نظام الرئيس حسني مبارك (1981- )
3) نظام الرئيس حسني مبارك (1981- )
بفضل البصيرة السياسية للرئيس أنور السادات، لم تنزلق مصر في صراع السلطة على أثر اغتياله. فقد كان المصريون والعالم الخارجي على معرفة جيدة وطيبة بنائب الرئيس حسني مبارك الذي اختاره السادات نائبا له منذ عدة سنوات. وبناء عليه كان انتقال السلطة إلى الرئيس حسني مبارك هادئا ودستوريا وتظل من الأمور الغريبة سياسيا على واقعنا الحالي أن الرئيس مبارك الذي يرجع الفضل بدرجة كبيرة إلى تقلده السلطة دون صراع عليها إلى كونه نائبا لرئيس الجمهورية، يتردد حتى الآن في تعيين نائب له. الأمر الذي ينطوي على درجة من المخاطرة لأن ينشأ صراع على السلطة من بعده. ففي دولة مثل مصر ينص دستورها على استفتاء الشعب على مرشح وحيد لرئاسة الجمهورية، ولا يسمح بانتخاب الرئيس ضمن أكثر من مرشح فإن الخبرة السياسية لا تتوفر في مجال اختيار المرشح الوحيد الذي يجري استفتاء الشعب عليه، ذلك لأن الحالتين السابقتين لتقلد السادات ومبارك السلطة كانت تتوفر في كل منهما اعتبارات كون المرشح يشغل منصب الرجل الثاني في الدولة مما جعل ترشيحه، أمرا حتميا لا بديل له.
كما تجدر الإشارة إلى أن الرئيس مبارك يشغل منصب رئيس الجمهورية منذ عام 1981 ولمدة 23 عاما حتى الآن بفضل تعديل دستوري تم أثناء عهد الرئيس السادات عام 1981 يتيح تجديد فترة ولاية رئيس الجمهورية لمدد متتالية بدون حد أقصى . وفي هذا الإطار تظل الرؤية غير واضحة بالنسبة لاحتمالات الإصلاح السياسي الذي طال انتظاره لبلورة أي شكل من أشكال تدوير وتداول السلطة، الأمر الذي يتطلب تعديلا دستوريا.
أما بخصوص الحريات الدينية واحترام حقوق الإنسان وحقوق المواطنة للأقباط، فإن سجل عهد مبارك في هذا الخصوص يقصر عن التأهل للمعايير المقبولة دوليا. وبالرغم من أن الرئيس مبارك يتسم بالسماحة وعدم التعصب على المستوي الشخصي، إلا أنه تبقى درجة كبيرة من القلق إزاء عدم سماحه بإصلاح تشريعي يضع حدا للتفرقة بين المصريين-مسلمين وأقباطا-بالنسبة لحقهم في بناء دور العبادة، الأمر الذي يتركز في سلطة رئيس الجمهورية في إصدار قرارات جمهورية لحالات الموافقة على بناء الكنائس للأقباط، دونا عن حالات بناء المساجد للمسلمين.
أيضا عدم سماحه بإصلاح سياسات وممارسات سائدة من أجل إعطاء الأقباط نصيبا عادلا من الحق في تقلد المناصب القيادية في جميع المجالات الرئيسية في الدولة مثل المؤسسات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية، والقضائية، والتعليمية ، والعسكرية ، والأمنية وغيرها.
وبالأخذ في الاعتبار المناخ المريض الذي تفرزه مثل تلك السياسات في المجتمع وخاصة الطبقات الدنيا غير المتعلمة وغير المثقفة منه ، يسهل على المرء إدراك أسباب تنامي ثقافة عدم قبول الآخر والكراهية التي يتعرض لها الأقباط خاصة في صعيد مصر وريفها، حيث ينظر إلى الأقباط كمواطنين من الدرجة الثانية وينعتون بالكفار ويستباح تعريضهم لأشكال عدة من التحرش والمضايقات.
كما لا يمكن غض النظر عن ظاهرة مريرة مستفحلة وهي فساد وانحياز عناصر كثيرة من جهاز الشرطة ضد الأقباط، حيث لا تخفي تلك العناصر تعاطفها وتشجيعها للممارسات التي يتعرض لها الأقباط، بل أنه من الثابت في بعض الحالات أن تلك العناصر اشتركت في التحريض وانحازت ووفرت غطاء الحماية للمجرمين والمعتدين والإرهابيين الذين هاجموا الأقباط. ولا يمكن إعفاء نظام الرئيس مبارك من المسئولية عن هذا الفساد بسبب انعدام آليات الشفافية والمساءلة لأجهزة الأمن والشرطة.وذلك واقع تفضحه أحكام القضاء في أحداث العنف التي تعرض لها الأقباط وعلى رأسها أحداث قرية الكشح الثانية التي إندلعت في 2 يناير 2000 وراح ضحيتها 21 من المواطنين الأقباط وفشل القضاء في تجريم الجناة أو إدانتهم أو إصدار أحكام بالحبس عليهم نتيجة قصور تحقيقات الشرطة وفساد الأدلة كما ورد في حيثيات الحكم.
أما عن دور «وطني» في تحقيق رسالتها في عهد الرئيس مبارك، فبفضل هامش عريض لحرية التعبير وقفت «وطني» بقوة ضد جميع أشكال الغبن والتفرقة والتهميش التي يتعرض لها الأقباط. فعلى مدي هذه الفترة الطويلة الممتدة من عام 1981 حتى يومنا هذا تصدت «وطني» لقضايا التفرقة التشريعية، والهجمات الإرهابية على الكنائس والممتلكات القبطية، وحالات التنكر لحق الأقباط في تقلد المناصب القيادية وحقهم في الترشيح للمجالس التشريعية المنتخبة.
ولكن للأسف يجب الاعتراف بأن رد فعل الدولة إزاء جهاد «وطني» في هذا الإطار كان هزيلا وغير ملموس، أما الأمر المشجع على النقيض من ذلك فهو المردود الوطني من جانب الرأي العام مسلمين وأقباطا- والذي يعكس وعيا متزايدا بهذا الواقع ويعبرعن إهتمام ملحوظ بأننا معا علينا الكثير لنفعله للمطالبة بالتغييرثانيا: تمهيد الطريق نحو مستقبل أفضل:
رؤية «وطني» نحو كيفية خلق مستقبل أفضل لمصر لا تعتمد على علاج المشكلة القبطية وحدها، فالمشكلة القبطية تشكل جزءا من ملف أكبر للمشاكل المجتمعية المصرية سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية، وإهمال الملف الأكبر والاقتصار على الجهاد من أجل المشكلة القبطية وحدها يعد خطأ جسيما.
عوضا عن التصادم مع النظام في مصر وتحديه لإحداث التغيير، وهو الأمر الذي لا تمتلك «وطني» أدواته. تنتهج الجريدة منهجا مختلفا يعتمد على نشر مبادئ المحبة وقبول الآخر بين المصريين هذا المنهج مؤسس على الميراث الوطني الذي صكه آباؤنا في العصر الليبرالي الذي ساد النصف الأول من القرن العشرين، والذي اتسم بالاختلاط والاندماج الطبيعي بين المصريين في شتى مجالات الحياة، ونجح في كسر شوكة التأثير القوي للهوية الدينية التي تفصل بينهم ليحولها إلى ثقافة قبول الآخر وضمان حقوق مواطنة متساوية.
هذا الميراث الوطني أيضا يدعو إلى طريق واحد لا بديل له لعلاج المشاكل بين المصريين وهو طريق الحوار ال»وطني»، عوضا عن السعي لدعوة التدخل الأجنبي أو تشجيع الضغط الخارجي أو توقيع العقوبات بشتى أشكالها على مصر، فتلك المعايير المرفوضة إذا طبقت بسبب المشاكل القبطية من شأنها أن تضر بالعلاقة الحميمة التي تربط بين المصريين.
|