ومن هذا المنطلق يمكننا أن نطلق القبطية على الفراعنة الوثنيين ولا يمكن بأى حال من الأحوال القول بأن المسلمين أقباط , وهذا ليس تعصب دينى أو تطرف فكرى , وإنما هى حقيقة تاريخية يجب أن نضعها نصب أعيننا , وتعالى معى عزيزى القارئ لنستعرض ذلك بحيادية وموضوعية منزهة عن أى افتراء شخصى.
يستدعينا هذا فى البداية أن نبحث عن الأصل التاريخى لكلمة " قبطى " ...
عندما أتى " مصرايم " بن حام بن نوح بعد الطوفان وسكن منطقة وادى النيل , سميت البلاد باسمه " مصر " , وكان أحد أحفاد مصرايم شخصاً يدعى " قفطايم " , فقام قفطايم ببناء مدينة فى صعيد مصر وسكن فيها , وأخذت هذه المدينة أسمه , فسميت " قفط ".
وأصبحت مدينة قفط هذه فيما بعد إبان العصور الفرعونية مركزاً تجارياً هائلاً لمصر , بل كانت هى الباب الرئيسى والأوحد لدخول وخروج السفن التجارية فى علاقات مصر مع البلاد الخارجية من الهند والشرق الأقصى , حيث كانت البضائع الواردة من الخارج تأتى عبر المحيط الهندى إلى البحر الأحمر , ومنه إلى الصحراء الشرقية عن طريق مدينة القصير , ثم تنقل من الصحراء الشرقية إلى مدينة قفط بواسطة الإبل , ثم توزع من قفط إلى جميع أرجاء مصر. أما البضائع المصدرة من مصر إلى الخارج فكانت تسير فى نفس الطريق ولكن بشكل معكوس , حيث كانت البضائع جميعها تجمع فى مدينة قفط , ثم تنقل بواسطة الإبل إلى الصحراء الشرقية , ومنها إلى البحر الأحمر عن طريق مدينة القصير , ومن البحر الأحمر إلى المحيط الهندى ومنه إلى العالم الخارجى.
" وكان هذا قبل إنشاء الإسكندر الأكبر لمدينة الإسكندرية فى عام 332 ق.م. , وهى التى سحبت البساط من تحت قدمى مدينة قفط لوقوعها على البحر المتوسط وقربها من العالم الغربى. "
وعلى هذا كانت البضائع الصادرة والواردة تنسب لمدينة قفط , فتسمى بضائع " قفطية " , ومن هذا المنطلق سمى ابن هذه المدينة " قفطى " , ونتيجة للشهرة الهائلة التى حققتها هذه المدينة بشكل فاق أسم مصر نفسه , أصبح لقب " قفطى " يطلق على كل أبناء مصر , وتدرج هذا اللفظ مع مرور الزمن وتطور اللغة المصرية القديمة من الهيروغليفية إلى القبطية , فأصبح " قبطى ".
ومن المآسى التاريخية التى لا تنسى , والتى لا يمكن أن نتحدث عن مدينة قفط دون أن نعرض لها , فهذا من حقها التاريخى علينا , ولو اعتبرناه كلحظة حداد على تاريخ تلك المدينة ... إن هذه المدينة العظيمة والتى ذاع صيتها عبر أكثر من خمسة آلاف سنة ونالت شهرة عالمية هائلة فاقت شهرة مصر نفسها, قد خربت تماماً إبان حكم الدولة الأيوبية لمصر فى الفترة ما بين ( 1171 - 1250 م. ) , حيث أن أهالى هذه المدينة بعد أن فاض كيلهم , وتفجرت طاقاتهم بأخر ما يمكن أن يتحمله بشر لما قاسوه من ظلم واضطهاد على يد صلاح الدين وأتباعه , نراهم يثورون صارخين ضد هذا الظلم والاستعباد والمهانة التى لا تتحملها أدنى الفئات إنسانية , خاصة وأن سكان هذه المدينة فى ذاك الحين كانوا من صفوة الأقباط , لما كانت تتمتع به مدينة قفط من موقع استراتيجى وتجارى هائل , فلم يكن من صلاح الدين إلا أن كلف أخاه العادل والملقب" بشمس الدولة " بصد هذه الثورة , فقام هذا العادل بنهب المدينة وتخريبها وهدم كل بيوتها وأبنيتها ومنشآتها حتى سويت بالأرض , وقبض على ثلاثة آلاف من سكانها وصلبهم على الأشجار التى كانت حول المدينة معلقاً إياهم من عمائمهم , وبعد ذلك وضع صلاح الدين يده على ممتلكات الأديرة والكنائس وأنعم بها على أعوانه وأتباعه. , وهكذا تلاشت تلك المدينة العظيمة ذات التاريخ الجليل والتى استمد منها الأقباط اسمهم , وأصبحت الآن قرية صغيرة فقيرة شبه معدمة فى صعيد مصر.
وعلى هذا فنحن لا نوعز القبطية إلى الاعتقاد الدينى , إنما إلى الأصالة العرقية ونقاء الجذور.
وفى ضوء كل ما سبق , , يمكننا أن نتتبع تلك الأصالة العرقية " ونقاء الجذور " بعد دخول كل من المسيحية والإسلام إلى مصر كما يلى :-
__________________
مصر بلاد المصريين
|