عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 08-12-2007
الصورة الرمزية لـ para`o
para`o para`o غير متصل
Gold User
 
تاريخ التّسجيل: May 2004
الإقامة: macira
المشاركات: 848
para`o is on a distinguished road
وعدا الفكر والثقافة والأدب، فقد لعب المسيحيون العرب دورا مشهودا، ومتميزا، في كل مجال ابداعي من مجالات الفن أيضا.
أفيجوز أن يُظلموا ويُظلم أبناؤهم في وطنهم؟ وهل بهذا الظلم لا يَظلم المسلمون، بهم، الا أنفسهم؟
ولكنهم اليوم يُهجّرون من ديارهم، ويعاملون بتمييز، ويُعزلون، وتوضع علي حقوقهم وحرياتهم قيود وشروط، وهناك بيننا (بعض ممن ليس لديهم ضمير ولا ذمة) من ينظر اليهم علي انهم أهل ذمة ، ليعاملهم كــ أقلية.
وهل هم أقلية؟
اذا كان المسيحيون العرب أقلية، فأقلية هم طرفة بن العبد وأمرؤ القيس والنابغة الذبياني. وهؤلاء مسيحيون. ولا أدري كيف يمكن ان تكون الثقافةُ العربيةُ عربيةً من دونهم. بل لا أدري أي ثقافة ستكون؟ كما لا أدري أي عرب ولا أي مسلمين سنكون؟
نصر المسيحيون الأوائل محمدا (ص) عندما كان أهله يحاربونه. وهم حموه وحموا أتباعه، عندما كان أهله يريدون قتله وقتلهم.
وها ان هناك بيننا من يرد لأبنائهم هذا الدَين، ظلما وتهجيرا، بل حرقا للكنائس وقتلا لرجال دين، كما هو حاصل في العراق؛ وحرمانا وتمييزا، كما هو حاصل في غير بلد عربي.
ولئن حارب المسيحيون العرب الاستعمار العثماني، باسم القومية العربية، فقد فعلوا الشيء نفسه في وجه الاستعمار الغربي أيضا.
لا دين العثمانيين كان هو القضية في مشروع التحرر القومي، ولا دين الغربيين. القضية كانت، بالنسبة لرواد مشروع النهضة، هي قضية التحرر من الاستعمار والهيمنة الأجنبية. من هذا المنطلق فقط كان قسطنطين زريق وجورج حبش من أوائل الذين أسسوا حركة القوميين العرب. ومن هذا المنطلق نفسه انجبت حركة النضال من اجل الوحدة القومية وتحرير فلسطين مناضلين، بالآلاف، من قبيل وديع حداد ونايف حواتمة وصلاح البيطار وميشيل عفلق وانطون سعادة ونجاح واكيم وجورج حاوي وصولا الي البطريرك ميشيل الصباح وأميل حبيبي وحنان عشراوي، ووصولا الي جوزيف سماحة وسمير قصير.
واذا كان الملايين منا يحتفون ببطولة الاستشهاديين في مقاومة الغزاة، فقد كان جول جمال أول استشهادي عرفه تاريخ الصراع في المنطقة. وجول جمال مسيحي.
وكان هذا الضابط السوري هو الذي دمر البارجة الفرنسية الضخمة جان دارك في حرب السويس عام 1956 باستخدام الطوربيد الذي يقوده لكي يصدم به تلك البارجة. وتقول الوثائق التاريخية حول هذا البطل، انه سوري من مواليد اللاذقية وكان ضابطا ميكانيكا. وعندما اندلعت حرب السويس بالهجوم الثلاثي (البريطاني-الفرنسي-الاسرائيلي) علي مصر عام 1956 لم يستطع، وهو يستمع الي ما تتعرض له مصر من عدوان، ألا يفعل شيئا، فقرر الالتحاق كمتطوع في سلاح البحرية المصرية. وانضم الي القتال فورا. وذات يوم والحرب ما زالت مستعرة عرف جول جمال ان المدمرة الفرنسية الشهيرة تقترب من بور سعيد، وكانت احدي أكبر المدمرات في ذلك الزمن ولو وصلت الي الشاطيء المصري لكان بوسعها ان تلحق دمارا بالمدينة، فذهب الي قائده جلال الدسوقي في منتصف الليل وترجاه ان يسمح له بأخذ قارب مليء بالمتفجرات ليصدم بها اذا اقتربت بالفعل من شواطيء بور سعيد. وزوده الدسوقي بالقارب، ويقال انه رافقه في تلك الملحمة، التي اسفرت عن شطر البارجة العملاقة الي نصفين لتغرق بكل من فيها. وكانت هذه العملية من بين أبرز العمليات التي صنعت النصر في المعركة.
والي جانب جول جمال هناك الآلاف ممن لا يُحصون قد سطروا بطولات في أعمال المقاومة والدفاع عن الأوطان في جميع حروبنا ضد المعتدين والغزاة.
ولا أدري كم كان سيبقي من مشروع التحرر من دون هؤلاء، او أي مشروع سيكون؟
مسيحيون، نعم، ولكنهم نصروا محمدا (ص) حتي ضد أهله، ونصروا العرب المسلمين ضد المستعمرين حتي عندما كان أولئك المستعمرون مسيحيين!
وتقول أدلة التاريخ ان الغزاة الصليبيين عندما اجتاحوا القدس عام 1099، فانهم لم يقصروا مذابحهم علي المسلمين، بل ذبحوا معهم المسيحيين أيضا.
وهكذا كان الغربيون تجاهنا دائما. أعطيناهم العلوم الأولي فعادوا الينا بتكنولوجيا القتل والدمار الشامل. أعطيناهم أول قيم العدالة والقانون، فعادوا الينا بديمقراطية الدبابات. وأعطيناهم المسيحية، فجاؤوا الينا بالحروب الصليبية.
وظلت الـ كنائس الشرقية، غريبة ومنبوذة في نظر كنائس الغربيين لا لشيء الا لأن مسيحييها عرب، والا لأن روح المسيحية الأصيلة تكمن فيهم.
والسيد المسيح (عليه السلام) انما هو مسيحنا نحن أولا، علي أي حال، وان جاء لكل العالمين. هو ابن سمائنا، وهو ابن السيدة مريم آل عمران (عليها وعليهم السلام). الذين قال فيهم القرآن الكريم: ان الله اصطفي آدمَ ونوحاً وآل ابراهيم وآل عمران علي العالمين. (آل عمران 32)، و.. واذ قالت الملائكةُ يا مريمَ ان الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك علي نساء العالمين (آل عمران 42)، و.. قل آمنّا بالله وما أُنزل علينا وما أنزل علي ابراهيم واسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسي وعيسي والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون (آل عمران 84).
لكن ها نحن نفرق بينهم، ونجازيهم.. بوصفهم أقلية. وكنائسهم وأديرتهم لم تعد في مأمن من المضايقات والاعتداءات.
ويقول المطران اندراوس أبونا، ان أعمال العنف التي تضرب العراق كل يوم من كل ناحية وصوب أدت الي هجرة نصف مسيحيي العراق.
وتشير الدلائل الي ان هجرة المسيحيين العرب الآخرين تحولت الي ما يشبه ظاهرة نزوح جماعي في العديد من البلدان العربية، تلافيا للمضايقات وأعمال التمييز التي يتعرضون لها.
وبطبيعة الحال، فقد أسهمت الأصوليات الاسلامية (هي غالبا أصوليات جهل بالدين والتاريخ معا)، في تحويل أجواء العيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين، التي استمرت علي مدي 14 قرنا، الي أجواء يغلب عليها التوتر، فيما تتراوح السياسات الرسمية للكثير من الدول العربية بين متجاهل للمخاطر، مستهين بعواقبها الاجتماعية، وبين متواطئ مع ثقافة التمييز، ومتساهل مع خطاب الجهل الأصولي حيال هذه الأقلية.
ولكن فقط اولئك الذين هم أقليو عقل وضمير، هم الذين يستطيعون ان يعاملوا المسيحيين العرب كـ أقلية برغم انهم، مثلنا، عرب قبل ان يكونوا مسيحيين، وبرغم أننا، مثلهم، مسيحيوذن قبل ان نكون مسلمين.
ولكن ماذا يعني مجتمع مسلم من دون مسيحيين؟
بتغييب المسيحيين عن عروبتهم، لن يبقي لدي العرب الا الدين. وهذا من دون مسيحيين لن يعود، بمقاييس اليوم، دينا جامعا أبدا. فبدلا من ان ترتفع التمايزات الي مصاف الوطن والوطنية، فان الاسلام، من دون المسيحيين، سينخفض بمصاف تمايزاته ليكون صراعا بين سنة و شيعة فقط لا غير.
وجود المسيحيين بين المسلمين، كما غيرهم من الطوائف الدينية الأخري، في بيئة تعايش ومساواة، هو العنصر الاجتماعي الوحيد الذي يمكنه ان يضع التمايزات الطائفية علي معيار وطني جامع.
ووجود المسيحيين بين العرب هو وحده الذي يقدمهم كأمة ذات طبيعة قومية لا كمجرد مجموعة دينية. فالأمم الحديثة، حتي وان كان الدين عنصرا حيويا في وجودها، الا انها لا تقوم علي أساس ديني من دون ان تجد نفسها في حرب مع كل دين. وهذا ليس من الاسلام في شيء.
احموا مسيحييكم، تحموا عروبتكم. بل احموا مسيحييكم، لتحموا دينكم نفسه من التمزق الطائفي.
انهم ملحنا. وهم منا ونحن منهم، فلماذا يُظلمون؟
الكثيرون يعتبرون المسيحيين العرب، بالدور التاريخي الذي لعبوه في مشروع النهضة والتحرر، جسرا مع الحضارات الانسانية الأخري. ولكن هذا الوصف لا يستقيم مع من كانوا جزءا أصيلا من الأساس القومي لهذا المشروع.
اليوم، المسيحيون العرب، هم وحدهم الاسمنت الذي يمكنه ان يحافظ علي هذا الأساس من التفتت.
القس العربي
عدد الخميس ٦ ـ12ـ2007
__________________
مصر بلاد المصريين
الرد مع إقتباس