عقلية الصراع - الدكتور عماد الدين خليل نموذجاً
بقلم سهيل احمد بهجت
امتلأت ساحة الثقافة في العالم "الإسلامي - الظلامي" بأشباه المثقفين ومروجي "الدين العنيف" كبديل واضح عن "الدين الحنيف"، والظاهرة الجديرة بالانتباه هنا هو أن هذه الأسماء أو الأوجه البارزة على الساحة "الثقافية" تقوم بدورين سلبيين، الأول: هو تمثيل أو التظاهر "الإعلامي" بأنهم ضد الأنظمة الحاكمة في عالمنا الظلامي المتخلف بينما على أرض الواقع يكون هؤلاء الإسلاميون هم من يوفر غطاءاً شرعياً للأنظمة المستبدة "الطائفية"، وحينما يحصل تغيير منشود نحو الديمقراطية وتعدد الرأي وحُرية التعبير، ينتقل الإسلاميون من دورهم السلبي الأول إلى الثاني وهو القيام بالمواجهة الفعلية ضد النظام الديمقراطي - الحزب الإسلامي في العراق والحركات السلفجية الرجعية في موريتانيا والإخوان المسلمون في مصر هي خير أمثلة على كلامنا - وحين يحدث هذا فلا حاجة بنا إلى البرهنة على أن الإسلام السياسي هو أحد أهم أركان الدكتاتوريات القائمة في داخل عالمنا وأهم أسباب الإرهاب المُصدر إلى الخارج. من ضمن الفكر الإسلامي المزعوم، جذب انتباهي كاتبٌ لهُ جمهوره في العراق والخليج وهو الدكتور عماد الدين خليل، وسبق لي أن قرأت بعضاً من أبحاثه حول ما يُسميه "التاريخ الإسلامي العربي"!! وجهود الكاتب خلال أعماله الكتابية ولقاءاته الإعلامية تتمحور حول "أزمة الهُوية الإسلامية", "فلسفة التاريخ من وجهة نظر إسلامية"!! والنظرة الاغترابية إلى الآخر المذهبي والديني وحتى القومي، هذا النهج الذي تبرز من خلاله نمطية "بدوية" قائمة على العزلة وعهود ما قبل ثورة الاتصالات الحديثة من الطبيعي أن تنتج فكراً قائماً على العزلة أولاً ومواجهة الآخر ثانياً، وكل هذا يتم خلال أُسلوب خطابي منمق يُركز على الكلمات والعبارات التي تهدف إلى التعبئة والحشد في "معركة" أزلية ليس لها نتيجة إلى تدمير الذات أو القضاء على الآخر.
يقول الدكتور عماد الدين خليل في بحثه المنشور على موقع "الفسطاط" بعنوان (وجهة العالم الإسلامي في القرن الخامس عشر):
"إن علينا أن نراجع حساباتنا عبر ذلك القرن، المترع بالوقائع والأحداث، والذي تأرجح فيه المسلمون، بين الهزائم والانتصارات.. وكان الخط الواضح.. النتيجة الأكثر ثقلاً في مجرى الصراع الطويل، هو كثرة الهزائم، بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخنا.. وحتى الانتصارات التي كانت تنتزع انتزاعاً من فكي الخصم بكثير من الدم والأشلاء، كانت تتميع أحياناً بعد فترة تطول أو تقصر، وتفقد بريقها.. كانت تُمتص أو تُحتوى.. وأحياناً كانت تؤول إلى خسران جديد.. وقليلة جداً هي الانتصارات التي ظلت متألقة تحمل ديمومتها وقدرتها على الفعل عبر السنين.." فالملاحظ أن كلمات "الهزائم"، "الانتصارات"، "الصراع الطويل"، "الخصم"، "الدم" و.. إلخ. هي مجموعة أسلحة أكثر من كونها كلمات وتعبيرات ذات دلالة فكرية خلاقة، نحن لا نستطيع أن ننفي عن هذه الكلمات أن لها معانٍ ككل مفردات اللغة، لكنها مفردات سلبية هي بالنقيض من المناهج الدينية الحديثة التي تخلق مجتمعات، المعروف تاريخياً، أن مفردات الصراع كفلسفة منطلقة من الدين أو الحِس القومي أو الأممي "الشيوعية مثالاً" تنتهي دوماً بكوارث وإخفاقات و"هزائم" حضارية قبل كونها هزيمة محدودة في زمان معين، فعندما هزم "نابليون بونابرت" المماليك لم تكن تلك مجرد هزيمة بسيطة وحدثاً عادياً، بل إن العقلية الانعزالية التي جابهت نابليون هي ذاتها التي تخلق نفسها من جديد "على نمط قديم"، ولنفس السبب تكررت هزائم سقوط العثمانيين، هزيمة 1967 وسقوط صدام صنم بغداد. إن المدنية الحديثة ليست مجرد لعبة ساحة وميدان تتوقف على عضلات المتبارين وغذائهم، بقدر ما يتوقف الأمر على المواقف الفكرية والفلسفية للشعوب في مجموع أفراد كل شعب، فبينما يوغل الغرب في النزعة الفردية وخلق فردٍ طموح ومثابر دقيق ونظامي في عمله، نكثر نحن "المسلمون"!! من الخطاب الجميل والجمل الصحيحة "نحوياً" والتي توجه الخطاب إلى "القُطعان" التي تكون شعوبنا، وما دامت المسألة تتعلق بجماعات وقطاعات ومكونات، فإن كل فردٍ في هذا المجتمع سيترك حل مشاكل الفرد والمجتمع لحضرة "قائد القطيع" فهو الأعلم بمصلحة الخراف ومن منها يؤخَذ إلى السلخ ومن لا يؤخذ، يقول الدكتور عماد الدين خليل - المصدر السابق:
"إن الصراع لم يكن متكافئاً.. كان الخصم يحقق قفزاته المذهلة في مجالات (المدنية) كافة، وفي (التقنية) والسلاح على وجه الخصوص.. وكنا نحن نستيقظ ونفرك أعيننا في ذيول ليل طويل، لم يكن الإسلام وقيمه الفاعلة قد أضاءت جنباته إلى قليلاً.. وقد جاءت الضربات، في معظمها، سريعة، مفاجئة، متلاحقة، من ملاكم عنيد ذي دربة ومران يضع قفازاً جيداً في قبضته ويلبس قناعاً سميكاً في وجهه.. وكنا نحن أشبه بالملاكم الذي يقاتل على المكشوف.. لا دربة ولا مراناً.. ولا أدوات يتقي بها سيل اللكمات.." نقول تعقيباً على الكلمات السابقة للدكتور أن الكاتب لم يطرح على نفسه السؤال الأهم وهو: لماذا نامت هذه الشعوب أصلاً؟ ولماذا تخلفت عن الركب؟ إن المسألة لم تعد تقتصر على ما إذا كان العالم "المسلم" يمتلك التقنية أم لا! فكثير هي الشعوب التي تطورت تقنياً لكنها متخلفة على مستوى الدولة والنظام وحقوق الإنسان - الإتحاد السوفيتي السابق والصين الشيوعية هي خير مثال - لكن المسألة تعدت هذه