المحاكمة، فلم يكن علي رأسها ضباط، ولكن قضاة، واتبعت كل القواعد المرعية،وكان لصدام محامون من أعلي المستويات، وكان له شهود، وكان يرد علي المحاكمة بصلف واستعلاء، ويعلن رفضها، وأنه الحاكم الشرعي للعراق، فلو كانت هذه المحكمة من تدبير أمريكا لا ستحقت الشكر، واين هي مثلاً من محكمة دنشواي التي أقامها كرومر ، ودفع ثمناً لهذا إقالته من منصبه.
ومن اسخف ما قيل انه كان رئيس دولة، وهناك طرق خاصة لمحاكمة رؤساء الدول، فهل نعود إلي القرون الوسطي التي كان العامة لهم محاكم خاصة يفصل فيها النبيل، كما كان للنبلاء محاكم خاصة يفصل فيها الملك، إذا كان رسولنا العظيم يعرض نفسه للقصاص، وإذا كان عمر بن الخطاب يسوي بين جبلة بن الأيهم وإعرابي من فزارة فيقول جبلة: "تقضي منه وأنا ملك وهو سوقة"، فيقول عمر: "الإسلام سوي بينكما"، نحن لا نعرف محاكمة خاصة للحكم وللطغاة، بل نري أن يقف الجميع سواء أمام القانون حتي لا يتحكم أحدهم في حماية وحصانة المحاكمة الخاصة التي يحاكم فيها أمثاله، وأعتقد أنه للمرة الأولي يتحسس عدد من الطغاة رقابهم عندما نفذ الحكم.
اذكر الذين يتباكون علي المحاكمة بمحكمة المهداوي التي كان ينشد فيها الشعر قبل أن يصدر أحكام الإعدام بالجملة، ومحاكمة جمال سالم العبثية الساخرة التي كان يهزأ فيها من شيوخ اجلاء، وقيل انه طالبهم بقراءة الفاتحة بالمقلوب!!!
أذكر المتباكين بمحكمة "الدجوي" التي كان المتهمون عندما يصرون علي الإنكار، يرفع الجلسة ليعذب المتهمون في مبني المحكمة نفسه حتي يضطروا إلي الاعتراف.
اذكر المتباكين بنهاية موسوليني الذي قضي عليه بالموت بقضية شيوعية وأفرغوا فيه وعشيقته الرصاص ثم علقوهما من أقدامهما، وبنهاية شاوسكو الذي انتزعته هو وزوجته الجماهير وأنهيا حياتهما، ونهاية "عصابة الأربعة في الصين" وقد كان منهم زوجة ماو تسي تونج.
إن محكمة صدام من هذه المحاكمات هي تماثل فندق خمسة نجوم. وأعجب جداً، فكل الصحف بلا استثناء تنسب الحكم إلي بوش، كأن صدام كان العدو اللدود لبوش وأمريكا، والحقيقة أنه كان حليفها، وقد حقق لها كل ما تريده، وأتصور أنه لو كان الأمر لبوش وحده لنقله إلي أمريكا ولسعي لكي يظفر بالبراءة، ولكي يعيش بفضل ملايينه في البنوك.
ان العدو الحقيقي لصدام هو الشعب العراقي الذي جني عليه طوال 35 سنة وأذاقه الذل والقهر واستنزف أمواله، واتضح في النهاية أنه جبان رعديد، فلم نره علي رأس جيشه، ولم يحارب "الحرس الجمهوري، وكان يتحدث عن أم المعارك، كما كان أحمد سعيد يتحدث عن الطائرات الإسرائيلية التي اسقطتها مصر في سنة 1967، وسقطت بغداد دون قتال تقريباً، فأين كان "فحل العرب" والجنود الأشاوس والطائرات والمدافع، هل قبض عليه وهو في حجرة عمليات يدير المعركة.
اننا حتي الأن لا يمكن أن نبرر أو نفهم موقف الجيش العراقي، وموقف قادته، وموقف القائد الأعلي الذي لاذ بالفرار ووضع نفسه في جحر أشبه بالقبر حتي استنقذه الأمريكيون منه الفار، ولو كان لديه ذرة من الكرامة والكبرياء لحارب أو لانتحر كما فعل هتلر.
حتي ما يؤخذ علي المسئولين من تنفيذ الحكم يوم عيد الأضحي الذي يكون له محله لو كانت المحاكمة لمنعهم عادة بالنسبة لأي منهم عادي فليس لها محل بالنسبة لصدام حسين الذي كان دابه أن يدمر كل المقدسات، فليس له ان يشكو أمر خاصاً باللياقة، بل لعل هذا كان مطلوباً لابراز صراحة العدالة، وهي صراحة مطلوبة بكل ما تتطلبه في حالة صدام، حيث لا توجد إثارة من شك في سجل جرائمه الدموية وممارساته للإنسانية مع الأطفال والنساء والشيوخ والعلماء.
وفي التاريخ العربي أن خالد بن عبد الله العشري أمير العراقيين كان قد قبض علي جهم بن صفوان، فلما كان عيد الأضحي خطب الناس وضمن خطبته بأن أمرهم بأن يذهبوا لنزع أصحابهم وأنه سيضحي بالجهم.

وبعد كل هذا، كانت عدالة البشرية تعجز أن توقع علي صدام، لأن من قتل فرداً عامداً متعمداً يقتل، فكيف تحقق العدالة عليه قتل مائة ألف، وليس له إلا روح واحدة !!
وهل عدلاً أن يكون عقوبة من قتل فرداً مثل من قتل مائة؟ وهل من العدل قتل خمسمائة فرد.
انني لم أفهم حكمة الأية "كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب" إلا عندما فكرت كيف يمكن تحقيق العدالة مع الذين قتلوا المئات والألوف؟ وكيف يجب أن يختلف عقابهم عن عقاب من قتل فرداً؟؟

الرد مع إقتباس