أحترم حق الناس في أن يقدّسوا ماشاؤوا. قدّس الحجر أو الشجر أو البشر وثق بأنني سأقدسها معك طالما تُسعدك ولا تضرّني.
الأمر مع القرآن يختلف، نحن هنا لسنا مختلفين على قدسيته وحسب، بل خلافنا أعمق بكثير وهذا ما يحتاج إلى توضيح.
الكتاب أي كتاب، سماويّ- كما يدعي البعض- أو بشري هو عبارة عن رسالة يرسلها المؤلف إلى قرائه.
أبسط قواعد الكتابة تقتضي أن يفهم القارئ رسالة الكاتب بشرا كان أم إلها، وأبسط أخلاق الكتابة أن تكون الرسالة المكتوبة واضحة هادفة بنّاءة.
إذا افترضنا جدلا بأن هناك إلها يكتب ويرسل ما كتبه لعباده، لن يختلف اثنان منّا بأن ما يكتبه ذلك الإله يجب أن يعكس حكمته وقدرته.
يُفترض أن يدرك الإله قدرة البشر على الفهم فيراعي عندما يكتب محدودية تلك القدرة كي يستطيع أن يصل برسالته إليهم.
ويُفترض أن يكتب بحكمة، فلا يثرثر كي يصل إلى هدفه دون أن يضيّع وقته ووقته قرائّه.
القرآن من أكثر الكتب في تاريخ العالم التي لعبت دورا في هدر وقت قرائه وسلب أخلاقهم.
لم يحترم أبسط قواعد الكتابة، ولم يلتزم بأبسط أخلاقها. دمّر ولم يبن.. سلب ولم يعط.. أفلس ولم يثقّف.. ضلّ ولم يهد!
ما الحكمة من أن يرسل الله كتابا يحتاج إلى ملايين التفاسير والتأويلات كي يستطيع أن يصل برسالته إلى قارئه؟
ألم يكن الله قادرا على إرسال رسالة واضحة لا تحتاج إلى بشر كي يؤولوها ويفسروها، خوفا من الضياع في داهليز التأويل والتفسير؟
ألم يكن الله قادرا على أن يوحي لـ "نبيّه" بأن يفسر لأتباعه كل أية على حدة، أم كان ذلك النبي نفسه لا يعرف التفسير؟
لماذا لم يوعز الله لـ "نبيّه" ليكتب القرآن قبل أن يموت كي يُجنب الناس الضياع بين النقل والتنقيط والتحريك والتفسير، وما آل إلى ذلك من حجج واهية تفضح أكثر مما تُستر.
خلال عشرين عاما نسخ الله آياته وغيّر قوله، وخلال أربعة عشر قرنا من الزمن لم يسمح لأحد بأن ينسخ أو يُغير!! أليس الله أدرى بحاجة الناس عبر الزمن إلى النسخ والتغيير؟!!
كيف يحتاج الله إلى أن ينسخ أقواله خلال وقت قصير جدا بالنسبة لديمومة الله، ولا يسمح للإنسان أن ينسخ تلك الأقوال خلال عمر طويل جدا بالنسبة لحياة الإنسان؟
كيف يكتب الله كتابه بلغة قبيلة لا علاقة لها بسكان الأرض من قريب أو بعيد، ثمّ يفرض على العالمين أن يقرأوه بلغة تلك القبيلة فهموه أم لم يفهموه؟ إنها لمهزلة!
ما الحكمة من قراءة كتاب دون فهمه؟!
من يقرأ تبريرات المسلمين لما جاء في كتابهم من عجز لغوي وأخلاقي يجد نفسه أمام طفل أوقع صحن من الطعام فكسره وطرطش به أرض المطبخ، ثم راح يحاول أن يخفي فعلته بدفش أجزاء الصحن في زوايا المطبخ.
آثار الجريمة التي اقترفها القرآن بحق عقل المسلم قد طرطشت كل أجزاء حياته، وتمتد الآن لتطرطش العالم بأثره.
يحاول ذلك الطفل أن يُقنعني بأن القرآن نزل بلغة أهل قريش وعلينا أن نراعي ذلك بينما جاء في القرآن نفسه: إنا أنزلناه قرآنا عربيا....
ثم يذهب أبعد من ذلك فيستهزأ بعقلي محاولا إخفاء المزيد من فضائحه باللجوء إلى حكاية الجمع والتنقيط والترقيم والتحريك، وهي حكاية تافهة ولم تعد قادرة على أن تُجيب على سؤال أو تستبدل الشك باليقين!
عندما أقرأ القرآن تُصيبني حالة رهيبة من الذهول فأتساءل: كيف يقرأ عاقل ذاك الكلام ولا يقف عنده؟!!
تقول إحدى آياته:
"يا آيها المزمل، قم الليل إلاّ قليلا، نصفه أو انقص منه قليلا، أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا..."
تضع تلك الآية قارئها أمام ثلاث خيارات أسهلها مستحيل:
قم الليل إلا قليلا؟!!
نصفه أو انقص منه قليلا؟
أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا؟
لا يخرج هذا الكلام المبهم عن كونه بيت من الشعر ترك المعنى في قلب الشاعر!
أيعقل أن تكون تلك اللغة إلهية؟ أيعقل أن تكون تلك الخيارات إلهية؟ أيعقل أن يكون ذلك اللف والدوران رسالة واضحة هادفة بناءة؟!!
ما هي النتيجة التي جناها المسلم من تكرار تلك الآية على مدى أربعة عشر قرنا من الزمن؟
الإنسان ناتج لغته والمسلم ناتج قرآنه!
لغة مبهمة صعبة الفهم أنجبت إنسانا مبهما صعب الفهم. عندما أقرأ لبعض الكتاب المسلمين ألمس آثار تلك النتيجة واضحة، إذ يعجز معظهم عن ايصال فكرته إلى قارئه فيلف ويدور حول الفكرة ويحاول جاهدا دون جدوى، فلقد اعتاد على الغموض وتغليف الحقائق مهما بدا مؤمنا بها. والنتيجة نفسها عندما تحاور مسلما، إذ يستحيل أن تأخذ منه حقا او باطلا. البعض يعزي ذلك السلوك إلى الخوف، وقد يكون منصفا لكن الحقيقة تكمن في كونه ناتج للغة مبهمة صعبة الفهم.
عندما تكون غامضا مع طفلك وتلجأ إلى المواربة واللعب بالألفاظ واستخدامها في غير موقعها سينتج عن تصرفك هذا مخلوق غامض موارب وغير قادر على ايصال نفسه للآخرين.
والنتيجة نفسها عندما يعجز إله عن ايصال رسالته إلى بشره بوضوح ودون مواربة، سينتج عن رسالته تلك بشر مواربة غامضة وغير قادرة على التعبير عن ذاتها.
الإمساك بناصية اللغة والقدرة على التعبير هي، وبإجماع الكثيرين من علماء النفس الإجتماعي Social Psychology من أهم الخصائص التي تلعب دورا في نجاح الأشخاص. فالشخص القادر على ايصال رسالته إلى غيره أكثر قدرة على النجاح من الشخص المبهم العاجز عن التعبير.
عندما يكون المعلم قادرا على التعبير عن أفكاره يكون معلما ناجحا؟
عندما يكون الطبيب قادرا على ايصال فكره إلى مريضه يكون طبيبا ناجحا.
عندما يكون القائد قادرا على شرح وجهات نظره يكون قائدا ناجحا.
عندما يكون الكاتب قادرا على كتابة أفكاره يكون كاتبا ناجحا.
عندما يكون الوالد واضحا وقادرا على شرح الآداب والأخلاق يكون والدا ناجحا ويساهم في إنجاب أولاد مؤدبين خلوقين وناحجين.
وعندما يكون الكتاب مكتوبا بلغة واضحة وسهلة يكون كتابا ناجحا ويساهم في خلق قارئ واضح وسهل.