كان بكرى يدرك أن المهمة ليست سهلة بالمرة ، فمن الصعب أن يتحول أعداء الأمس لأصدقاء فجأة ، وهناك من يرصد خطواته ، ويتحين الفرصة للانقضاض عليه مرة أخرى وكان يدرك أيضا أن المعركة ستكون حاميه مع بعض الأشخاص الذين يحتفظ بخصومتهم منذ سنوات عديدة
وصدر العدد الأول من الأحرار اليومى فى نفس التوقيت الذى حدده بكرى موعدا للصدور ..كانت الساعه تشير إلى الثامنه مساء يوم 18/4/1994 م عندما تلقينا العدد اليومى الأول من الأحرار بين أيدينا ..ورغم الإرهاق والتعب فى الأيام السابقة ، والاجتماعات التى كان يعقدها بكرى باستمرار والتى كان دوما يحذرنا فيها من التراخى ، مؤكدا أن الكل يراهن على فشلنا ، الا أننا جميعا لم نغادر مقر الجريدة انتظارا لوليدنا الجديد ، وعندما وصل ، من المطبعة تلقفناه مثل الأطفال فى شوق وعشق ، وأخذ كل منا يقلب فى صفحات الجريدة ..يتصفح محتوياتها ويحتضن كل سطر فيها ..وجاء بكرى ومعه مصطفى مراد ، وجاءت التورتة ، وأوقدنا الشموع ، وتحلقنا حول مائدة ضاقت بنا وتحدث مراد .. عن الشباب ، والإصرار ، والحلم الذى كان يتمناه فى جريدة يومية ..وقال بكرى كلمات كثيرة ، وحلق بالجميع بين الماضى والحاضر ، ثم حط رحالة على أرض الواقع وقال
- الكل يراهن بأننا لن نستمر طويلا ، لكننى على يقين بأننى سوف أستمر بكم طويلا ، لأن التجربة ليست ملكا لبكرى وحده ، بل هى تجربتكم أنتم أولا وأخيرا
ثم جفف عرقا تفصد على وجهه الأسمر ، واستطرد وهو يعاود القفز فوق وجوه الجميع بلا هوية
- سأقولها لكم بصراحه ، وبلا لف أو دوران ، أنا لست على استعداد لتكرار تجربة مصر الفتاة ، أو مصر اليوم مرة أخرى ، ولن أسمح لانسان بتدمير حلمنا جميعا ..الذين صفقوا لنا ونحن نصرخ من مصر الفتاة ضد الظلم والفساد ، كانوا أول من تخلى عنا ، وانفضوا من حولنا عندما تم اغلاق الجريدتين خوفا من غضب السلطة عليهم ...يكفينا تحقيق 5.% من أهدافنا مقابل الاستمرار
ورغم الضحكات ، والمثلجات ، والتورتة التى اقتسمها الجميع ، والشموع المضاءة ، الا أننى قرأت مايدور داخل صدر هذا الصعيدى ..ففى تجاربه السابقة كان يرفض التخلى عن 1% من أهدافه ، أما الآن ، فهو يعلنها صراحة ، وبلالف أو دوران
**************
وكان بكرى طموحا ..وحاربنا معه لأنه كان تجسيدا لثورتنا ، وطموحنا وأحلامنا الشابة ، التى فشلنا فى العثور على مكان لها حتى الآن ، وحدد الرجل طريقه هذه المره ..استفاد من خبرات الماضى ...وصال الرجل ، وجال ..وكتبنا معه ضد الظلم ، وامبراطورية الشر والفساد فى مصر ...وحدث انقلاب فى حياة الرجل ، ودخلت فى حياته مصطلحات ومعان لم يعهدها من قبل خلال رحلة الطريق ...الدولار ...دول الخليج ...امراء البترول ...السلطة ...البيزنس ...و...أعداء الأمس تحولوا لأصدقاء ..و....و......دار الرجل فى فلك الحكومة ....البعض هاجمة والبعض حسدة ، وآخرين تمنوا أن يحتلوا موقعه ..وبين هذا وذك ، كانت الأسئله تقفز متطايرة فى الرأس ...اذا كان الأمر هذا أوذك ، ألم يتبن الرجل مواقف المواطن البسيط ؟...واذا كان البعض يهاجمه لأنه اقترب من السلطة ، فأين كان هذا البعض ، عندما تم اعتقاله أكثر من مرة ذات يوم ؟ ويوم اغلاق الصحف التى كان يتولى رئاسة تحريرها ؟
لقد أصبح الرجل ظاهرة فى بلاط صاحبة الجلالة ، البعض قال عنها أنها ظاهرة سيئة ، والبعض قال عنها أنها ظاهرة لابأس بها ..أما نحن الجيل الجديد فى الصحافة ، فلم نشغل أنفسنا بالتوقف طويلا لدراسة الظاهرة ، ولم نحاول شغل أنفسنا بهذه السفسطه العقيمة ، فقط شعرنا بأن الرجل يستحق التقدير منا ، لأنه مد اليد لمساعدتنا أثناء رحلة الطريق ، ونفس هذه اليد ، امتدت إلى الخصوم قبل الأصدقاء ....ثم...ثم يكفيه أنه أصبح ظاهرة انشغل بها الكثيرين ، وأولهم أنا ، فى هذا الكتاب
__________________