يعيب فضيلته علي الباحث تفسيره الفعل «يصلون علي» بـ«يهدون قلبه» في قوله تعالي: (إنَّ اللّهَ ومَلائِكَتَهُ يصلونَ علي النبي يا أيهَا الذينَ آمنُوا صلوا عليهِ وسلمُوا تَسْليمًا) «الأحزاب - ٥٦»، وذلك في ص ١٥٣ من النسخة القديمة، ويري فضيلته أنه تفسير بعيد عن التأدب مع مقام الرسول، وأنه يدل علي أن الباحث كان حريصًا علي الإتيان بكل غريب.ولكن الباحث غير تلك العبارة في النسخة المعتمدة للمناقشة، فأصبحت: يهدونه للخير، ويفهم من المثالين اللذين عرضهما الباحث أنه يقصد «يشيرون عليه بالذي هو خير عندما يتشاورون معه في أي أمر من الأمور»،
ولا شك أن الباحث يكون قد جانب التأدب مع مقام الرسول، لو أنه قصد بقوله «يهدونه إلي الخير» أنهم ينقذونه من الضلال، أو يعرفونه بالدين، ولكن الباحث قد أفصح أنه لا يقصد شيئًا من ذلك، فقد عرض الباحث نصوصًا عديدة من القرآن الكريم تؤكد أن القرآن يستخدم الهدي والضلال بمعني القرب أو البعد من الخير بصورة عامة، وأن العرف اللغوي بعد عصر النزول هو الذي قصر مجال الهدي والضلال علي مجال الدين، ثم قال: «وبهذا كله يتبين لنا أن هداية أحد النبي أو إضلاله،
يعني التسبب في تقريبه أو إبعاده عن الخير في أي أمر من الأمور، وليس معناها- كما يقع في حسنا المعاصر - تقريبه من الإيمان بالله أو إبعاده عنه. وقد هداه سلمان إلي الخير يوم الأحزاب حين أشار عليه بحفر الخندق، وهداه ابن أبي إلي الشر يوم أحد حين أشار عليه بأن يخرج لقتال العدو وكان رأيه أن يتحصن بالمدينة» وبالتالي فإنه لا يمكن أن يقال إن الباحث لم يتأدب مع مقام النبي، لأنه من المعلوم أن النبي بشر وأن بعض الناس كان يشير عليه بما يحقق الصالح العام وأن بعضهم كان يشير عليه بضد ذلك، هذا عن مسألة التأدب،
وأما عن ذات التفسير، ولا شك أنه مغاير للتفسير الشائع، حيث تفسر «صلوا عليه» بـ «قولوا اللهم صل عليه»، فقد قدم الباحث أدلة عديدة علي ما ذهب إليه، من أهمها أنه بهذا التفسير يظهر اتساق كل المواضع التي ورد فيها الفعل «صلي» متعديا بعلي، ومنها قوله «هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلي النور وكان بالمؤمنين رحيماً» «الأحزاب/ ٤٣»،
بينما تفسيرها بغير ذلك لا يحقق الاتساق مع هذه المواضع ولا مع سائر المواضع التي وردت فيها مادة الصاد واللام والواو، ثم إنه قدم أدلة يستدل بها علي خطأ التفسير المشهور، فلا يعدو ما قاله الباحث إن يكون وجهة نظر علمية قد دعمها بأدلة. وقد اضطر الباحث في هذه المسألة أن يتتبع الشعر العربي من عصر صدر الإسلام إلي العصر الأيوبي، باحثاً عن تعبير «صلي الله علي محمد» فلم يجد له وجوداً إلا بدءاً من العصر العباسي، ووجد في شعر الصحابة «صلي الله» علي فلان من الناس «غير النبي»، واستنتج من ذلك صحة ما قاله بعض المؤرخين منهم ابن الأثير في الكامل، من أن عبارة اللهم صل علي محمد، قد بدأ ظهورها في زمن هارون الرشيد في أوائل الكتب.
وورد في تقرير فضيلة المفتي أن الباحث يدعوا إلي الأخذ بروايات بني إسرائيل والاكتفاء بعدم معارضتها القرآن الكريم، دون مراجعة ما كتبه أهل العلم في ضوابط الاستئناس بما جاء عند أهل الكتاب، ودون إشارة إلي اشتراط عدم معارصتها السنة أو الإجماع.
يشير فضيلة المفتي في هذا إلي قول الباحث «ولا يصح لنا أن نتجاهل الأناجيل وغيرها من أسفار العهدين القديم والجديد، وقد أمرنا الله أن نؤمن بها حيث قال: «يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل علي رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيداً» «النساء/ ١٣٦»، لأن الكتاب المقدس بهيئته الحالية قد أقر في مجمع لوديسيا سنة ٣٦٤ م، حيث تم الاعتراف بسبعة أسفار، ولم يضف بعدها أي سفر آخر إليه «يعزو الكلام إلي الشيخ أبو زهرة في كتابه محاضرات في النصرانية من ص ٨٦ إلي ٩٠»، فلا ينبغي أن يقال إن القرآن عني بذلك الكتاب ما أنزل علي موسي وعيسي، ولم يقصد هذه الأسفار، ومن البدهي أن إيماننا بـ«الكتاب المقدس» لا يعني أبدا أن نقبل منه خبرا نفاه القرآن، أو خبرا لا يتوافق مع المعطيات القرآنية، أو المعطيات التاريخية أو العلمية»
__________________
samozin
|