سلام آخر زمن : إسرائيل ترفع قضية على مصر!
سعد هجرس
الحوار المتمدن - العدد: 2158 - 2008 / 1 / 12
"رضينا بالهم .. والهم مش راضى بينا" .
هذا المثل الشعبى المصرى يجسد واقع الحال بيننا وبين إسرائيل التى حكم علينا الزمان بأن نوقع معها معاهدة صلح، تأبى الدولة اليهودية إلا أن تدع فرصة تمر دون أن تذكرنا بأنه "صلح الذئب على الغنم".
ورغم أن الغالبية الساحقة من المصريين لا تستطيع أن "تبلع" هذه المعاهدة التى دخلت عامها الثلاثين، ورغم ان استمرار السياسة العداونية الإسرائيلية المتغطرسة هو السبب الرئيسى للتشكك الشعبى المصرى فى حقيقة نوايا الدولة اليهودية من توقيعها على هذه المعاهدة، فإن إسرائيل تصر على أن يكفر المصريون بجدوى أى تسوية سياسية معها.
وقد بلغت الوقاحة الإسرائيلية بهذا الصدد حد تحريض عشر عائلات من سكان مستوطنة "سيدروت" على تحريك دعوى قضائية ضد مصر، يطالبون فيها الحكومة المصرية بدفع تعويض قيمته 260 مليون شيكل (أى ما يقرب من 300 مليون جنيه مصرى).
لماذا؟
لأن هذه العائلات لها أقارب قتلوا أو جرحوا من جراء هجمات بصواريخ القسام.
وما شأن مصر فى ذلك؟!
لأن المسئولين المصرييين – وفقاً للادعاءات الإسرائيلية- سمحوا بتهريب أسلحة ومتفجرات عبر الحدود المصرية مع قطاع غزة.
ويقول الموقع اليهودى Totally Jewish ان الدعوى القضائية الإسرائيلية التى تنظرها محكمة "بئير شيفا" تزعم ان هذه المتفجرات تستخدمها "حماس" و "فتح" و"الجهاد الإسلامى" ، وغيرها من الجماعات الفلسطينية لتصنيع صواريخ القسام التى يتم إطلاقها على سيدروت الواقعة جنوبى إسرائيل .
وتمضى هذه الدعوى القضائية الوقحة لتقول أن الحكومة المصرية تساعد ما تسميه إسرائيل بـ "الجماعات الأرهابية" بغضها البصر عن تهريب أطنان من المتفجرات وآلاف الأسلحة إلى غزة. كما أن الحكومة المصرية تسمح لـ "الارهابيين" بالعبور جيئة وذهابا بين سيناء وغزة، وانها توفر لهم ممراً مفتوحاً من قواعد تدريب "الارهابيين" فى دول مثل ايران ولبنان وسوريا إلى غزة.
وتزعم الدعوى القضائية الإسرائيلية كذلك أن مصر تساعد الجماعات "الارهابية" الفلسطينية فى تهريب عشرات الملايين من الدولارات إلى غزة، وأن هذه الأموال تستخدم فى تنفيذ الهجمات "الارهابية" وتقوية حركة "حماس" .
وأضاف المحامى الذى رفع الدعوى نيابة عن هذه العائلات، نيتسانا دارشان لايتنز، - والذى لا أعرف إن كان ذكراً أم أنثى- أن "مصر قد تم تحذيرها مراراً وتكراراً من جانب إسرائيل والكونجرس الأمريكي لوقف دعمها لعمليات التهريب التى تقوم بها "حماس" إلى غزة. ولكنها رفضت القيام بذلك رغم وجود ما يسمى بمعاهدة سلام (هكذا قال المحامى الإسرائيلى : ما يسمى بمعاهدة سلام) بين مصر وإسرائيل ".
أما سبب تقاعس مصر عن إيقاف عمليات التهريب المزعومة فهو – كما يقول المحامى الإسرائيلى ذاته – أن "مبارك يريد ان يستنزف إسرائيل بصواريخ القسام".
ويمضى المحامى الكذاب فى "الاستعباط" ليقول "وفقا لوجهة النظر المصرية فإن الحرب العربية ضد إسرائيل القائمة منذ عقود مستمرة حتى اليوم، وأن ما لم تستطع مصر أن تحققه فى حرب 1973، تستمر فى محاولة تحقيقه الآن عن طريق هجمات حماس.
ومثلما تستخدم ايران حزب الله بالوكالة عنها فى لبنان ضد إسرائيل، تقوم مصر باستخدام حماس وحركة الجهاد الاسلامى فى غزة".
هذا ما ذكره بالنص الموقع اليهودى Totally Jewish فى تقرير منشور فى 7 يناير الجارى بقلم مارك شوفان..
وبالتوازى مع ذلك تمادت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبى ليفنى فى تصريحاتها الاستفزازية التى وصفها الر ئيس حسنى مبارك بانها "تجاوزت الحدود" .
فقالت فى تقرير قدمته إلى الكنيست مؤخراً أن ما سبق أن قالته من مزاعم هى "حقائق دقيقة" .
وأضافت أن "السلام مع مصر أمر استراتيجيى لكن التهريب لقطاع غزة هو مشكلة استرايتجية أيضا ينجم عنها كل طلقة أو صاروخ يتم أطلاقه تجاه إسرائيل".
وما قالته ليفى فضلا عما قاله المحامى المشار إليه آنفا فى معرض تفسيره لمقاضاة مصر أمام المحاكم يدخل فى باب ابتزاز مصر، والواضح أنه كلام تافه ينطوى على "استعباط" وترديد لمزاعم سخيفة يعرف الإسرائيليون قبل غيرهم أنها كاذبة، الأمر الذى يرجح أن المقصود هو ابتزاز مصر من اجل تمرير أهداف أخرى، ربما يكون من بينها ما تردد مؤخرا من أن إسرائيل ستطلب من الولايات المتحدة والاتحاد الاوربى السماح لها بإنشاء قاعدة عسكرية بالقرب من معبر رفح، مع إخضاع معبر رفح لمراقبة من القوات الدولية. ونقلت شبكة "فلسطين اليوم" عن مصادر أوروبية قولها أن الحكومة الإسرائيلية ستقدم هذه الافكار للرئيس جورج بوش خلال زيارته للمنطقة. كما أن إسرائيل تقدمت إلى الاتحاد الاوروبى برسالة احتجاج ضد مصر بسبب سماحها للحجاج الفلسطينيين بعبور معبر رفح، وليس من خلال معبر كرم أبو سالم كما كانت تريد إسرائيل.
وربما يكون المطلوب إسرائيليا وأمريكياً أكثر من ذلك، الأمر الذى يبين أن الادعاءات الإسرائيلية متهافتة ولا قيمة لها، ويكفى أن نتذكر أن إسرائيل التى تشكو من قذائف بدائية وأسلحة خفيفة – تم تهريبها على الأرجح من داخل الدولة اليهودية – هى نفس الدولة التى تمتلك أكبر ترسانة أسلحة دمار شامل وغير شامل تتفوق على كل جيوش المنطقة، فضلا عن أن المرء يكاد يظن لأول وهلة عندما يسمع هذه المزاعم الإسرائيلية أن الفلسطينيين هم الذين يحتلون إسرائيل ويسومون الإسرائيليين العذاب.
فسلام .. على السلام.