[the ghost]

كذب حسن نصرالله

علي السيد


يجزم أي مدرك للشأن اللبناني أن أياً من الفرقاء أو المتنازعين على السلطة لا ينطلق من أرضية وطنية. فالكل مرتبط بأجندة خارجية، والتهم التي يوجهونها لبعضهم البعض هي صحيحة في مجملها إذا ما وضعت في سياقات منفصلة. وما يقال عند بعض الزعماء المتورطين في الدم اللبناني (إن مايحدث في لبنان شأن داخلي) هو تدليس سياسي فج وكذب رخيص، لأن ما يجري الآن لا علاقة للبنانيين به أو على الأقل هم ليسوا متورطون فيه. إنما هو تدخل خارجي سافر وصرا عات إقليمية ودولية تدور رحاها على أرض لبنانية.

لكن ما يحدث الآن يدعو للتوقف عند شخصية حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله. هذا الرجل الذي كاد أن يحكم قلوب العالم العربي، وكاد أن يكون الزعيم الملهم لكل الخارطة العربية، وتمكن في زمن غياب الزعماء الملهمين أن يكون زعيماً وأن يخطف عقول وأبصار الناس جميعاً.


وكاد أن يقطف ثمار ذلك لولا عجلته وعجلة أئمته في (قم)، هؤلاء الذين استباحوا الدماء العربية في العراق عن طريق فرق الموت الشيعية المدعمة من إيران أو المليشيات الإيرانية المتغلغلة في جيش وشرطة العراق. وأنا شخصياً كنت على وشك الاقتناع التام أن حسن نصرالله شخصية (مُخلصة) وفذة تمتلك قدرات هائلة على فهم الواقع وإدارة الصراع، وأنه سيقدم دروساً عظيمة للأمة العربية التي فشلت في تحقيق إنجاز مثل ما حقق حزب الله في صراعه مع إسرائيل. غير أن الرجل لم يستطع الخلاص من أوامر سادة قم وحكام بلاد فارس، إذ انقلب على كل وعوده والتزاماته الوطنية حين كرر في الكثير من خطبه التي تلت العدوان الصهيوني على لبنان أن سلاح المقاومة لن يرفع في وجه أي لبناني (هذا وعد مني)0

وها هو سلاح حزب الله يروع الآمنين.. يحرق ويدمر ويقطع ويغلق الطرق والمطارات ويطارد المغايرين له في الرأي، وينطلق بعشوائية وغل على مشيعي الجنازات، فيقتل ويصيب. ويهدد الإعلاميين ويتسبب في غلق مؤسسة إعلامية ويحول عاصمة لبنان لثكنة عسكرية. وفضل لغة الرصاص على ما دونها من وسائل تحقن الدماء، ورفض إجراء أي حوار إلا إذا تراجعت الحكومة عن قرارات اتخذتها ورآها حزب الله ضارة جدا به، ورأتها الحكومة ضرورياً لتمارس بها سيادتها على قطاع الاتصالات . ولو كان الأمر لبنانياً فعلاً ما كان رد حزب الله بقرع طبول الحرب بل لجاء الرد في إطار الوسائل السلمية التي أجادها حزب الله في أوقات وأزمات سابقة، ولتمكن من تعطيل قرار الحكومة حتى لو كان صائبا.

لكن الأمر أبعد وأكبر من حزب الله الذي فضل حسم الأمر بالرصاص، والدخول في مواجهة مع الحكومة والشعب وفرض السيطرة على لبنان وتحييد الجيش اللبناني الذي لو تدخل لتحول لبنان كله إلى بحيرة من الدماء. يأتي ذلك وفقاً لمخطط إيراني بغيض يهدف إلى السيطرة على العالم العربي ونقل المعارك الإيرانية إلى مناطق وساحات أخرى، لكي يبقى المشروع الإيراني النووي بعيداً عن ضربات أمريكية محتملة.

وهكذا بوغت الجميع بانقلاب حسن نصرالله، ليس فقط بالسيطرة على بيروت وشل حركة الوطن اللبناني، ولكن الرجل انقلب على نفسه أيضا، إذ استبدل لغة الجمع التي كان يتحدث بها إلى الشعب اللبناني بلغة طائفية لا تخدم إلا الفتنة.. وغير لهجته من حديث رجل خائف على وطنه إلى رجل يهدد بقطع الرؤوس.. وعدل كلامه من كلام دافئ عن السلم الاجتماعي والأهلي بتهديد ووعيد للمخالفين.

وإذا كان حسن نصرالله ينطلق من أرضية حماية المقاومة والحفاظ على مكتسباتها، وهذا أمر لا يجادله فيه أحد، فإنه من الصعب بل من المستحيل أن تتعامل هذه المقاومة مع الحكومة على أنها عدو حتى لو كان هناك خلافات بين الطرفين، خصوصاً الحكومة الحالية التي عاشت وعايشت ظرف العدوان الإسرائيلي الذي وقع في يوليو 2006 ، وكانت حكومة فؤاد السنيورة هي نفسها الحكومة التي فاوضت وأيقظت ضمائر العالم لإيقاف الحرب، وهي نفسها الحكومة التي كانت تتحدث باسم كل اللبنانيين جميعاً،

كنت أظن أن حسن نصرالله اسم أكبر من زعيم حزب، وأنقى من رجال السياسة، وأهم من التابعين الضعفاء، لكن الرجل في الأزمة الأخيرة اتشح بثوب زعيم طائفة، وتكلم بلغة أضعف رجال السياسة الذين ينقلبون كل صباح على أنفسهم، ويغيرون أفكارهم ولا يخجلون من أكاذيبهم .

آخر سطر:
يقول جاك ماريتان: السلطة والقوة أمران مختلفان: القوة هي التي تجبر الآخرين على طاعتك، في حين أن السلطة هي الحق في أن توجه الآخرين أو تأمرهم بالاستماع إليك وطاعتك والسلطة تتطلب قوة، غير أن القوة بلا سلطة ظلم واستبداد، وهكذا فإن السلطة تعني الحق.

* نقلا عن صحيفة "المصري اليوم"