بقلم : نـبـيـــل عــمــر
سؤال بسيط للغاية يسأله الكاتب المسرحي اللامع لينين الرملي لنا جميعا: ألم نزهق بعد من لبس الأقنعة؟!
من فضلكم.. لاتتسرعوا في الاجابة عنه, ولاتأخذ الحمية بعضكم فيجعلها معركة شخصية وينبري للرد والنزال والدفاع والهجوم, فالأمر اخطر من أن نأخذه بخفة أو بعصبية, باستخفاف أو بتشدد, بإقدام أو بتراجع!
واتصور انه سؤال مراوغ, أكثر صعوبة مما يبدو لنا.. لأنه يحاول ان يدفعنا إلي التفكير والتأمل والتدبر قبل ان نجيب.
بل اتصور أنه دعوة جادة جدا.. دعوة أن نكون انفسنا: الوجوه الكلمات, الأمنيات, دقات القلب, نبض العروق, النيات, التصرفات والأفعال!
وهنا يكمن السر في صعوبة السؤال.
فهل يمكن بسهولة أن نخلع الاقنعة التي تزيف ملامحنا واصواتنا واحلامنا لنكون انفسنا كما هي وليست نفوس اشخاص آخرين أو شعوب اخري أو قوي أخري أو نفوسا مضطربة أفكارها خليط مرتبك من عصرنا ومن عصور اسلافنا واسلاف اسلافنا؟!
قد يتعجب البعض, ومن قال أصلا ان وجوهنا عليها اقنعة فلم نعد نتعرف علي انفسنا؟!
هذا سؤال أسهل.. ويكفي أن ننظر حولنا في الشارع والعمل وفي أي مكان لنعثر علي اجابته, اذا كنا فعلا جادين في معرفة الحقيقة وليس تثبيت الاقنعة علي وجوهنا؟!
هل ماحدث في العياط من ضرب وشوم وتدمير واصابات هو بفعلنا وانفسنا كما هي أم بفعلنا وانفسنا وهي تحت اقنعة لاتمت لنا بصلة؟!
بمعني: هل وجوه الجناة والضحايا حقيقية أم وجوه مزيفة تغطيها اقنعة التعصب والتطرف والتشدد باسم الدين؟!
هل في صلاة المسيحيين في منزل يتوسع ضرر من أي نوع علي المسلمين؟!
هل في الإسلام مايحرض أهله علي منع اصحاب الديانات الأخري من بناء كنائس أو معابد بالقوة؟!
وإذا فرضنا ان صاحب البيت المسيحي خالف القانون وتوسع في بيته ليحوله إلي كنيسة, فما علاقة سكان العياط من المسلمين بالأمر؟! لماذا لبسوا اقنعة السلطة ومارسوا دور الدولة في تنفيذ القانون وهم مجرد مواطنين عاديين؟!
هل يقبلون ان يلبس مواطنون آخرون اقنعة الدولة ويمارسوا دورها ضدهم في أي مخالفة ضد القانون؟!
إنها لعبة الاقنعة, كل منا يلبس قناعا علي وجهه, ويلعب دورا في الحياة غير دوره كما لو أن دوره الاصلي لايرضيه أو لايكفيه..
بل إن البعض منا يلبس قناع الشرف, قناع التدين, قناع الفضيلة, قناع الجدية, قناع الصدق, قناع النزاهة, قناع الحب, قناع التسامح, وهو فاسد أو لص أو مهمل في عمله أو محتكر في سلعة, أو مراب في ماله, أو حاقد, أو حاسد أو متطرف أو إرهابي!
وهذا ماحدث في العياط وتنبأ به لينين الرملي في مسرحيته الجملية اخلعوا الاقنعة فالاقنعة ضيعت ملامحنا فلم نعد نعرف القريب من الغريب ولا الصديق من العدو, فحدث الاشتباك بين انفسنا في العياط وأصاب بعضنا بعضا في معركة وهمية!
قد تكون احداث مسرحية لينين مختلفة عن أحداث الواقع.. لكنها تضع يدها علي جوهر هذا الواقع المختل.. وتشرح اسباب ولع الناس بلبس الاقنعة المزيفة, فهذه المدينة الجميلة مسرح الأحداث استوحاها لينين من ألف ليلة وليلة, ليمنح نفسه مساحة واسعة من الحرية ليقول ما يشاء بجرأة متناهية دون أن يتربص به رقيب أو حسيب, والمدينة يعود إليها زوجان من سكانها بأقنعة بعد هجرة سنوات إلي مدينة مجاورة, ومن أول لحظة يعملان علي اقناع أهل المدينة بارتداء هذه الاقنعة مثلهما, فهي تخفي العيوب والمثالب وتظهر الأدب والاخلاق!
وبالفعل ينجحان في تقنيع المدينة بأسرها, رجالها ونساءها, فقراءها واغنياءها بسطاءها وحكامها, حتي صار من يمشي غير مقنع من الخارجين علي الاداب والفضائل ومكارم الاخلاق, مع أن الاقنعة تزيف الملامح والنفوس وتستغل ايضا في افعال قبيحة, فرجل الدين غش الناس وانتحل شخصية اخيه لـ يفتي بأن الاقنعة هي الفريضة, والحاكم استغله ليكسب العامة إلي جانبه, وحاشية الحاكم لعبت بها في اخضاع الناس لهم.. وهكذا حتي اكتسبت الاقنعة حصانة التقاليد والقيم والأعراف والدساتير!
لكن علاء الدين يرفض الاقنعة دفاعا عن ملامحه وحقيقته, ويحاول إثناء الناس عنها, ثم يضطر إلي السباحة مع التيار العام الضاغط الذي اتهمه بالخروج عن التقاليد المرعية ويلبس قناعا, لكنه لم يستطع ان يعيش خلفه سعيدا إذ كاد يخسر نفسه وحبيبته نور الهدي, فعاد إلي نفسه يقاوم الناس الذين وقعوا في أسر الاقنعة ولم يعد بمقدروهم أن يخلعوها!
ادار لينين الرملي شخصياته بمهارة فائقة, وجاء الحوار بديعا مثيرا معبرا عنها في الواقع إلي اقصي درجة!
وأكاد اسمع عبارات الحوار وهي تقال علي ألسنة الجناة والضحايا في احداث العياط بنصها ومبرراتها.. أليسوا من لابسي الاقنعة مثلنا جميعا؟!
فهل يمكن ان نخلعها ونعود إلي انفسنا, كما يدعونا لينين الرملي, لعلنا ننجح في النهوض ببلادنا؟!
كلمات صادقة عجبتنى وتدل عل مدى الحب الذى يجمع المصريين مهما حدث
نوال
|