عرض مشاركة مفردة
  #64  
قديم 23-05-2007
Maged Morcos Maged Morcos غير متصل
Silver User
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2005
المشاركات: 161
Maged Morcos is on a distinguished road
حق الفتوى
وهذا يقودنا إلى معركة مكتومة ـ قيل وقتها إنها كانت في سياق صراع بين المفتي الأسبق وشيخ الأزهر ـ حول الجهة المعنية بالتصدي للفتوى في مصر، وما إذا كان القول الفصل في هذا المضمار لدار الإفتاء، أم للأزهر، وهنا يقطع مفتي مصر الأسبق الدكتور نصر فريد واصل بأن "دار الإفتاء هي الجهة المنوط بها إصدار الفتاوى بحكم وظيفتها"، بل ويطالب بحسم تحديد المرجعية المعتمدة لدى نشوب أي خلاف في القضايا الفقهية، وحتى يلتزم الناس بما تتوصل إليه من فتاوى ولا يقعون فريسة الفتاوى المتضاربة، ليخلص في النهاية إلى القول إن دار الإفتاء هي الجهة المختصة بنظر اختلاف الفتاوى بين الفقهاء، لما لها من ولاية شرعية في ذلك وللحفاظ على وحدة المسلمين".


لكن شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي كان له رأي آخر في هذه الإشكالية، إذ أكد أن الفتاوى التي تصدر عن الأزهر تخرج عن مجمع البحوث الإسلامية، وأن المفتي عضو في هذا المجمع، مؤكداً أن "الفتوى لا تصدر إلا بعد دراسة وافية للقضية وعرضها على مجلس المجمع، وما يقره المجمع يتم الالتزام به من جانب مختلف الأطراف".


وهنا تجدر الإشارة إلى أن دار الإفتاء المصرية تأسست في تسعينات القرن التاسع عشر، وكان الشيخ محمد العباسي المهدي أول من تولى إفتاء مصر، ثم جاء بعده حسونة النواوي فمحمد عبده الذي بقي في الإفتاء حتى وفاته عام 1905 ثم محمد بخيت المطيعي .


وعودة إلى الدراسة التي أشرنا إليها، والتي تعرف الإفتاء بأنه يحمل في جوهره الحكم أو الرأي الشرعي في مسألة ما على سبيل الاستشارة وليس الإلزام، وغالبا ما تسبق بسؤال يكون موضع اهتمام شخص أو جهة أو مؤسسة ما، وتختلف الفتوى في ذلك عن دور مؤسسات أخرى مثل القضاء وذلك في عدة أمور أهمها طبيعتها الاستشارية، وعدم إلزامها كعنوان للحقيقة .


وفي الجانب الآخر من هذه الإشكالية، يأتي رأي الدكتور محمد رأفت عثمان، عميد كلية الشريعة والقانون في جامعة الأزهر، في معرض تعريفه للفتوى بأنها "إبداء حكم شرعي في مسألة من المسائل أو قضية من القضايا"، لافتاً إلى أن "هذه ليست مهمة هينة يتصدى لها أي إنسان، بل هي شأن دقيق يقتضي التأهل بالاتصاف بدرجة علمية رفيعة، وحتى ذلك أيضاً لا يعني أيضاً أن كل دارس لأحكام الشريعة يصبح بالضرورة من العلماء المؤهلين للفتوى في المسائل الشرعية".


ويذهب الدكتور صبري عبد الرؤوف أستاذ الفقه المقارن في جامعة الأزهر، إلى ما هو أبعد من ذلك الرأي أيضاً، إذ يقطع بلغة واضحة أن "الفتوى من غير المتخصصين باطلة ولا يعتد بها"، وذلك "لقطع الطريق على الدخلاء"، ويمضي قائلاً إن "الفتوى من غير المتخصصين لا يعتد بها لأنها شأن أي علم له أصوله وقواعده، ولا يستطيع الإفتاء إلا من كان عالماً بقواعده، ومنها أن يجتمع فيه العلم بكتاب الله وسنة رسوله، والناسخ والمنسوخ، وأن يكون عالماً بالحديث دراية ورواية، ملماً بقواعد اللغة العربية وأساليبها" في إشارة إلى أن هذه أبرز الشروط ـ القاسية ـ التي اتفق بشأنها العلماء والفقهاء على مدى قرون.

الإفتاء المدني
ويسعى الباحث عبد العزيز شادي في دراسته التي أشرنا إليها، إلى محاولة رفع الالتباس الحاصل بين السياسة والإفتاء، إذ يطرح ما يطلق عليه "مفهوم الإفتاء المدني"، معتبراً أن ظاهرة شيوع الإفتاء عمق دائرة التفاعل بين الفتوى الرسمية من جانب والتفاعلات الاجتماعية من جانب آخر، فأصبح الإفتاء المدني يمثل ضمير المجتمع المدني، وإحدى صور رقابته على الدولة بمؤسساتها المختلفة، كما يمارس المجتمع بفئاته الاجتماعية وظيفة مهمة في ضبط عقيدة الدولة، وفقاً لتصور الباحث لجدل العلاقة بينهما .
ثم يخلص الباحث في هذا السياق إلى نتيجة مؤداها أن الإفتاء الرسمي أصبح قائداً للعديد من سياسات الدولة، ويضرب مثلاً بما جرى في مؤتمري الإسكان والمرأة، حيث يقرر الباحث هنا أن "سياسة الدولة الرسمية باتت قائمة على أساس الفتاوى"، لكنه يستدرك موضحاً أنه "عندما يتعلق الأمر بالسياسات الاستراتيجية العليا كالاقتصاد والسياسة الخارجية يقتصر دور الإفتاء على تبرير السياسات، وليس صناعتها أو حتى المشاركة فيها"، باعتبار أن هذه "مناطق محظورة" لا تحتمل اجتهادات الهواة في غير مضمارهم، حتى لو كانوا من المتخصصين في العلوم الشرعية، باعتبار أن صناع القرار هنا عند هذه المنطقة تحديداً يدركون جيداً أن التقديرات الصحيحة فيها لا يمكن التماسها لدى غير خبراء السياسة والاستراتيجية والاقتصاد والشؤون الاستراتيجية.


وهنا تثور مسألتان، الأولى تتعلق بما أطلق عليه الباحث "الإفتاء المدني"، والثانية تجسد مستوى وحجم التفاعل الذي يتصوره الباحث إيجابياً بين "آلة الفتوى" واحتياجات المجتمع ممثلة في المصالح المرسلة، خاصة تلك التي اقتضتها تطورات العصر.


كما تجدر الإشارة هنا إلى أن الفتوى لا تُعد ملزمة في الاسلام السني، والأزهر والمفتي في مصر لا يتدخلان عادة بإبداء الرأي الا عندما يُسألون. لكن لا شيء يمنع المفتي أو شيخ الأزهر من إصدار بيان في شأن عام داخل مصر او خارجها إذا أرادا، ولا تخرج الهيئتان عادة عما تريده الدولة، لكن من المعروف ان شيخ الأزهر السابق جاد الحق علي جاد الحق خالف توجه الدولة منتصف التسعينات في شؤون تتعلق بالبنوك، فما تزال قضايا الربا والتأمين وبعض العقود التجارية والبحوث المعاصرة حول الجينات وتأثيراتها على الحياة البشرية، كل ذلك، ما يزال مجال أخذ وردّ حتى يومنا هذا.


التحقيق منشور في ايلاف دجتال يوم الثلاثاء 23 مايو 2007

http://65.17.227.80/ElaphWeb/Reports/2007/5/235603.htm

آخر تعديل بواسطة Servant5 ، 23-05-2007 الساعة 11:19 PM السبب: larger font
الرد مع إقتباس